خلافات متجذرة تجاوز عمرها 20 عاما بين بغداد وأربيل، ومرت بظروف مختلفة على مر الحكومات المتعاقبة لتتصاعد حدتها أحيانا، وتتجه للتهدئة أحيانا أخرى، وقليلا ما كانت تشهد انفراجات محدودة إلا أنها لم تفض إلى حلول حاسمة تنهي توترات وصلت إلى حد المواجهات المسلحة في حكومتي نوري المالكي وحيدر العبادي السابقتين.
وعلى الرغم من أن التشنجات السياسية، والموارد الاقتصادية، والمناطق المتنازع عليها، تشكل أضلاع مثلث الخلاف الأبرز بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، إلا أن هناك أضلاعا أخرى تبرز بحسب الحاجة إليها بين وقت وآخر، كالإدارة الأمنية، ورواتب الموظفين، والعلاقات الدبلوماسية، ومسك الحدود، وتواجد جماعات معارضة إيرانية وتركية وسورية في الأراضي العراقية، كل هذه العوامل تشكل أزمات حقيقية قائمة لم يتم تخطيها طوال السنوات الماضية والاجتماعات المتتالية.
وآخر هذه الاجتماعات بحضور رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني إلى بغداد للمشاركة في مشاورات ائتلاف إدارة الدولة الذي يتكون هو الآخر من ثلاثة أضلاع، الشيعة، والسنة، والكرد، وفيما يرى مراقبون أن بارزاني يعد الأكثر مقبولية من أغلب الأطراف السياسية وبإمكانه حلحلة الأوضاع لخطابه الهادئ، يذهب آخرون إلى أن الحلول لا تقتصر على شخصية بعينها بل بمنظومة الحكم في بغداد وأربيل.
وبهذا الصدد، يقول المحلل السياسي محمد علي الحكيم، إن "حضور رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني إلى بغداد وبالتحديد حضوره لاجتماع ائتلاف إدارة الدولة، تمخض عنه حل شكلي وليس جذري لبعض الإشكالات والمشاكل العالقة بين الجانبين".
ويضيف ان "الخلافات بين بغداد وأربيل متجذرة ومستمرة لعدم التزام جميع القوى السياسية بالدستور والقانون الذي أصبح بيد القوى السياسية وتتعامل بالدستور والقانون كما تشاء وحسب أهوائها الشخصية والحزبية بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن".
ويشير إلى أن "جميع القوى السياسية تسعى وتضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني للمشاركة في انتخابات برلمان إقليم كردستان لكون عدم مشاركته يفقدها الشرعية الحقيقية والطعم والذوق لأنه يعتبر الركن الأساس في العملية السياسية في كردستان".
ويؤكد الحكيم أن "حضور بارزاني كان مهما، لكن لا أعتقد سيفضي إلى نتائج حقيقية وملموسة لحل الإشكالات والخلافات، رغم أن المشاكل في العراق لا تقتصر على مكون واحد، بل مشتركة بجميع المكونات ولا تقل الخلافات لدى المكون الشيعي والسني عن المكون الكردي، بل تزيدهم بعض الشيء".
ويلفت إلى أن "اجتماع يوم أمس لائتلاف إدارة الدولة كان وسط غياب زعماء كبار أبرزهم نوري المالكي وقيس الخزعلي ومحمد الحلبوسي، مما يؤكد أن الخلافات بين بغداد والإقليم مستمرة ولا مجال لحلها في القريب العاجل وسط مخالفات حقيقية للدستور والقانون".
ووصل رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني إلى العاصمة بغداد يوم أمس الأول السبت، بحسب بيان من رئاسة الإقليم، ليجتمع بكبار المسؤولين وزعماء الكتل السياسية في بغداد.
وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أن الأخير استقبل بارزاني وعقدا اجتماعا بحثا خلاله سير تنفيذ البرنامج الحكومي، وتجاوز كل العقبات الإدارية والتنفيذية، وأكدا على أهمية دعم الخطوات الحكومية الإصلاحية، من قبل سائر القوى الوطنية والسياسية؛ من أجل تعزيز مستهدفات الحكومة، والمُضيّ في ترسيخ التنمية الشاملة، وتجاوز كل العقبات الإدارية والتنفيذية التي كانت تحول دون الارتقاء بالواقع الخدمي والمعاشي والاقتصادي.
بدوره يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، أن "زيارة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني إلى بغداد جزء من إعادة ترطيب الأجواء بين بغداد وأربيل وهي رسالة للتأكيد على تقارب وجهات النظر، وبالتالي انعكاسها على العملية السياسية".
ويبين أن "حضور بارزاني اجتماع ائتلاف إدارة الدولة يدل على أن الإطار التنسيقي قد اتفق على تمرير الموازنة الشهرية التي تصل إلى كردستان بحدود 920 مليار دينار والتي كانت سابقا 200 مليار دينار ثم تم رفعها إلى 400 مليار دينار لتصل أخيرا إلى 900 مليار دينار".
وينبه الدعمي إلى أن "الإطار التنسيقي يدرك جيدا أن عدم الاتفاق مع كردستان يعني وجود مشكلات تواجه حكومة بغداد وبالتالي مصلحة استقرار البلد ستكون حاضرة في حوارات ونقاشات حكومة بغداد".
وكان نيجيرفان بارزاني قد أعلن أمس الأول السبت، عقب اجتماعه برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عن التوصل لاتفاق مبدئي لملف النفط، والذي يعدّ أحد أبرز الإشكالات العالقة بين بغداد والإقليم، مؤكدا دعمه للبرنامج الحكومي، بالإضافة إلى تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بتشكيل الحكومة، وهو ما تم من خلاله صرف مرتبات موظفي الإقليم ضمن إطار الاتفاق الذي جرى بين السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، ونأمل أن يستمر ذلك.
من جانبه، يشدد الباحث في الشأن السياسي وائل الركابي، على أن "نيجيرفان بارزاني شخصية هادئة ووجوده ضمن ائتلاف إدارة الدولة يحظى بمقبولية من جميع الكتل السياسية الموجودة في الائتلاف أيضا".
ويوضح "وجود بارزاني في اجتماع ائتلاف إدارة الدولة سيعكس حقيقة المحاولات الصادقة للإقليم وكذلك من قبل ائتلاف إدارة الدولة لا سيما الإطار التنسيقي في حل كل الإشكاليات العالقة بين الجانبين".
ويستدرك "نعم هناك مشاكل ما بين المركز والإقليم لكن هذا لا يعني أن المشكلة ليس لها حل، فلا بد على الجميع أن يكثروا من هذه اللقاءات وأن تكون بشكل مباشر وليس عبر وسطاء وتصريحات من هذا الطرف أو ذاك".
ويختم الركابي بالقول ان "الإقليم له استحقاقات وعليه واجبات، وكذلك للحكومة الاتحادية واجبات وعليها استحقاقات يجب أن تقدمها للإقليم ولبقية المحافظات لأنهم عراقيون جميعا سواء في المحافظات أو الإقليم".
ويوم أمس الأحد، كشف المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في بيان، عن فحوى اجتماع قادة الإطار التنسيقي بحضور بارزاني، والذي تناول عددا من القضايا الوطنية والأوضاع العامة، وسير تنفيذ البرنامج الحكومي، والتقدم الحاصل في تعزيز جوانب العمل المشترك بين الحكومة الاتحادية والإقليم، والخطوات المنجزة في سبيل حل الملفات المشتركة بين بغداد وأربيل بما يترجم إلى استدامة عوامل الاستقرار المعاشي والاقتصادي لمواطني محافظات الإقليم، إضافة إلى دعم خطوات الحكومة في بناء البنى التحتية وتحقيق الإصلاح الاقتصادي، وتأكيد الحفاظ على المال العام.
كما التقى بارزاني برئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، وتناول اللقاء الأوضاع العامة في البلاد وتطوراتها، لا سيما العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، حيث عبّر رئيس الجمهورية عن أهمية ما تمّ التوصل إليه من حل مناسب لرواتب موظفي إقليم كردستان.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟