- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (15)
بقلم: نزار حيدر
قد يسأَلُ سائِلٌ ويقولُ؛ وما علاقةُ الحُسينُ السِّبطِ (ع) بوثيقةِ الصُّلحِ التي أَمضاها الحَسنُ السِّبطِ (ع) مع طاغيةِ الشَّامِ الطَّليقُ مُعاوية؟!.
الجوابُ؛ أَنَّها وثيقةٌ مُلزِمةٌ للإِثنَينِ وهُنا الأَدلَّة القاطِعة على ذلكَ؛
فعندما فاوضَ سُليمان بن صُرَدِّ الخُزاعي الإِمامَ الحُسينَ السِّبطِ (ع) في الثَّورةِ على مُعاوية، كانَ جوابُ الإِمامِ لهُ بما يلي {لِيكُن كُلَّ رجُلٍ منكُم حِلساً من أَحلاسِ بيتهِ ما دامَ مُعاوية حيّاً، فإِنَّها بَيعةٌ كنتُ والله لها كارِهاً، فإِن هلكَ مُعاوية نظرنا ونظرتُم ورأَينا ورأَيتُم}.
وكذلكَ كانَ جوابهُ لعديِّ بن حاتمِ الطَّائي وقد فاوضهُ في الثَّورةِ أَيضاً بقولهِ {إِنَّا قد بايَعنا وعاهَدنا ولا سبيلَ لنقضِ بيعتِنا}.
وقد ثبتَ (ع) على موقفهِ هذا بعدَ استشهادِ الحَسنِ السِّبطِ (ع) كما في النصِّ التَّالي؛
لمَّا ماتَ الحَسنُ بنُ عليٍّ (ع) تحرَّكت الشِّيعة بالعراقِ وكتبُوا إِلى الحُسين في خلعِ مُعاوية والبيعةَ لهُ، فامتنعَ عليهِم، وذكرَ أَنَّ بينهُ وبينَ مُعاوية عهداً وعقداً ولا يجوزُ لهُ نقضهُ حتى تمضي المُدَّة، فإِذا ماتَ مُعاوية نظرَ في ذلكَ.
٢/ وعندما تركَ (ع) وصيَّتهِ عندَ أَخيهِ محمَّد بن الحنفيَّة قبلَ أَن يُغادرها متوجِّها إِلى مكَّةَ المُكرَّمة كتبَ يقولُ {وأَنِّي لم أَخرُج أَشِراً ولا بطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً وإِنَّما خرجتُ لطلبِ الإِصلاحِ في أُمَّةِ جدِّي (ص)}.
والإِصلاحُ هنا سياسيٌّ، فهوَ سعى، برفضهِ البَيعةَ، إِصلاحُ النِّظامُ السِّياسي والحكُومةُ القائمةُ وتصحيحُ المَسارُ برمَّتهِ أَوَّلاً وليسَ شيءٌ آخرَ.
وبالتَّفصيلِ؛ أَرادَ (ع) القولُ بأَنَّ [الحكُومةَ] التي يسعى لإِرساءِ دعائمِها، خاليةٌ من الشرِّ والبطَرِ [العبَث] والفَسادِ بكُلِّ أَشكالهِ المالي والإِداري والأَخلاقي وخالِيةٌ كذلكَ من الظُّلمِ والتَّجاوُزِ على حقُوقِ النَّاسِ.
٣/ وأَضافَ (ع) في وصيَّتهِ {أُريدُ أَن آمُرَ بالمعرُوفِ وأَنهى عنِ المُنكرِ، وأَسيرُ بسيرةِ جدِّي وأَبي علي بن أَبي طالبٍ (ع)}.
وطبيعةُ السَّيرِ هُنا سياسةٌ، لأَنَّ جدِّهِ رسُولُ الله (ص) وأَبيهِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) أَقاما سُلطةَ الحقِّ ودَولةَ العدلِ وحكُومةَ الكرامةِ الإِنسانيَّةِ، دَولةُ المُواطنةِ التي قُوامُها قَولُ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصرَ {وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
كما أَنَّ الأَمرَ بالمعرُوفِ والنَّهيَ عنِ المُنكرِ هُنا على مُستوى [السُّلطان الجائر] وهوَ سياسةٌ ولذلكَ وردَ في الحديثِ الشَّريفِ عن رسولِ الله (ص) {أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عندَ سُلْطَانٍ جائِرٍ}.
والحُسينُ السِّبطُ (ع) لم يقصُد هُنا الأَمرَ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكرِ على المُستوى الإِنسانِ الفرد أَبداً، وإِنَّما قصدَهُ على مُستوى الإِنسان الأُمَّةَ [المُجتمعِ] فالمُستوى الفردي لا يحتاجُ كُلَّ هذهِ التَّضحيةِ العظيمةِ والدِّماءِ الزَّاكيةِ! أَليسَ كذلكَ؟!.
ولإِثباتِ أَنَّ المُرادَ بالأَمرِ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المُنكرِ هُنا [الحكُومة] أَي الصَّعيد العام [الأُمَّة] وليسَ الشَّخصي [الفردي] تعالُوا نقرأَ بدقَّةٍ، لنستنتِجَ بدقَّةٍ، حديثَ رسولَ الله (ص) الذي يقُولُ فيهِ {لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، فَلَيَسُومُنَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ لَا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ، وَلَا يُوَقِّرُ كَبِيرَكُمْ}.
لا أَظنُّ أَنَّ الحديثَ الشَّريف يحتاجُ إِلى مزيدٍ من الشَّرحِ، أَليسَ كذلكَ؟! فالتَّرابطُ هُنا بينَ الأَمرِ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المُنكر مِن جهةٍ وبينَ الآثارِ المُترتِّبةِ عليهِما هو ترابطٌ سياسيٌّ على مُستوى [الحكُومة] وليسَ على المُستوى الفَردي [الشَّخصي].
وهوَ الأَمرُ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المُنكرِ الذي قصدهُ الحُسين السِّبط (ع) في وصيَّتهِ لأَخيهِ إِبن الحنفيَّة.
وهوَ نفسهُ الذي قصدهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقَولهِ {وإِنَّ عِنْدَكُمُ الأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّه وقَوَارِعِهِ وأَيَّامِهِ ووَقَائِعِهِ فَلَا تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلًا بِأَخْذِهِ وتَهَاوُناً بِبَطْشِهِ ويَأْساً مِنْ بَأْسِهِ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ الْقَرْنَ الْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمُ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَعَنَ اللَّهُ السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصِي والْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ التَّنَاهِي!} وهي إِشارةٌ لقَولِ الله تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
وكذلكَ قَولهُ (ع) مِن وصيَّةٍ لهُ للحسَنِ والحُسين (ع) لمَّا ضربهُ إِبنُ ملجِم لعنهُ الله {لَا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ}.
أقرأ ايضاً
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (20)
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (19)
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (18)