عاد مشهد التوتر بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية للواجهة مجدداً، حتى وصل الأمر إلى تهديد الحزب الديمقراطي الكردستاني بالانسحاب من العملية السياسية في بغداد، مع استمرار وضع رواتب الموظفين خلال عام 2025، ولم يتم إرسال المبالغ والموازنة، واحترام التوقيتات والاتفاقات المبرمة بين الطرفين.
لكن، التهديد بالانسحاب، لم يحظ بدعم كافة الأحزاب، بل أطلق من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، فيما جوبه برفض من قبل الاتحاد الوطني، الذي “فضّل” علاقته بالإطار التنسيقي على اتخاذ جانب الحزب الديمقراطي من الأزمة، فيما وصف القرار بالمجمل من الأحزاب الكردية الأخرى أو من الإطار ذاته، بأنه “حديث إعلامي” فقط لتحريك الشارع الكردي.
وكان مجلس وزراء إقليم كردستان العراق، عقد جلسة وصفت بأنها استثنائية، شارك فيها الوزراء الكرد في الحكومة الاتحادية، فضلا عن نواب الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في البرلمان العراقي، وفيها جرى التأكيد على أن ممثلي الإقليم في الحكومة الاتحادية يعملون بشكل مشترك مع المسؤولين في الإقليم، لتأمين رواتب جميع موظفي الإقليم للأشهر الـ12 في عام 2025، وبهذا الغرض تقرر أن يجتمع وفد من ممثلي الإقليم في بغداد مع رئيس الوزراء الاتحادي لنقل رسالة إقليم كردستان العراق والتي مفادها ضرورة التعامل معه باعتباره كيانا اتحاديا ودستوريا.
وحول هذه التطورات، يقول القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي، إن “فكرة الانسحاب من العملية السياسية في بغداد، أطلقها طرف سياسي واحد، وهو الحزب الديمقراطي، ونحن لا نؤمن بها، ولن نلجأ إليها إطلاقا”.
ويضيف سورجي، أنه “مازلنا نعتقد بأن بغداد هي العمق الاستراتيجي للإقليم، ونحن نلتزم بعلاقتنا وشراكتنا مع قوى الإطار التنسيقي، وموقفنا ليس رماديا، وحضرنا جلسة مجلس الوزراء في الإقليم، لأننا نريد أن نعرف الحقيقية ولا نريد التصريحات الإعلامية فقط”.
ويؤكد “كوننا، حضرنا اجتماعات عديدة مع وزيرة المالية الاتحادية، ونريد أن نعرف رأي حكومة إقليم كردستان، ومن هو الطرف المقصر في أزمة الرواتب، ولم يصدر أي بيان أو تصريح من الاتحاد الوطني يسيء إلى بغداد إطلاقا، أو إلى حكومة السوداني”، مبينا أن “الاتحاد لديه قدم واحدة، وهي الوقوف مع شعبنا، ومحاولة حل المشاكل التي يعاني منها، ولسنا مع طرف ضد طرف آخر، ونعتقد بأن أزمة الرواتب لن تحل بالتعنت، والحل الوحيد لها، هو الحوار، والإلتزام بالدستور والقانون، وما تتهمنا به الأطراف الكردية، كان عليها الحضور إلى اجتماع مجلس الوزراء وتبيان موقفها”.
يشار إلى أن انتقادات صدرت للاتحاد الوطني، حول عدم تبيان موقفه من الدعوة للانسحاب من الحكومة الاتحادية، وعد موقفه “رماديا”، بعد أن أعلنت الأحزاب الأخرى موقفها الرسمي، وهو رفض المقترح، ومنها حركة الجيل الجديد.
يذكر أن رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، وصل يوم أمس الأول الأحد إلى بغداد، وحضر اجتماع تحالف إدارة الدولة، في القصر الحكومي، برئاسة السوداني وحضور رئيس البرلمان محمود المشهداني، وبحسب البيان الصادر عن مكتب السوداني بعد نهاية الاجتماع، فإنه جرى التأكيد على عدم وجود موقف سياسي من ملف رواتب موظفي كردستان سوى القضايا الفنية.
من جانبه، يرى النائب عن حزب العدل الكردستاني، سوران عمر، أن “حكومة الإقليم هي المسؤولة عن أزمة الرواتب، كونها لم تسلم إيراداتها إلى بغداد منذ 6 أشهر، وهذا مخالف لقانون الموازنة”.
ويلفت عمر، إلى أن “أحزاب المعارضة في الإقليم لم تحضر إلى اجتماع مجلس الوزراء، لأننا نعرف المشكلة، وقضية التهديد بالانسحاب من بغداد، هي مجرد حديث إعلامي، ومزايدات سياسية لتحريك الشارع الكردي، الذي أصبح يعرف أصل المشكلة”.
ويعتبر ملف رواتب موظفي الإقليم أحد أبرز المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد، حيث تؤكد الحكومة العراقية ضرورة تسليم أربيل نفطها إلى بغداد وأن يتم التصدير من خلالها، بينما ترفض حكومة كردستان ذلك، ما أدى الى قطع بغداد رواتب جزء كبير من موظفي الإقليم ودفعها إلى آخرين على شكل متقطع وغير منتظم منذ عام 2014، إلى أن توقفت المرتبات نهائياً في تشرين الأول 2017 مع تداعيات استفتاء الانفصال.
وكان مساعد رئيس مجلس وزراء إقليم كردستان للشؤون الاقتصادية والإدارية، ريباز حملان، اتهم، في 4 تشرين الأول 2024، حكومة بغداد باختلاق المبررات والأعذار مختلفة، لتأخير إرسال الرواتب”، لافتا إلى أن “وزارة المالية الاتحادية لديها بعض الملاحظات على قوائم الموظفين وخاصة نظام (البايومتري)، وعلى بعض الترفيعات في بعض الدوائر الحكومية في الاقليم”.
يشار إلى أن عضو ائتلاف إدارة الدولة عامر الفايز، أكد في تصريحات صحفية، أن تهديدات انسحاب الكتل الكردية من الحكومة الاتحادية، هي “كلام اعلامي شخصي”، مؤكدا أن رواتب الإقليم ما زالت ترسل من قبل الحكومة الاتحادية شهريا وبشكل مستمر حسب الاتفاق، لكن الإقليم هو الذي لم يسلم الـ250 ألف برميل الذي يصدره يوميا حسب الاتفاق، إلى بغداد.
وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق نتيجة تأخر صرف الرواتب وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بي بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.
إلى ذلك، يؤكد الناشط السياسي الكردي فرمان كريم، أن “الانسحاب هو مجرد تهديد إعلامي، يهدف للضغط على الحكومة العراقية، واستغلال الوضع الحالي، والضغوط التي تواجهها الحكومة، خاصة من الولايات المتحدة”.
ويتابع كريم، أن “هناك رؤية داخل أحزاب السلطة، وخاصة الحزب الديمقراطي بأن هذا هو الوقت المناسب للضغط على حكومة السوداني، وتهديدها بالانسحاب، لإحراجها أمام المجتمع الدولي، لكن في الحقيقة فإن الأحزاب الكردية، لن تضحي بامتيازات بغداد إطلاقا، وسيبقى مجرد تهديد”.
وبخصوص موقف الاتحاد الوطني حيال تهديد الانسحاب، يرى كريم أن، “الاتحاد الوطني يمارس حاليا سياسة مسك العصا من الوسط، فهو لا يريد خسارة بغداد، وخاصة قوى الإطار التنسيقي الحليف الاستراتيجي له، وبنفس الوقت يريد تقوية علاقته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في الوقت الحالي، بالتزامن مع موعد تشكيل حكومة الإقليم، وخشية من ذهاب الديمقراطي للتحالف مع الجيل الجديد وتشكيل حكومة من دون الاتحاد”.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا، ألزمت، في شباط 2024، حكومة بغداد بدفع رواتب موظفي إقليم كردستان مباشرة، دون إرسالها إلى سلطات الإقليم، في ظلّ تأخير في تسليم جزء من الرواتب على مدى أشهر.
وبالرغم من الزيارات المتبادلة للوفود السياسية والفنية، والتي كان آخرها زيارة وزيرة المالية طيف سامي، إلى أربيل، إلا أن مسألة رواتب الموظفين، ما تزال تنطوي على الكثير من التعقيدات والإشكاليات الإدارية والقانونية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- عشرات الدعاوى القضائية ضد "شبكة التنصت" في بغداد
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- رئاسة المشهداني.. هل تمهد لعودة الزعامات الكلاسيكية؟