- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (6)
بقلم: نزار حيدر
أَغبى النَّاس مَن يتعامَل معَ عاشُوراء بصفتِها حدثٌ طائفيٌّ، وأَغبى منهُ مَن يتعامَل معَ خرُوجِ الحُسين السِّبط (ع) على أَساسٍ طائفيٍّ!.
وهؤُلاء أَنفسهُم، أَقصدُ الأَغبياء، يتعاملُونَ معَ أَيِّ حدَثٍ آخر من نوعِ عاشُوراء ببُعدهِ الإِنساني، فيتفاعلُونَ معَ الثَّورةِ البلشفيَّةِ على أَنَّها [ثَورةٌ إِنسانيَّةٌ] وكذلكَ معَ [الثَّورة الفرنسيَّة] ومعَ رسالةِ غاندي مثلاً أَو مانديلَّا أَو لوثر كِينغ، على أَنَّها رسائِلَ إِنسانيَّةً مثَّلت قِيماً خالِدةً عابِرةً للدِّينِ والمذهبِ والقوميَّةِ والتَّاريخِ والجُغرافيا.
حتَّى عنترةَ بن شدَّاد لم يتعاملُوا معهُ كما يتعاملُونَ مع عاشُوراء!.
فلِماذا عندما يصلُ الأَمرَ إِلى عاشُوراء تتحوَّل الرِّسالة إِلى طائفيَّة؟! ولماذا عندَما يصِلُ الأَمرَ إِلى الحُسين السِّبط (ع) يجري الحديثُ عن رسالتهِ بطائفيَّةٍ مَقيتةٍ؟!.
نعم؛ فنبرةُ الكلامِ تتغيَّر! ولهجةُ التَّحليلِ والتَّفسيرِ تتبدَّل! لماذا؟! على الرَّغمِ مِن أَنَّ كُلَّ شِعاراتِ وأَهدافِ ومُنطلقاتِ وأَدواتِ الحُسين السِّبطِ (ع) إِنسانيَّةٌ بحتةٌ ليسَ فيها لمسةٌ دينيَّةٌ أَو نفَسٌ طائفيٌّ أَو عُنصُريٌّ!.
فالحُريَّةُ والكرامةُ والعدلُ والإِحسانُ وتحريرُ الإِرادةِ من الظُّلمِ ومِن قهرِ الحاكمِ وجبرُوتِهِ، كُلُّها قِيَمٌ إِنسانيَّةٌ يتطلَّعُ إِليها بشغَفٍ كُلَّ إِنسانٍ على وجهِ هذهِ البسيطةِ بغضِّ النَّظرِ عن خلفيَّتهِ بكُلِّ أَشكالهِا.
إِنَّ البُعدَ الإِنساني في نهضةِ الحُسين السِّبط (ع) أَوضحُ بكثيرٍ جدّاً من بُعدِها الدِّيني والمَذهبي والقَومي، ولعلَّ مِن أَكبرِ وأَوضحِ الأَدلَّةِ على ذلكَ هوَ أَنَّ عددَ غَير المُسلمينَ الذينَ كتبُوا عن عاشُوراء أَكثر من عددِ المُسلمينَ، وأَنَّ عددَ السُّنَّة الذينَ كتبُوا عن الحُسين السِّبط (ع) أَكثرُ من عددِ الشِّيعةِ، وأَنَّ هويَّة الشُّعراء والأُدباء الذينَ كتبُوا في عاشُوراء ينتمُونَ إِلى مُختلفِ الإِتِّجاهاتِ التي تمتدَّ من أَقصى اليمينِ إِلى أَقصى اليسارِ وفيهِمُ المُؤمن والمُلحد، الإِسلامي واللِّيبرالي [العِلماني] واليَساري واليَميني والوَسطي، والمُعتدِل والمُتطرِّف ومِن كُلِّ الأَديانِ والمذاهبِ والمشاربِ والمِللِ والنِّحلِ، السماويَّةِ منها والأَرضيَّة.
لِماذا؟!.
لأَنَّ فلسفةَ الصِّراع بينَ الحقِّ والباطلِ وأَنَّ رِسالةَ المظلوميَّة في مواجهةِ الظَّالمِ جذرُها الإِنسانيَّة قبلَ أَن يكونَ الدِّين أَو المَذهب أَو الإِثنيَّة، وهذا ما نلمسهُ في وصيَّةِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) لولَدَيهِ الحسَن المُجتبى والحُسين الشَّهيد (ع) بقَولهِ {وكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً ، ولِلْمَظْلُومِ عَوْناً} مِن دُونِ أَن يُحدِّدَ هويَّة الظَّالم وخلفيَّة المظلُوم، إِذ يكفي أَن يكُونَ الظَّالِمُ ظالِماً لتُواجِههُ ويكفي المظلومُ أَن يكُونَ مظلُوماً لتنصُرهُ!.
ولذلكَ فإِنَّ البِعثة النبويَّة الشَّريفة تُغطِّي النَّاسَ كافَّةً فهيَ ليسَت دعوةً طائفيَّةً، لأَنَّ رِسالتها إِنسانيَّة أَوَّلاً.
يقولُ تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
خُذ مثلاً على ذلكَ موضوع الأَمن المُجتمعي، فهل هوَ حقٌّ مِن حقُوقِ [المُؤمنِينَ] فقط؟! أَم أَنَّهُ حقٌّ لكُلِّ مُواطنٍ يعيشُ في ظلِّ الدَّولةِ بغضِّ النَّظرِ عن خلفيَّتهِ الدينيَّةِ منها والمذهبيَّة والإِثنيَّة؟!.
يقولُ تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} وقَولهُ تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}.
تعالُوا نفهَم هذا الوعي الإِنساني الأَصيل في النصِّ التَّالي في نهجِ البلاغةِ وهوَ كلامٌ يُدمي القلبَ عن أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) عندما سمِعَ أَنَّ طاغِيةَ الشَّام مُعاوية بعثَ بجيشهِ للعَبثِ بأَمنِ البلادِ وترويعِ الأَهالي بغاراتٍ مُسلَّحةٍ دمويَّةٍ لم يميِّزُوا فيها بينَ [مُؤمنٍ] عن غيرهِ، وبينَ [مُسلمٍ] عن غيرهِ.
يقولُ (ع) مُتأَلِّماً ومُتوجِّعاً {أَلَا وإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا ونَهَاراً وسِرّاً وإِعْلَاناً وقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّه مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ ومُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الأَوْطَانُ وهَذَا أَخُو غَامِدٍ وقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُه الأَنْبَارَ وقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا ورُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْه إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ والِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ ولَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِه مَلُوماً بَلْ كَانَ بِه عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً واللَّه يُمِيتُ الْقَلْبَ ويَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ ولَا تُغِيرُونَ وتُغْزَوْنَ ولَا تَغْزُونَ ويُعْصَى اللَّه وتَرْضَوْنَ! فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِه حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِه صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ والْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ والْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ واللَّه مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!}.
جَوهرُ مُعادلةَ الحقِّ والباطلِ، إِذن، هوَ الحقُّ والأَمنُ الذي لا يُميِّز بينَ صاحبِ دينٍ وآخر أَو بينَ أَتباعِ مذهبٍ وآخر.
تعالُوا، يا أَنصارَ الحُسين السِّبطِ (ع) وشيعتهِ، نُساعِدُ [الطَّائفيِّينَ] ليُعيدُوا النَّظرَ في طبيعةِ فهمهِم لكربلاء وعاشُوراء، ففيهِمُ الكثيرُ ممَّن لُبِّسَ عليهِم وعمَّسُوا عليهِمُ الخَبر، وقد يكُونُ {ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ} فلَو فهِمُوا لغيَّرُوا، فليفهمُوا بأَنَّ عاشُوراء إِنسانيَّة قبلَ أَن تكونَ دينيَّة وأَنَّ كربلاء للإِنسانِ قبلَ أَن تكونَ للدِّينِ.
إِنَّ اهتمامَ [الشِّيعةَ] بعاشُوراء لا يُبرِّر لهُم تعامُلهُم الطَّائفي معَها أَبداً.
إِنَّهُم يخسرُونَ أَنفُسهم بتعاملهِم الطَّائفي البغِيض معَ عاشُوراء، ويخسرُونَ قِيَماً وأَخلاقً بهذا التَّعامُلِ الأَعوجِ هُم أَحوجُ ما يكونُونَ إِليها ويخسرُونَ إِنسانيَّتهُم أَوَّلاً وقبلَ كُلَّ شيءٍ.
يقولُ تعالى {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}.
أقرأ ايضاً
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (20)
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (19)
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (18)