بقلم: د. سعد محمود المسعودي
ولزينب نوح لفقد شقيقها تدعوه ياابن الزاكيات الركع
اليوم اصبغ في عزاك ملابسي سودا واسكبها طلات الأدمع ..
في مقالة لأحد الكتاب المستشرقين الاوربيين يسمى (إدورد مونتاغيوا)، وقد نشرت في الصحف البريطانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عن شخصية السيدة زينب بنت امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، تحت عنوان (إقتلوا زينب)، إذ جاء فيها..
لقد فتشنا في كتب العرب التاريخية كأبن الاثير، والمسعودي، وغيرهم من فحول المؤرخين، فعثرنا على خطبة للسيدة زينب ومن فقراتها:
(فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا)، من هي هذه المرأة ..؟
أنا اقولها تغلق الحجر لقوتها، وهي امرأة، أنها تهدد عرشاً عظيماً عرش يزيد بن معاوية، وحسب ما تعرفنا على سيرته، هو من اشباهنا، نحن الغربيين، نحن في أوروبا نتعاطى الخمور، ونتسلى بالمراقص الليلة، ونتسامر عبر العلاقات الجنسية، وغيره الكثير..
أما زينب فهي شبيهة بالسيدة العذراء، حقيقة نعترف فيما بيننا أن هذه المرأة تشكل خطراً كبيراً يهدد ليس فقط عرش يزيد، بل كل قوى مثل عرش يزيد، إذن زينب تهددنا نحن ايضا ..
أقول..
يا سيد إدورد، أن شخصية عالمية تاريخية كشخصية السيدة زينب بنت امير المؤمنين عليه السلام، هي الأبرز على الإطلاق من كل شخصيات التاريخ الاسلامي، وما تناولته هذه السيدة العظيمة إنما جاء الأساس الثابت الذي ترعرعت عليه هذه السيدة المعطاء، وكيف لا ؟ وهي سليلة الدوحة العلوية، ابوها علي بن ابي طالب عليه السلام، وامها سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلوات ربي عليهم أجمعين، ومن نتاج هذه الأسرة، أنها ذو الفضل العظيم والكرم والجود والعلم والعطاء، فقد فضلهم الله سبحانه على سائر خلقه، وميزهم بخصال يعجز بني البشر عن الوصول إلى كنه عظمتها، فهي من بيت زق بهم العلم زقا، صغيرهم لا يقاس من العلم وكبيرهم كالجمر لايداس.
يا سيد إدورد، سأضع على تساؤلاتكم أدلة للتاريخ، علنا نوفق أن نذكر من هذه السير العطرة، لننال على إثرها شفاعة جدها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأبوها علي وامها الزهراء عليهم السلام.
أن الجانب المعنوي الذي تركت السيدة زينب (ع)، هو جانب لا يمكن لاقلام التاريخ تمحو أثره، كيف ما دارت رحى الأحداث سنجد أن المواقف التي تكللت بها ابنت امير المؤمنين عليها السلام، هي مواقف لم يسبق أن قدمتها امرأة في فترات التاريخ، ولن تصل إليها اي شخصية على مدار الاحقاب والأزمان، وليت شعري أن الوقوف بوجه طواغيت الزمان لا يتطرق لها التاريخ الاسلامي، كما تطرق إلى مواقف هذه السيدة العظيمة، فجميع محاولات بني أمية لطمس معالم هذه الحقائق باءت بالفشل الذريع والخسران، ومن أهم تلك المواقف هي تشخيص سريع لاحداث كربلاء وما جرى في يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ هجرية، المعركة الكونية التي أدت إلى استشهاد الأهل والاخوان والاولاد والأطفال ولم ينجوا منها حتى الطفل الرضيع، وكأنها يوم القيامة، وكيف لك أن تصف موقفاً واحدا قد هز وجودكم، وتشتت له أفكاركم، واخذتم التاريخ الاسلامي بحثا عن ضالتكم، فوجدتم شخصية السيدة الحوراء زينب عليها السلام، ولم تستعرض مواقفها في رحى المعارك ومالذي أنتجت واقعة الطف، وكيف استطاعت أن تجمع فتات ما تبقى من النساء والأطفال بليلة تشبه ليالي الموت المحقق الذي جرى على اوروبا في العصور المظلمة، ولا شبيه لها مع الفارق، يا سيد إدورد ؟
هل قلبت بواطن الكتب مما ذكرتم، فهل وجدت ان السيدة زينب عليها السلام، قد وقفت بباب خيمتها تنظر مصارع الابطال من اخوانها وابنائها فلذات كبدها، وأبناء إخوتها، وعينها شابحة إلى السماء وتردد وتقول، اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، اللهم تقبل منا هذا القربان.
هل قرأت ما معنى ذلك؟
هل علمت أن هذه القرابين التي قدمت في هذه المعركة، لو كانت في أوروبا لصنعتم منها قداس الكنائس، ولجعلتموها كعظمة يسوع المسيح وسموه، وكما أخبركم عنها (كولوسي) بأن يسوع هو صورة الله غير المنظورة وقد أرسله اليكم الله سبحانه لتتعرفو عليه، هل تعلم يا سيد إدورد؟
أن السيدة زينب هي المرأة الاولى في تاريخ الاسلام تقف موقف الشجعان، لان التاريخ يحدثنا أن ابيها علي بن ابي طالب عليه السلام، الرجل الذي حطم احلام العرب والروم والكفرة والمشركين، ومن به الله سبحانه على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بهذا الرجل الذي أطاح بكل مخططات الغرب والكفر والاشراك، هل تعلم ياسيد إدورد، أن السيد زينب هي خلاصة الرسالة التي أراد الامام الحسين عليه السلام أن يوصلها للعالم بأسره ووصلت اليكم بكل نقاء، ولولا هذه المرأة فلا ذكر يذكر للتاريخ الإسلامي وسيظل فارغا من محتواه الحقيقي والإسلام الذي جاء به جدها، لأصبح بين ايديكم إسلاما ذو احكام على مزاج السلطات الحاكمة من بني أمية وابن أكلة الاكباد، وأصحاب الجرائر العظيمة والذنوب التي لا تغتفر.
هل تعلم ياسيد إدورد أن العظيمة زينب قد وضعت النقاط على الحروف، ومهدت لدولة الحق المطلق، فبدونها لا توجد للإسلام دولة، ولا شيعة ينتظرون أمامهم، ولا محبين لهم، ولا مناسك الحج، ولا شعائر الدين وشريعة المرسلين، ولا تبقى لهذا البيت باقية لو لا وجودها، بعد أن انعم الله عليها بالصبر والثبات والعقيدة الراسخة التي تغذتها من يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبواها، ولعمري، الحديث عن المأثر والمواقف لسيدة الخدر والنساء زينب بنت امير المؤمنين عليه السلام يحتاج إلى مجلدات من الكتب لتغطي عظمتها، وإليك يا سيدتي اعتذر لأنني لم اوف جزء من نوركم، وكتبت تلك الحروف طالبا بها شفاعتكم يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم .. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً