مطالبة 160 نائبا بتطبيق قانون التقاعد على المحافظين ورؤساء الهيئات المستقلة، عكست وجها جديدا للصراع بين أطراف داخل الإطار التنسيقي ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إذ تنوي هذه الأطراف إزاحة مناصب حساسة تنتمي للسوداني عبر حجة تجاوزهم “السن القانونية”، بحسب مراقبين.
وفيما يجد المراقبون أن المستهدف الأول وراء هذه الخطوة هو رئيس الحكومة، يؤكد مقرب منه أن الكتل السياسية أرادت بهذه المطالبة مغازلة الشارع وتبرئة نفسها من الضغوط التي مارستها على السوداني سابقا لمنعه من التغيير، فيما كشف عن تغيير مرتقب لخمسة أو سبعة وزراء خلال الفترة المقبلة.
ويقول السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، إن “الحديث عن مدى جدية حكومة السوداني في مساءلة بعض الوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة بدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة، فالمعروف أن الحكومة تعهدت بأن تقوم بتقييم الوزراء والدرجات الخاصة، وقد تم العمل على هذا الموضوع في فترة من الفترات، لكنه توقف نتيجة ضغوط سياسية كبيرة من الكتل”.
يذكر أن 160 عضوا في مجلس النواب، تمكنوا الأربعاء الماضي، من جمع تواقيع لتنفيذ قانون إحالة المحافظين ورؤساء الهيئات المستقلة إلى التقاعد عند إكمال 60 عاما، فيما أكد النواب عزمهم على تعليق حضور جلسات المجلس ما لم تلتزم رئاسة المجلس بإرسال طلب إلى الحكومة يلزمها بتنفيذ قرار مجلس الدولة بشأن إحالة رؤساء الهيئات المستقلة إلى التقاعد وفقا للسن القانوني بموجب القرار المستند إلى قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014.
ويضيف الهلالي، أن “الكتل تريد أن تتبرأ الآن مما قامت به من ضغوط في الفترة الماضية، فقد أوقفت الكثير من الاستجوابات سابقا، كما منعت السوداني، من إجراء تغييرات، لكن يبدو أنها اليوم، تريد أن تلقي الكرة داخل ملعبه، وتغازل الشارع العراقي بتغييرات عبر حجج أخرى كبلوغ السن القانونية أو التقاعد أو استبدال هذه الشخصية بتلك، خاصة وأنها الآن تمسك بزمام مجلس النواب”.
ويجد أن “هذه الألاعيب باتت مكشوفة، والشارع العراقي يدرك تماما ما يحدث، والسوداني ماض في تنفيذ البرنامج الحكومي والتزاماته التي قطعها”، كاشفا عن “تغيير مرتقب يشمل خمسة إلى سبعة وزراء أخفقوا أو لم ينسجموا مع البرنامج الحكومي بعد أن تهدأ هذه الفورة، وتستقر خلال الأسابيع المقبلة”.
ومن المتوقع أن يشمل قانون إحالة المحافظين ورؤساء الهيئات المستقلة إلى التقاعد عند إكمال 60 عاما، العديد من المناصب الحساسة في الدولة وإزاحة أصحابها، في خطوة يجد كثيرون أنها تستهدف رئيس الحكومة خصوصا أن بعض من يشغل هذه المناصب مقربون منه.
من جهته، يعتقد المحلل السياسي نزار حيدر، أن “عودة النواب إلى الدستور والقانون بالصدفة، وبطريقة انتقائية، هي لتصفية حساباتهم مع مسؤول ما، لصالح زعماء كتلهم النيابية، لذلك تذكروا الآن دورهم الرقابي بعد أن نسوه أو تناسوه طيلة الفترة السابقة من عمر البرلمان الحالي، والتي امتدت لقرابة ثلاث سنوات”.
ويضيف حيدر، أن “النواب لو كانوا حريصين على هذا الدور الحساس الذي ثبته لهم الدستور والقانون، لدعوا إلى عقد جلسة خاصة لاستضافة رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون، كما دعاهم هو ليطلعوا منه على حيثيات تصريحاته النارية الخطيرة والتي كان قد أدلى بها في مؤتمره الصحفي في أربيل”.
ويستغرب من “تذكر النواب لقانون التقاعد الذي يشمل رؤساء الهيئات المستقلة ولم يتذكروا التعيينات بالوكالة المعمول بها لحد الآن من قبل رئيس مجلس الوزراء الذي وعد بإنهاء هذه الظاهرة في برنامجه الانتخابي والعودة بها إلى الدستور”.
ويوضح المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أن “بعض الكتل النيابية بدأت تنبش خلف عدد من المسؤولين ومنهم رؤساء لهيئات مستقلة، لإزاحتهم عن الطريق وتعبيده أمام عناصر أقرب لها منهم، من جهة، ولإضعاف زعامات سياسية تتبناهم من جهة أخرى، ولا يفوتنا هنا أن المستهدف من هذه الحركات البرلمانية المشبوهة هو رئيس الوزراء”.
ويثار جدل كبير حول دور البرلمان الرقابي، وتركيزه على قوانين وأجندات سياسية وإهمال قضايا مهمة “تهدد كيان الدولة” من قبيل اتهامات رئيس هيئة النزاهة للقضاء، وكذلك ما يتعلق بشبكة التنصت الناشطة داخل مكتب رئيس الوزراء، وأكد مراقبون في تقرير سابق، أن دور البرلمان الرقابي مغيّب تماما بسبب تكبيله من قبل ائتلاف إدارة الدولة والقوى السياسية الحاكمة.
إلى ذلك، يجد مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، أن “العلاقات اليوم داخل الإطار التنسيقي تطرح عددا من الصراعات والتناقضات والاختلافات الجوهرية، إذ لا يبدو الإطار موحدا للتنظيمات والأحزاب والحركات والتيارات والفصائل التي تنضوي تحت لوائه باستثناء الانتماء المذهبي الشيعي”.
ويضيف أن “هناك صراع مصالح خطيراً بين مختلف الأحزاب داخل الإطار، وهذا يتعلق بالمصالح الذاتية والأهداف لكل حزب من هذه الأحزاب، وهناك مصالح متضاربة، وتقديم عدد من النواب طلبا لإزاحة بعض الشخصيات يكشف هذا الصراع بوضوح”.
ويشير فيصل، إلى أن “التقاعد بعد تجاوز السن القانونية موضوع شرعي ودستوري، ولكن في كل دول العالم إذا كان من يتجاوز السن يمتلك خبرات وصحة جيدة يصدر قرار باستثنائه من التقاعد وتحدد السنوات التي من الممكن أن يستمر فيها، وهناك معايير لبقائه كالصحة العامة والكفاءة والشهادات والخبرات”.
ويفيد بأن “الأمثلة على تجاوز السن القانونية كثيرة، فالرئيس الأمريكي جو بايدن يقترب من 80 عاما وهذا ينطبق على دونالد ترامب المرشح للرئاسة الأمريكية، وهذه شخصيات بأعمار كبيرة لكن لديها القدرة على التنافس والإدارة”، مشيرا إلى أن “هذا الإجراء يعكس صراعات مصالح على هذه المواقع السيادية المهمة والرغبة في إشغالها”.
يذكر أن عدد الهيئات المستقلة في العراق بات أكثر من عدد الوزارات، وحتى عام 2018 كانت هناك 25 هيئة مستقلة، خضعت أغلبها للمحاصصة، ومؤخرا يجري الحديث عن وجود نحو 40 هيئة مستقلة، وأدخلت ضمن ملف الدرجات الخاصة المثير للجدل، حيث تتقاسم الكتل السياسية هذه الهيئات غالبا، ويجري صراع على رئاساتها أو عضوية مجالسها التنفيذية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية