- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مكافحة الفساد ومسؤولية الدولة
يعقد هذا الأسبوع في بغداد مؤتمر مهم حول اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وذلك بمبادرة من الوكالات الدولية المعنية بالتعاون مع الحكومة العراقية.
ويكتسب هذا المؤتمر أهمية سياسية واقتصادية بالغة بالنسبة لمصالح البلاد وحماية مواردها الوطنية ، لاسيما وان الحكومة ومجلس النواب قد وافقا على الانضمام لهذه الاتفاقية وتحمل الالتزامات الناجمة عنها الهادفة لمكافحة الفساد وتعزيز المؤسسات والقوانين الضامنة لذلك.
واللافت أن يأتي المؤتمر في أجواء ساخنة وزاخرة بالتحذيرات من تفاقم ظاهرة الفساد في العراق بجميع أشكاله( المالية والإدارية والسياسية )، حتى بات القول مقبولاً بأن الحرب على الفساد لا تقل أهمية عن الحرب على الإرهاب في البلاد. وهي مسألة جديرة بكل مساندة وتشجيع من جانب المجتمع والدولة وهي كذلك دليل على سلامة الوعي الوطني والحرص على حماية المصالح العامة والخاصة للمواطنين. ومما يعزز هذا الاعتقاد تواتر التقارير والأبحاث الدولية مؤخرا التي تضع العراق في مرتبة دنيا في سلم الدول المبتلية بهذه الآفة الخطيرة. ففي جداول الفساد في العالم التي تصدرها منظمة الشفافية العالمية يظهر العراق في المرتبة ما قبل الأخيرة للدول، كما أن العراق يقف في المرتبة الثانية في سلم الدول الفاشلة (Faile states بعد السودان ) والمتضمن تقييم الأوضاع في 177 دولة وفق معايير ومؤشرات اقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها. ومما له دلالة بالغة أيضا\" ما تكشف من قضايا في اطار المناقشة الساخنة في الكونغرس الأمريكي في الأسبوع الماضي بشأن سوء الإدارة المالية للموارد العراقية، وذلك في أعقاب التقرير الذي قدمه مكتب المحاسبة الأمريكي والذي أشار فيه إلى تنامي الفائض في موازنة الدولة العراقية وتخلفها عن الاستخدام الفعال والرشيد لمواردها.
إننا في الواقع امام معطيات مثيرة للقلق وجديرة بالاهتمام والمتابعة من جانب الحكومة والأوساط السياسية والشعبية . فعلى الرغم من بعض البيانات والتصريحات لبعض المسؤولين الحكوميين النافية لها او المشككة بصحتها ، فالرأي العام العراقي يشعر بحاجة ماسة للتوثق والاطمئنان على سلامة الوضع المالي والنقدي في العراق والتعرف على النتائج الحقيقية للأداء الحكومي في هذه المجالات وخاصة ما يتعلق بتنفيذ موازنات الدولة خلال السنوات الأخيرة، وذلك من خلال تقارير حكومية موثقة رسميا\" بالأسانيد والأرقام.
ويبرر هذا الطلب ما جاء من معطيات وتوصيات في التقرير الثالث للهيئة الدولية للرقابة والمشورة (IAMB ) حول العراق والمكلفة، بقرار رقم 1483 الصادر عن مجلس الامن للامم المتحدة في مايس 2003 ، بمراقبة مبيعات العراق من النفط والمنتجات النفطية بما ينسجم مع أفضل الممارسات الدولية فضلاً عن مراقبة حسابات صندوق التنمية العراقي . فجاء في هذا التقرير بأن صندوق التنمية العراقي DFI قد تلقى 98.9 مليار دولار منذ عام 2003 وحتى حزيران 2007 وهي تشمل مبيعات النفط المصدر والرصيد المتبقي من برنامج النفط مقابل الغذاء والأرصدة العراقية المجمدة. وقام الصندوق المذكور بتحويل 89.9 مليار دولار لوزارة المالية وبتغطية أقيام العقود العائدة للوكالات الأمريكية. ويحذر أيضا من بعض الممارسات والوقائع المقلقة بشأن نقص الرقابة على العمليات النفطية وأداء صندوق التنمية العراقي، ومنها غياب العدادات النفطية، التي يعتبرها ضمانة أساسية لتوفير الشفافية والمساءلة في مجال الموارد النفطية. ويذكر التقرير بأن الحكومة العراقية تدعم هذا الموقف، إلا أن التقدم في هذا المجال لا يزال بطيئا\". وبالإضافة إلى ذلك ينتقد التقرير المذكور ضعف الإدارة المالية في الدولة، ويدعو إلى تعزيز نظام الرقابة وجعله فعالا\" ونزيها\". أما بالنسبة لإدارة العقود مع الوكالات الأمريكية فيذكر التقرير ما ورد من انتقادات من شركة Ernst & Young ( المكلفة بالتدقيق المالي ) بشأن إدارة العقود مع الوكالات الأمريكية ويدعو إلى ضرورة مراجعتها من قبل ديوان الرقابة المالية. والواقع أن مكافحة الفساد لا يمكن بلوغها ما لم يجر العمل جديا\" باحترام وفرض آليات فعالة ومدعومة من الدولة والرأي العام. فالملاحظ أن العديد من مظاهر الضعف والتراجع عن هذه المهمة الكبيرة قد اشتدت في الفترة الأخيرة وأدت إلى إضعاف هذه المؤسسات وإهمال قوانينها وتقييد حركتها ، مما ترك آثارا\" سلبية على حماية الثروة الوطنية والاداء الفعال والنزيه لأجهزة الدولة. ويعود ذلك لأسباب كثيرة منها احتدام الصراع السياسي على صعيد السلطة مما ترتب عليه ظهور مراكز حكومية عديدة ومتناقضة المصالح ومدعومة بفصائل مسلحة ، لا تتورع عن حماية بعض المتورطين بالفساد العام. الأمر الذي أوجد المناخ الملائم لاتساع هذه الظاهرة في ظروف عدم الاستقرار السياسي والاحتراب الطائفي وتدهور الحالة الأمنية وغياب الحماية المطلوبة للأجهزة والهيئات والمسؤولين المكلفين بمكافحة الفساد. نحن اليوم في العراق بحاجة ماسة للإفادة من التجارب الناجحة في مكافحة الفساد في الدول الأخرى، كما اننا مطالبون باتخاذ إجراءات سريعة تفاديا\" لهذه الظاهرة وإنقاذ المال العام والمصالح المشتركة للشعب. ويمكن الأخذ بإجراءات كثيرة ذات طابع احترازي واستباقي على الرغم من حراجة الوضع الأمني والأزمة السياسية الراهنة وازدواجية الصلاحيات واستمرار الوجود الأجنبي. وينبغي أن تشمل هذه الإجراءات تفعيل القوانين والمؤسسات المكلفة بالرقابة والتدقيق ومكافحة الفساد وتمكينها من أداء مهماتها الكبيرة بصورة أمينة وحرة وشفافة من غير تدخل أو تقييد من أي جهة حكومية.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- إضحك مع الدولة العميقة