- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الوقائع الكردية.. أزمات بنيوية تضع الإقليم في مهب الريح

بقلم: سامان نوح
إقليم كردستان، الغني بالنفط والثروات، ينام على أخبار أزمات، ويستيقظ على كوارث، فالأزمات، الإدارية، والاقتصادية، والبيئية، والصحية، والاجتماعية، والسياسية، تلاحق الملايين، من موظفين على حافة الفقر، الى كسبة وعمال اعتادوا روتين الحرمان، إلى أبناء طبقة وسطى ماضية في التلاشي، وحتى أغنياء يرزحون تحت وطأة التقلبات.
لاتعرف كيف تهرب من سيل الأخبار الصادمة، التي صارت تزف اليك بعواجل خاطفة، لتطاردك في معيشتك، صحتك، وأمنك، وتفسد عليك مشاريع يومك وأحلام غدك.
وسط دوامة الأزمات الطاحنة، لا شيء يهم القائمين على الأمور، كما يتضح.. لا شيء يثير حفيظتهم “الكونكريتية المسلحة”!
- كيف يعيش الموظفون بلا رواتب لنحو شهرين، وقبلها كانوا انتظروا شهرين مماثلين؟!
- الموظفون الذين داوموا حتى الاسبوع الثالث من شهر كانون الثاني 2025، وعددهم يبلغ نحو 25 الف انسان، علموا بين ليلة وضحاها، ودون سابق انذار، انهم أحيلوا الى التقاعد، وأن لا رواتب لهم لذاك الشهر، وان رواتبهم التقاعدية ستحتاج الى ثلاثة أشهر اضافية قبل حسمها لتصرف… كيف سيعيشون! كيف سيتدبرون أقساط مدارس أبنائهم، وأدوية مرضاهم، وكيف سيدفعون ايجارات بيوتهم، ومصاريف النقل وامبيرات الكهرباء النارية، و…!
- الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل ثلاثة أشهر، تحت ايقاع الأناشيد الحزبية الحماسية والوعود الخرافية والقفزات البهلوانية، والدبكات الشعبية، والولاءات العشائرية، بعد عامين من التأجيل والتعطيل والرفع والكبس، ووسط منطقة تشهد تحولات كبرى، مازالت بلا أثر، فالنواب لا يجتمعون، والجلسات معطلة بأوامر وتوافقات حزبية عليا، والتشريع والرقابة في خبر كان… ولا حكومة في الأفق!
- سنوات، والاقليم بلا حكومة موحدة، بلا برلمان حقيقي يشرع ويحاسب، بلا مؤسسات تمثل الجميع، بلا اقتصاد تنموي، بل بلا موازنة عامة (اي بلا تخطيط وكتاب وحساب دقيق)، بلا مصدات دافعة، بلا وبلا وبلا…. والحاكمون في عالم آخر، كأن كل المعضلات لا تعنيهم، فبالكاد يعقدون اجتماعاً فنياً كل اسبوعين او ثلاثة تحضره كوادر وسطية،على أمل اتفاق “شكلي عابر”على الخطوط العريضة لشكل “حكومة الانقاذ” الكردية الجديدة!
- اقليم بلا أحزاب ببنية تنظيمية حقيقية، بلا معارضة فعلية سليمة البناء، بلا دستور ضامن، بلا قوانين ضابطة محمية، بلا سياقات ومبادئ عمل وطنية وقومية تحفظ المصالح، بلا مؤسسات مدنية، وبلا مجتمع مدني .. اقليم يغرق في الحزبية، حزبية مصلحية ضيقة في أتعس أشكالها!
يقول برلمانيون، متخصصون، باحثون وسياسيون، ان سيل الكوارث البنيوية لا ينقطع:
– كوارث في التعاقدات والمشاريع، واحتكارات تجر احتكارات!
– كوارث في البيئة، حيث الملوثات تحاصر الأرض والسماء والماء!
– كوارث في الاعلام، عشرات ملايين الدولارات تصرف على وسائل اعلام حزبية تتناطح في الميادين مقمسة أبناء الاقليم، ولا أحد يسأل عن الأثر، أو حتى مصدر التمويل!
– كوارث في التعليم الابتدائي والثانوي، كوارث في الجامعات.. كوارث حتى في مراكز البحوث والدراسات!
– كوارث على الحدود، قواعد عسكرية تركية تلد قواعد، وتدخلات تجر تدخلات، وتوغلات لعشرات الكيلومترات، وكل يوم تلحق قرى جديدة بقائمة المهجرة والمدمرة والمحظورة من الاقتراب تحت نار جيش الجارة الحبيبة. ومازال القادة يفكرون في كيفية توحيد لواء للبيشمركة هنا وفرقة هناك تحت علم الاقليم وليس علم الحزب الأصفر والأخضر!
– كوارث على المعابر الحزبية في خطوط تماس الإدارتين غير المعلنتين، رسوم وأتاوات حين تعبر شاحنة من خط الى خط. وعلى الحدود تتراجع الايرادات الرسمية كل شهر عن سابقه، وتتضخم الايرادات الحزبية في ظل طرق النقل والعبور الأمنية!
– كوارث صناعية، معامل تلحق معامل في الاغلاق.وشركات تتبع شركات في الافلاس. ومشاريع معطلة منذ سنوات!
– بطالة متزايدة، انتشار للمخدرات، تأخر مقلق في سن الزواج، ظواهر اجتماعية غريبة، ومصائب على السوشيال ميديا… والجواب الحاضر دائما: انها مشكلة قائمة في كل دول العالم !
– صراعات في الاقليم، وانقسامات في بغداد.. وفود حكومية كردية يومية تذهب الى العاصمة الاتحادية لبحث الملفات الخلافية، في موازاتها وفود حزبية تتقاطر على العاصمة، والكل يتجاهل الكل.. لا لقاءات مشتركة، لا اتفاقات على الأسس، لا دواوين وممثلات كردية جامعة، لا تنسيق ولا تحاور.. الكل منفردا يلتقي ويغرد ويطلق الوعود.. ثم يعود الى الاقليم يُبشِرُ أو يُحذِر!
– وصل بمواطني الاقليم الحال، الى أن يضرب موظفون عن الطعام ويعتصموا امام مقر الأمم المتحدة في السليمانية منذ أيام، فقط ليحصلوا على رواتبهم كل شهر !.. يقولون “ان العوز يهدر كرامتنا، فهل من مغيث لنا”.
كل ذلك لا يبدو مهماً، أو مثيرا لقلق القائمين على الحكم.. هي في منظورهم مشاكل ثانوية، لا تستدعي اجتماعات وطنية عاجلة، ولا حكومة انقاذ شاملة!
– استسهال كبير وخطير وصادم.. استسهال لكل المصائب التي تحيطنا.. استسهال لأن تكون بعد ثلاثين عاما من الحكم بلا دستور، بلا حكومة موحدة، بلا مؤسسات جامعة، بلا تقاليد سياسية محل توافق واحترام، بلا رؤى قومية موحدة، بلا قوانين حاكمة على الجميع، بلا بيشمركة واجهزة أمنية ضابطة، بلا مصدات وطنية، بلا ارصدة مالية داعمة!.
لا شيء في الاقليم يدعو للتفاؤل والأمل!
لكن للحاكمين رؤى أخرى، فالأمور عندهم “تمام” طالما هي “ماشية معهم”، والأزمات تحل ذاتها بذاتها، والكوارث مجرد محطات عابرة.. طالما كانت هناك مساحة للحكم، ورصيد مالي يكفي للاعلانات السياسية وحملات “الدبك” ما قبل الانتخابات.
أقرأ ايضاً
- أزمات البنك المركزي العراقي.. مُعضلة النظام الاقتصادي المعيب
- ديناميكيَّة التطورات الإقليميَّة الجيوسياسيَّة للمنطقة العربيَّة
- في العراق.. تتعدد الأزمات والمأزق واحد