- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ظاهرتا الغلو والعداء لاهل البيت(عليهم السلام ) وجهان لعملة واحدة
الغلو في اللغة الارتفاع ومجاورة القدر في كل شيئء ،وغلا في الامر والدين جاوز حده، وفي كتاب الله الخالد القرآن الكريم (لاتغلو في دينكم)،واصل الغلاء الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيئء.
وتعتبر ظاهرة الغلو هو الاختلال في موازين الحب والولاء في طبائع البشر وقد حذر منها الاسلام عبر كتابه الكريم وسنته المطهرة ،وان رفض هذه الظاهرة في الاسلام على اعتبارها من المحرمات المؤكدة ومن مراتب الشرك وهذا لايعني بالضرورة اضعاف الولاء والحب والتمسك باهل البيت (سلام الله عليهم اجمعين )
والغلو آفة عقيدية تعبر عن الانحراف العقائدي وجهل في تركيبة التفكير وان مقدماته خاطئة تؤدي بالنتيجة الى الفهم الخطير للدين او المذهب المعّين .
وقد عرف العلماء الغلو بان يقف الانسان من البعض موقف المادح الغالي وان يقف الانسان من بعض الناس موقف الذام الغالي..وقد يكون اهل البيت (عليهم السلام ) من اؤلائك الذين ابتلوا بغلو الناس فيهم نظرا للسجايا والمزايا التي قلما تتوفر في غيرهم من عباد الله ولان المتعلق بهم المغالي عادة مايكون بالمستوى الذي يثير حب الناس الى درجة الافراط الموصل الى الغلو وهم (سلام الله عليهم) يتمتعون بقدرات اضافية كونهم يمثلون ايدولوجية القران بتعاليمه السماوية بالنص النبوي(اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ) وضعتهم موضع المغالى بهم دون غيرهم .
وقد حذر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مخاطر الغلو على عقيدة البشر ودينهم فيقول(اياكم والغلو في الدين) حتى ان الامامين (الباقر والصادق) عليهما السلام كانا يقولان دائما..(والله ما معنا من الله براءة وما بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله حجة ولايتقرب الى الله الا بالطاعة من كان منكم مطيع نفعته ولايتنا ومن كان منكم عاصيا لم تنفعه ولايتنا ) مكارم الاخلاق للطبرسي( 67)
والغلو من اخطر الظواهر التي تهدد العقائد وتشوّه الدين لانها تشوّه الفطرة التي اعطاها الله لعباده حيث انها تنعكس على مجمل عباداتهم وافكارهم ،وان السكوت على ذلك يمثل تشجيعا وترويجا وترسيخا لهؤلاء وافكارهم وكما اعتقد ان الردع عليهم ضرورة ملحة وواجب ديني واخلاقي ووطني على الجميع .
كما واعتقد حسب فهمي ان مسألتي تسطيح الوعي وبساطة الفهم هما من اهم الاسباب لنمو ظاهرة الغلو بالاضافة الى الفهم الخاطئ للعقيدة وحقيقة العبودية اضافة الى ظاهرة الاعتياش والتكسب على اهل البيت وابتزاز الناس والموالين لهم من خلال التاثير على عواطفهم واستدرار اموالهم ،كل تلك الاسباب والظواهر الموجودة في المجتمع تعزز ظاهرة نمو الغلو بين المجتمعات الاسلامية .
وان المتابع لتاريخ هذه الظاهرة يرى انها بدأت تنشأ وتتوسع عندما توسع الاسلام واندس قسم من اليهود والنصارى والمجوس الى الاسلام حيث حاول معظم هؤلاء الى جر العقيدة الاسلامية ومزجها بمجتمعاتهم من اجل ان (يهوّدوا ويمجّسوا وينّصروا) عقائد الاسلام الحية ، معتمدين بذلك تقرب بعض هؤلاء لسلاطين المسلمين آنذاك ،وايضا من اجل الحط من مقام اهل البيت الذين لايختلف المسلمون بوجوب طاعتهم ومودتهم بالنص القرآني(لااسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى) وقد كشف الامام الصادق (عليه السلام)(انا اهل بيت صادقون ،لانخلو من كذاب يكذب علينا ليسقط صدقنا فيكذبه علينا عند الناس) وهؤلاء نواصب حتى لو كانوا مدعين الولاء لاهل لابيت حسب قول امامنا الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) (والله ماالناصب لنا حربا بأشد علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره وبما لم نقله بانفسنا).
وفي ضوء ما تقدم تبين لنا أن النجاة يتمثل في الاعتدال بحبهم عليهم السلام ، فهو الحدّ الوسط الذي يقع بين الافراط والتفريط ، وهو الحبّ الذي أُمرنا به ، وعلينا أن ندين به ونلقى الله عليه ، وهو حبّ لله وفي الله سبحانه .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« يا علي ، ان فيك مثلاً من عيسى بن مريم ، أحبّه قوم فأفرطوا في حبّه فهلكوا فيه ، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا فيه ، واقتصد فيه قوم فنجوا » (35). أمالي الطوسي: 345. وكشف الغمة 1: 321
وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام :« أحبونا بحبّ الاِسلام ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لاتعرّفوني فوق حقي ، فإنّ الله تعالى اتخذني عبداً قبل ان يتخذني رسولاً » (36). المعجم الكبير | الطبراني 3 : 138 | 2889
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :« سيهلك فيَّ صنفان : محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحق ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق ، وخير الناس فيَّ حالاً النمط الاَوسط فالزموه » (37). نهج البلاغة : الخطبة (127)
وقال الاِمام الرضا عليه السلام :« نحن آل محمد النمط الاَوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي » (39). اُصول الكافي 1 : 101 | 3 باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى
ومن النتائج الخطيرة التي افرزتها ظاهرة الغلو هو الاختلاف والتناحر بين المسلمين وتكفير بعضهم الآخر كما هو حاصل في مجتمعاتنا العربية والاسلامية والعراق بوجه الخصوص ،حيث ان الامام الرضا(عليه السلام ) قال يابن محمود(ان مخالفينا وضعوا اخبارا في فضائلنا وجعلوها على اقسام ثلاث احدها الغلو وثانيها التقصير في امرنا وثالثها التصريح بمثالب اعدائنا فاذا سمع الناس الغلو كفروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا) ج26 239ص بحار الانوار باب الرواية
وكان الامام الرضا (عليه الصلاة والسلام) يتنبأ بما يجري في مجتمعات المسلمين حاليا حيث يحصل بالفعل اتهام فئات كبيرة من المسلمين بالكفر ،ويعتبر هذا اول الهدم في جدار المجتمع الاسلامي ،وبهذا يكون الغلاة قد احدثوا انشقاقا واسعا وخطيرا في الصف الاسلامي .
لذلك يجب على الانسان الواعي ان يميّزبين امرين دون الخلط بينهما بين المودة الموجبة في القرآن والسنة لاهل البيت (عليهم السلام) وبين الغلو والمغالين الذين لايهدفون من وراء ذلك الا السيطرة على رقاب وعقول الناس من خلال نصوص تعطي تصورات خاطئة تؤدي الى تكفير المسلمين بعظهم الآخر ،كما وارجو التمييز بين هذا النوع الذي ذكرناه وبين الناصب للعداء لاهل البيت ،فالغلو والعداء لاهل البيت وجهان لعملة واحدة يجب محاربتهما والوقوف بوعي ضدها من دون مجاملة لاحد . اللهمَّ اجعلنا أنصار صدق لهم، وأمتنا على محبّتهم،
واحشرنا على موالاتهم ، إنّك نعم المولى ونعم النصير.
كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2