تسعى بغداد منذ نحو 10 سنوات متواصلة لإنقاذ شركة الخطوط الجوية العراقية من الحظر الأوروبي على طائراتها، بالنظر لعدم توفر شروط السلامة الدولية من الاتحاد الدولي للطيران، وأثار هذا العقد من الزمن وكثرة المحاولات، غرابة في عدم إمكانية تطبيق المعايير، مقارنة بشركات لبلدان أخرى.
وفرض الاتحاد الأوروبي الحظر الجوي على شركة الخطوط الجوية العراقية منذ العام 1991 بعد غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت وفرض عقوبات دولية على البلاد إثر ذلك، لكن تم رفعه فيما بعد وتحديدا بالعام 2009، لكن سرعان ما عاد الحظر في آب 2015 لوجود مخالفات بشروط السلامة ومستمر لغاية الآن.
وحول ذلك، يعلق المتحدث باسم وزارة النقل، ميثم عبد الصافي، إن “العراق وعبر وزارة النقل وشركة الخطوط الجوية قد استوفى أكثر من 80 بالمئة من المعايير التي حددتها منظمة الطيران الدولي لرفع الحظر الأوروبي عن الطائر الأخضر، لكن المنظمة ارتأت تمديد الحظر خلال اجتماعها الأخير لحين إكمال جميع المعايير خلال الفترة المقبلة”، مؤكدا أن “العمل مستمر بهذا الملف وبشكل جدي منذ عامين متواصلين بالتنسيق بين الجانب العراقي وشركة بوينغ الأمريكية”.
ويؤكد الصافي، أن “الخطة الموضوعة حاليا لاستيفاء المعايير والنسب التي تم الوصول إليها قد حصلت لوجود دعم حكومي كبير واهتمام واسع للنجاح بهذا الملف”، مبينا أن “من بين المعايير الواجب توفرها هي مواضيع الصيانة للطائرات وتطوير قطاع النقل الجوي، حيث يجري ذلك بالتشارك للمسؤولية بين الوزارة وسلطة الطيران المدني عبر اللجان المختصة والمشتركة”.
ويوضح أن “الاتحاد الدولي للنقل الجوي يقوم بعقد اجتماع له كل فترة 6 أشهر لمناقشة ملفات الحظر على الشركات وتدقيق استيفائها للمعايير الدولية ولذلك فالعراق سيكون ضمن أجندة الاجتماع القادم في شهر كانون الأول المقبل، للبت في رفع الحظر أو الاستمرار به فيما إذا تم إيجاد نقاط معينة مطلوبة”.
يشار الى أن وزارة النقل قد أعلنت في وقت سابق توقيعها عقدا استشاريا مع الاتحاد الدولي للطيران لاستيفاء متطلبات رفع الحظر الأوروبي في إطار زمني محدد، معتبرة أن هذه الخطوة للإسهام في رفع مستوى أداء السلامة داخل شركة الخطوط الجوية العراقية وتمهيدا لعودتها إلى عضوية الاتحاد، فيما أكدت استمرار عملها بالعقود التشغيلية المبرمة مع شركات رصينة لتشغيل طائرات جديدة لنقل المسافرين من الأجواء الأوروبية الى العراق وبالعكس.
فيما عقد رئيس سلطة الطيران وكالة بنكين ريكاني، مع وزير النقل رزاق السعداوي، اجتماعا لمناقشة تنظيم شؤون الطيران المدني والتراخيص والرقابة التي تضمن أمن الطيران والنقل الجوي، وفقا للبيان الذي أصدرته الوزارة، الذي أشار الى تأكيد الجانبين على تعزيز الجهود في تحديد آليات عمل مشتركة مع سلطة الطيران، والتي من شأنها الإسهام في رفع الحظر الأوربي عن الناقل الوطني.
من جانبه، يخالف خبير قطاع الطيران، فارس الجواري، حديث وزارة النقل عن قرب رفع الحظر الأوربي، بقوله، إن “الطريق لا يزال طويلا جدا أمام العراق لأنهاء حظر طائرات في الأجواء الأوروبية ويمكن أن يستغرق سنة أو أكثر لأن شركة الخطوط الجوية العراقية لم تستوف لغاية الآن جميع الشروط التي تطلبها وكالة السلامة الدولية الأوروبية حتى تجتاز التدقيق الذي سيتم اجراؤه لها في بغداد”.
ويوضح الجواري، أن “التدقيق يحتاج لوجود أوراق رسمية ثبوتية لتوفر الشروط بشكل حقيقي ومتطابق لما موجود في الشركة وعلى سبيل المثال توفير مركز صيانة للطائرات من أجل إدامتها ويكون معتمدا من قبل الجهات المعنية وهذا غير موجود على مستوى عالي بل بشكل بسيط وبدائي جدا لإجراء التفتيش البسيط”.
ويتابع أن “هناك أمور أخرى تخص إجراءات السلامة غير متوفرة تتعلق بالشركة والموارد البشرية حيث يجب وضعها جميعا على الورق وتطبيقها ثم إرسالها للوكالة الدولية ليقوموا بالحضور والتدقيق ولذلك فالأمر مبكر جدا”، مشيرا الى أن “فوائد رفع الحظر بحال حصوله فهي كثيرة أبرزها اجتماعية للجالية العراقية في أوروبا، وهي تعاني بالتنقل من بين دولهم إلى العراق عبر شركات وسيطة مثل التركية وغيرها بكلف مالية عالية عبر الترانزيت لمطارات تركيا ودول أخرى، كي يصلون إلى المطارات العراقية وهو ما لا يحصل بحال وجود طائرات عراقية مسموح لها بالطيران في أوروبا”.
ويستطرد الخبير في قطاع الطيران، أن “كلفة الطيران العراقي بالنسبة للجالية سيكون نافعا ومناسبا عكس الشركات الوسيطة والسفر بالترانزيت”، لافتا الى أن “الحقيقة تشير لوجود توصيات للجان السابقة لوكالة السلامة تم تقديمها للعراق ولكن لم يتم تطبيقها وهي 10 إلى 11 توصية ولذلك تفاقمت لغاية الان وبضمنها تقليل عدد طرازات الطائرات المتعددة لدى العراق بوجود بوينغ وإيرباص وأوروبي وأمريكي ما يولد ضغطا على شركة الخطوط الجوية العراقية ويقلل من الكفاءة ويؤدي لعدم السيطرة لوجود صعوبة بالصيانة وتأهيل الكوادر وقلتها كما بدأ يظهر ذلك في الآونة الأخيرة”.
ويلاحظ الجواري، أن “ملف الحظر الأوروبي بالنسبة للعراق قد استغرق وقتا طويلا دون الخروج بنتيجة من الجانب العراقي لتخليص نفسه، وإذا تمت مقارنة ذلك بالخطوط الجوية الباكستانية حين تم اكتشاف شهادات مزورة للطيارين، ما دفع الوكالة الدولية والطيران في أوروبا إلى إيقاف الشركة الباكستانية، والتي نجحت في تجاوز المشكلة خلال عام واحد عبر تصحيح مسارها وتطبيق المعايير المطلوبة منها، وهناك غيرها أمثلة كثيرة عبر منع أوروبا لشركات بمدة محددة لحين تطبيق المعايير وإجراء التدقيق عليها، لكن طيران أوروبا ما زال يضع مؤشرات على الخطوط الجوية العراقية منذ 10 أعوام تتعلق بسلامة الطيران، وليس لذلك علاقة بالسياسة أو الحروب”.
ويشير إلى أن “تعاقد شركة الخطوط الجوية مع لجنة من الاتحاد الدولي الأياتا، هي ذاتها جاءت في 2016 ولم تقدم أي حلول، لأن الحل يكون من داخل الشركة عبر هيكليتها والقطاع بشكل عام في العراق من خلال جعل مسؤول عام عن النقل الجوي يكون مسؤوليته بشكل مباشر كإدارة وتخطيط وتطبيق برنامج أمام الحكومة لتتم محاسبته فيما بعد بحال الفشل”، مبينا أنه “لا فائدة من خطط جديدة في 2024 وقد سبقها خطط عديدة في أعوام 2016 و2019 ودون تطبيق أي شيء منها”.
ويكمل حديثه، قائلا إن “الحل الأمثل للأزمة الحالية هو إنشاء شركة رديفة من رحم شركة الخطوط الجوية العراقية الحالية تكون من ثلاث طائرات على سبيل المثال ليتم استخدام الـ500 موظف الموجودين في الشركة حاليا بلا أي عمل لتكون بداية جديدة وتطبيق المعايير كافة التي تريدها الأجواء الأوروبية”، معتبرا أنه “بذلك يكون رهان واضح بتطبيق الخطة الناجحة بوجود مسؤول عراقي واحد وليس أجنبيا، ويتعهد خلال فترة معينة بتحقيق النجاح في أوروبا، وعدم السماح بفرصة فشل ونقل المسؤول الفاشل لمكان مسؤولية أخرى لا يقدم بها شيئا”.
وفي حزيران الماضي، أوصى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بسرعة الإيفاء بمتطلبات منظّمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، واتحاد النقل الجوي الدولي (IATA)، من أجل إنهاء الحظر الأوروبي على الخطوط الجوية العراقية، ولحق ذلك في تموز الماضي، اجتماعا للجنة المكلفة بإنهاء ملف الحظر الأوروبي على الخطوط الجوية العراقية، بحث خلاله السوداني الإجراءات وجهود إنهاء الحظر ومتطلباته، دون توصيات تذكر للاجتماع الثاني.
ويمتلك العراق ستة مطارات مدنية داخلة بالخدمة في بغداد والبصرة والنجف والسليمانية واربيل وكركوك الدولي، فضلاً عن مطارين غير داخلين في الخدمة وهما في دهوك، والموصل المشيد منذ عام 1920 لكن دمرته المعارك ضد تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017.
وعلى الرغم من تخصيص الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 موازنات مالية مهمة للخطوط الجوية، إلا أنها لم تسهم في تطور وضع الناقل الوطني العراقي، حيث تظهر أرقام رسمية تخصيص مبالغ تراوحت بين 161 مليار دينار و505 مليارات دينار عراقي بين السنوات 2019 و2024، للتطوير.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟