يقال في العادة، للتعبير عن الحال في بلدٍ تكثر فيه البطالة أو التبطّل ، إن بين كل مقهى و مقهى فيه هنالك مقهى
و للبلد المتحضر الذي يحترم العلم و التعليم إن بين كل مدرسة و مدرسة فيه هنالك مدرسة، و للبلد الذي تكثر فيه النغنغة و الأنس و الليالي المِلاح إن بين كل كباريه و كباريه فيه هنالك كباريه .. و إن لم تكن الحال هكذا في واقع الحال و هكذا يمكننا القول اليوم في عراقنا الجديد إن بين كل عطلةٍ و عطلة فيه هنالك عطلة .. أو أكثر! وهذا ليس من قبيل المبالغة أو إلقاء الكلام على عواهنه ، على الإطلاق . فأنت لو حسبتَ أيام العطلات الرسمية و الشعبية و الأمنية التي تتوقف فيها عجلة العمل و الانتاج ، لوجدتَ أن الدوام الرسمي الذي فيه عمل و إنتاج لا يتجاوز الثمانية أشهر في السنة ، بأية حال من الأحوال ! و إذا أخذتَ في الاعتبار أن الدوام في المؤسسات العامة ، من ناحية الحضور و المدة و الانتاج الفعلي ، بسبب الاختناق المروري و الانفلات الأمني و الذهاب إلى الحج و العمرة و العتبات المقدسة .. و المدير غير موجود و الموظف فلان في إجازة و الموظفة فعلانة مريضة ، فإن دوام الثمانية أشهر الرسمي يهبط إلى النصف فعلياً ، أي ما مقداره أربعة أشهر في السنة .. فقط لا غير ! أي أن من الممكن أن تعمل مؤسسات الدولة لمدة أربعة أشهر في السنة دواماً كاملاً و تعطّل ثمانية أشهر من دون أن يتغير شيء إلى ما هو أسوأ مما نحن فيه و لهذا السبب ، لم تصلح حال الكهرباء ، رغم تصريحات السيد الوزير المتلاحقة بأن الأيام القليلة القادمة ستشهد تقدماً ملحوظاً و أن الليل سيتحول إلى نهار في العراق الجديد بفعل تصريحاته عالية الفولطية!
و لهذا أيضاً ، تُبقى اسطوانة غاز السيد وزير النفط ، رغم تأكيداته الموثقة بانه لن تكون هناك مشكلة نفط أو غاز بعد الآن ( في أواسط العام الماضي ) ، و رغم وصول برميل النفط إلى سعر المئة دولار عالمياً ، تُباع بحوالي عشرين ألف دينار و أكثر ولهذا أيضاً ، تستمر الزراعة و الصناعة و السياحة و التجارة و القوة البشرية ، و هي الأركان الأساسية الحقيقية للاقتصاد الوطني ، في تراجعها المدمّر ، و يبقى هناك عراقيون يرفلون صيفاً و شتاءً بالدشداشة المَلحة التي كانت على أسلافهم في عهد النظام الملكي العميل ، و يموت المرضى من قلة الدواء الجيد و سوء المعالجة ، و تهرب الكفاءات العلمية هرباً من أشباح الاغتيال العصي على الفهم ، و لا يعود من الأربعة ملايين عراقي في الخارج ليعيش معنا هذا النعيم الذي نحن فيه إلا مَن ضاقت به الأرض وما هذه البقية الباقية من الحياة في العراق الجديد إلاّ نتاج هذه الأربعة أشهر فقط من دوام الدولة الرسمي الفعلي . وعلى حكومتنا الرشيدة بالتالي أن ترى رأيها الرشيد في هذا الموضوع بدءاً بإلغاء عطلة السبت الاسبوعية .. إذا أرادت لنا حقاً أن نرى الضوء الذي يُقال إنه في آخر النفق.
في ليبيا ، مثلاً ، و هي دولة عربية مسلمة و متخلفة مثلنا و ربما أكثر ، لا تعطّل مؤسسات الدولة في عيد الأضحى الكبير ، على سبيل المثال ، سوى يومين ، أولهما يوم الوقوف على عَرَفة . و لهذا ، فلا يستغرب أحدٌ إذا أصبحنا ، في يومٍ قريب ، نستورد التمر ، و ربما التكنولوجيا أيضاً ، من هذه الجماهيرية العظمى!
أقرأ ايضاً
- أكثر من تبييض السجون في البلاد
- بلاد الرافدين العظيمين ام بلاد الجدولين العطشين ؟؟!!
- إحراق الغاز ومسببات أمراض السرطان في البلاد