ارتفعت حصيلة الحوادث الأمنية ومعدلات القتل خلال الفترة الماضية في العراق، واللافت أن مرتكبيها لم يكونوا من أصحاب السوابق، بل أنهم مجموعة من المراهقين الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ15 عاما، وهذا وفقا لما يراه مختصون في الشأن الأمني والاجتماعي بأنه تطور خطير لمجموعة من الأسباب، أولها إشاعة ظاهرة القتل التي تحدث بسبب سرقة دراجة نارية أو هوائية لا يتجاوز سعرها 300 ألف دينار (200 دولار)، بالإضافة إلى انتشار السلاح، كونه متوفرا بيد هؤلاء الصغار.
ويقول الخبير الأمني هيثم الخزعلي، إن "مسألة انتشار الجريمة المرتكبة من قبل مراهقين لم تتجاوز أعمارهم 15 عاما يعود إلى جملة من الأسباب في مقدمتها سهولة الحصول على السلاح الذي بات منتشرا بشكل كبير ويمكن لأي شخص أن يقتني قطعة سلاح واحدة".
ويضيف الخزعلي، ان "السبب الآخر هو أن انتشار مثل هكذا نوع من الجرائم يعود إلى انتشار المخدرات سواء على شكل حبوب أو أنواع أخرى يجري تداولها بين المراهقين، ولابد من معالجة هذه الآفة، إضافة إلى ضبط السلاح لاحتواء هكذا أفعال".
ويتابع ان "هذه الظواهر منتشرة بشكل علني بعد الغزو الثقافي والفكري الذي تعرض له العراق بشكل مفاجئ ولم تعد تقتصر على السرقة أو العنف والاعتداء بل تجاوزتها إلى القتل وتجارة البشر".
يشار إلى أن وزارة العدل العراقية تعلن بين فترة وأخرى عن إطلاق سراح مجموعة من السجناء من الأحداث والمشمولين بالعفو العام، ووفقا لإحصائيات أخيرة فإن عدد السجون في عموم العراق يبلغ 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا الإرهاب، ومن بين السجناء 1500 امرأة.
وقبل أيام شهدت محافظة البصرة (جنوب العراق) عملية سرقة لدراجة نارية كان يستقلها شخصان، من قبل مجموعة أخرى أيضا كانت تستقل دراجة نارية، وشهدت العملية إطلاق نار من قبل الجهة التي كانت تريد القيام بالسرقة ما أدى إلى مقتل أحد الشباب الذين كانوا يستقلون الدراجة الثانية.
ويلفت الباحث الاجتماعي محمد المولى، أن "معنى المراهقة هي المرحلة العمرية التي تسبق تمام العقل وقدرته على اتخاذ القرار المناسب الصحيح أو الاختيار الصحيح للسلوك المناسب، لذا تسعى الدول التي تريد أن تكون أجيالها القادمة بعيدة عن السلوكيات الخاطئة والمنحرفة، إلى أن تضع خططا تربوية وتعليمية وتدريبية يمكن من خلالها إنتاج سلوكيات صحيحة".
ويشير إلى أن "التسرب المدرسي وضعف الرقابة العائلية المجتمعية والحالة الاقتصادية المتدنية من جهة وكذلك الكم الكبير من ألعاب وأفلام الأكشن، سمحت أن يكون المراهقون أشد الفئات تأثرا بالاتجاه السلبي من جهة اخرى، بغياب الضوابط الاجتماعية المجتمعية المختلفة، ما يعني دخولهم في منطقة الخطر الحقيقي".
ويتابع "كل ما سبق سيجعل المراهق صيدا ثمينا لشخوص امتهنت السلوكيات الخاطئة والمنحرفة وتبحث عن شخوص لها استعداد للمضي بهذا الطريق، وهكذا يتم الإيقاع بالمراهقين واستغلالهم كأدوات لأفعال مخالفة للقانون ومنها السرقة والنصب والاحتيال وقد يصل الأمر للقتل بعد فترة من الترغيب والإكراه بمختلف المغريات ومنها المال والتحرر الماجن والفسوق والفجور".
ويكمل المولى ان "هذه الأفعال والسلوكيات وجدت لها مساحة عمل أوسع بظل انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه وقصور بالرقابة الأمنية الاستخبارية للأجهزة المختلفة، لننتهي عند الأكشن وتنظيم الساعة البيولوجية للعائلة والمراهق التي تحتاج إلى تعاون مجتمعي بين المدرسة والبيت والمجتمع برعاية الجهات الدينية والعشائرية والشخوص المثقفة والمنظمات ذات العلاقة، وهذا ما يتطلب وقفة جادة من الجميع يمكن من خلالها إنقاذ هؤلاء المراهقين من براثن وشباك من يؤثر عليهم أو يستغلهم كأداة للسلوكيات الخاطئة".
ويعد السلاح المنفلت في العراق واحداً من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. ومنذ عام 2005 وحتى اليوم، رفعت الحكومات العراقية شعار "حصر السلاح بيد الدولة"، فيما لا يبدو أن هناك خطوات فعالة لتنفيذه.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
وفي السياق، يشرح المختص في الشأن الاقتصادي علي كريم إذهيب، أن "انتشار الجريمة بين هذه الأعمار يعود لسببين، أولهما الفقر، والثاني تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، حيث أن الفقر يدفع أشخاص كثيرون خاصة في فترة المراهقة من عمر 12 إلى نحو 17 عاما للبحث عن المال من أجل شراء الكحول والممنوعات الأخرى، وهو ما يضطرهم إلى السرقة أو التسليب وحتى القتل مقابل مبلغ مالي معين".
ويلفت إلى أن "هذه السرقات تجري بسهولة بالنسبة لهذه الأعمار، خاصة في المناطق ذات الصبغة الشعبية، والأدهى من ذلك أن هذه الحوادث صارت تحصل في مناطق متعددة ولا تقتصر على المدن الشعبية".
ويدعو إذهيب مؤسسات الدولة إلى "احتواء هؤلاء من خلال زجهم في دورات وورش تعليمية، إضافة إلى توفير قروض ميسرة بفوائد القسط المتناقص لدخولهم في مشاريع يمكن من خلالها توفير متطلباتهم اليومية، وكذلك فرض التعليم الثانوي على هذه الشريحة ومنعهم من الخروج إلى الشارع وارتكاب جرائم الخطف وغيرها".
يشار إلى أن أكثر أنواع المخدرات رواجا كما يؤكد مسؤولون أمنيون، هي مادة الكريستال التي يتراوح سعر الغرام الواحد منها بين 15 إلى 25 ألف دينار (11.5 إلى 19 دولارا)، والكبتاغون التي يصل سعر الحبة الواحدة منها إلى نحو دولارين، وغالبية متعاطيها هم من فئة الشباب بين 18 إلى 30 سنة.
وكان مجلس النواب العراقي قد شرع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، وضم 51 مادة، إثر دخول العراق في معاهدات دولية عديدة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، ومع الارتفاع الكبير في أنشطة العصابات الإجرامية المتخصصة بتهريب وترويج المخدرات في مختلف أنحاء البلاد، وحتى زراعة بعض أنواعها.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- المقاومة في لبنان تصدر ملخصاً ميدانياً: رفد الجبهات بالسلاح مستمر.. 95 قتيلاً للاحتلال وتدمير 42 دبابة
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟