أسهمت ظروف ومتغيرات شهدها العراق في ازدهار بعض المهن والحرف التي سادها الكساد لعدة سنوات، إلا أن المتانة تلعب دورها في عودة هذه المهن إلى الواجهة من جديد، وخاصة بعد أن أثبتت العديد من المنتجات المستوردة إلى العراق عدم كفاءتها.
ولعل من أبرز المهن التي تلاقي إقبالا واسعا من قبل المواطنين في الوقت الحاضر، مهنة النجارة، بفنها العراقي المتميز وديكوراتها ومتانتها والتي كان سبب هجرانها والابتعاد عنها من قبل الكثيرين هو سحر غرف النوم المستوردة، التركية والماليزية وغيرها، إضافة إلى ارتفاع ثمن الأثاث العراقي لأسباب عدة.
ويقول صاحب محل نجارة في منطقة قطر الندى ببغداد، حسن كريم علي (53 عاما)، إن “مهنة النجارة كما هو معروف كانت من المهن الناجحة طوال العقود الماضية، حيث اعتادت العائلات العراقية على شراء الأثاث وغرف النوم والمكتبات وغرف الاستقبال والمناضد من محال النجارة في مناطقها”.
ويضيف علي، أن “تصنيع الأثاث يتم من قبل نجارين عراقيين محترفين، يستخدمون أخشابا متينة وأصباغ جيدة وبتصاميم متميزة تضفي رونقا يغري بالنظر إليه، لذلك كان عليها إقبالا واسعا، لكن الاستيراد أثر بشكل سلبي على الصناعة الوطنية”.
ويشير إلى أن “عودة صناعة الأثاث العراقي وإقبال المواطنين عليه بعد ابتعادهم عنه لأسباب متعددة أبرزها ارتفاع ثمنه مقارنة بالمستورد، لكن بعد تحسن الوضع الاقتصادي للموظفين والمتقاعدين، وأيضا بعدما لم لمس المواطن العراقي رداءة الأثاث المستورد المصنوع من الخشب المكبوس الذي يتضرر بالرطوبة والنقل والفتح والشد لعدة مرات مقارنة بالأثاث العراقي الذي لا يتأثر بذلك، أنعش الإنتاج المحلي مجددا”.
ويوضح علي “ارتفاع أسعار الأثاث المحلي كان السبب الأساس وراء ابتعاد العراقيين عن الأثاث العراقي، لكنهم ادركوا عدم فاعلية الاثاث المستورد في مقابل متانة المصنوع محليا”.
وبدأت الدعوات تتعالى في العراق منذ العام 2019 من أجل دعم وتشجيع المنتج المحلي وتقنين الاستيراد من مختلف المنتجات والبضائع، بعد الكساد الاقتصادي الذي ضرب العديد من القطاعات الإنتاجية.
وكان وزير التخطيط السابق خالد بتال النجم قد أكد في تصريحات سابقة، أن الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية يعد من الأجهزة المهمة التي تحافظ على صحة وسلامة المستهلك من جهة، وحماية الاقتصاد الوطني من الهدر على سلع ومواد غير مطابقة ومغشوشة، داعيا إلى أهمية مراجعة إدارة هذا الجهاز للقوانين والتعليمات الخاصة بعمله والتي تبطئ من عملية النهوض والارتقاء.
إلى ذلك، يعزو النجار، فؤاد ياسين (55 عاما) في منطقة الصالحية ببغداد، تراجع مهنته خلال الإعوام السابقة إلى عدة إسباب حيث أن “ضعف مهنة النجارة في العراق يأتي بسبب الإقبال على الأثاث الجاهز المستورد من تركيا وماليزيا، والذي يكون سعره أرخص من الأثاث العراقي”.
ويبين أن “الأثاث العراقي المصنوع في ورش النجارة المحلية أفضل من المستورد بنسبة تفوق الـ90 بالمئة كونه يمتاز بالقوة والمتانة لكون غرف النوم العراقية تتم صناعتها من خشب طبيعي بنسبة مئة بالمئة، فيما تصنع غرف النوم المستوردة من الكارتون ونشارة الخشب”.
ويوضح أن “من مميزات النجارة العراقية هي تصميم غرف نوم وأثاث حسب قياسات الغرفة وليست ذات قياس واحد مما يجعل الغرف غير متناسقة ومزدحمة”.
ويفصّل أن “أسعار غرف النوم المحلية تبدأ من ثلاثة ملايين إلى ثمانية ملايين ونصف المليون دينار، لكن يمكن الحصول على غرفة نوم مستوردة بمبلغ 800 دولار (1.150دولار)، وهو ما يشجع المواطنين على شراء الغرف المستوردة”.
وينوه ياسين أن “ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار لم يؤثر على شراء الأخشاب التي نشتريها بالعملة المحلية كما نشتري المواد المستخدمة من الأصباغ والغراء والمسامير والمواد الأولية الأخرى بالعملة المحلية أيضا”.
وبحسب أصحاب ورش النجارة وبعض الزبائن، فقد أثبتت صناعة الأثاث العراقية كفائتها وجماليتها وتميزها بالعمر الطويل ومقاومتها للرطوبة.
وفي هذا الشأن، يؤكد النجار أبو ليلى (60 عاما)، وهو من أقدم النجارين في العاصمة بغداد، أنه “على الرغم من تعرض مهنة النجارة للكساد خلال الأعوام الماضية، لكنني لم أغلق المحل، وبقي عملي مستمرا مع وجود العديد القليل من الزبائن بسبب الأوضاع المادية الصعبة في زمن الحصار خلال تسعينيات القرن الماضي، وانفتاح العراق على الاستيراد بعد العام 2003 ودخول غرف النوم الماليزية والتركية والصينية والتي انبهر البعض بها وأقبل على شرائها لرخص أسعارها”.
ويردف “صناعة غرف النوم والأثاث عموما تعد من الصناعات المعمرة في العراق إذ تدوم عشرات السنين، والسبب يعود إلى استخدام النجارين الخشب الصاج والزجاج الأصلي وأنواع (المعاكس) الجيد، فضلا عن استخدام مسامير جيدة وأصباغا أصلية”.
يشار إلى أن تركيا أعلنت في تموز 2021 أن صادراتها من الأثاث حققت نموا بنسبة 35 بالمئة خلال النصف الأول من العام المذكور، مقارنة بالفترة نفسها من 2020، وقد تجاوزت صادرات القطاع ملياري دولار بحسب بيانات اتحاد مصدري منتجات الأثاث والورق، حيث تصدر العراق قائمة البلدان الأكثر استيرادا للأثاث التركي، تلته ألمانيا، ثم الولايات المتحدة.
إلى ذلك، تشير الحاجة أم علي (52 عاما)، إلى أن “الأثاث العراقي لا يضاهى من حيث الجودة والمتانة، ومن يقتني غرفة نوم محلية فهو بذلك يضمن استمرارها لزمن طويل”.
ويؤكد “ما زلت أحتفظ بغرفة عرسي التي لا تزال جديدة ومتينة لأنني قمت قبل مدة قصيرة بإعادة طلائها وصيانتها، أما فرق الأسعار فلا قيمة لها مقابل المنتجات الرصينة والمعمرة مثل غرف النوم العراقية”.
يشار إلى أن مهنة النجارة في العراق، مرت بمراحل سيئة عديدة، بداية من تأثرها بفترة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في تسعينيات القرن الماضي، حيث شحت الأخشاب وفقدت من السوق مادة (المعاكس) وبات من الصعب الحصول على المواد الأولية، وبعد العام 2003 غزا الأثاث المستورد السوق العراقية وتوجه المواطن إلى اقتنائه بدلا من المحلي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- الطاقة الشمسية تعيد إحياء بوادي العراق
- بعد ردم البحيرات المحلية.. السمك المستورد يغزو السوق العراقية
- العتبة الحسينية ستفتح زمالات طبية فيها: تجميد الاورام تقنيات عالمية حديثة يقدمها مركز الحياة للمرضى