- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
توقيتات الدوام الجديد ومتلازمة التمن والمرق
بقلم: علي الشرع
سيحل علينا عيد الفطر ويحمل معه هاجس تطبيق توقيتات الدوام الجديد بعد عطلة العيد الذي يستهدف حل مشكلة واحدة وهي مشكلة الزحام المروري التي هي مشكلة آنية (محددة بوقت الصباح دع عنك زحام المساء) وهي مشكلة لا تؤثر لا على الإنتاج ولا على الإنتاجية ولا على رفاهية المواطن مقابل مشاكل متعددة (اجتماعية ونفسية) سيولدها توقيتات الدوام الجديد مع نتائج اقتصادية سلبية وخيمة ستنجم عن تطبيقه حيث سيزيد من وضع أداء القطاع العام المترهل سوءاً ويغطسه في الحضيض.
ولنأخذ التوقيت الخاص بالتعليم العالي مثالاً على ذلك باعتباره نموذجاً صارخاً للضرر الكبير الذي يلحق به كون التعليم العالي يتأخر دوامه ساعتين عن بداية التوقيت العادي ويتأخر ساعتين عن نهايته فيبدأ من الساعة 10 صباحاً وينتهي عند الساعة 4 مساءً.
والمشكلة التي غابت من ذهن متخذي هذا القرار هو أن هناك دوام مسائي يدر اموالاً ضخمة لصناديق التعليم العالي (للكليات والجامعات) سيبدأ متأخراً وقسم من هؤلاء الطلبة هم موظفون، وإن لم يكونوا موظفين فأن تأخير الدوام بعد الساعة الرابعة مساء سيؤدي الى انخفاض المستوى العلمي المتدني أصلا للطلبة وسيكون وقعه على الاناث اكبر من الذكور حيث سيدفعهم هذا الى الانسحاب من الدراسة مما يفوت الفرصة ليس في خسارة الأموال التي تدفع لصناديق التعليم بل على الاناث انفسهن وما قد يجر ذلك من عواقب على حرمانهن من الحصول على تعليم عالي يمكن ان يرفع من مستواهن الثقافي ويحسن وضعهن المالي ويزيد من فرص حصولهن على عمل.
واذا خطر ببال من اقترح هذا القرار ان تطبيق مثل هكذا دوام سيساعد الموظفات بطبخ المرق والتمن واعداد الغداء قبل خروجهن من المنزل في الصباح (قبل الساعة العاشرة) في حين لم تكن هذه الفرصة متاحة لهن قبل اصدار وتنفيذ مثل هكذا قرار فهن كن يخرجن مبكراً من البيت (الساعة السادسة او السابعة حسب بعد المسافة)، ولهذا كن يعتمدن على الطعام المعد قبل ليلة (البايت) يقدمنه لازواجهن والعائلة، الامر الذي كان يسبب مشاكل للعوائل فيكثر الطلاق وتتشتت الاسرة ويزيد من عدد الأطفال المتسربين من المدارس والمنتحرين والمتعاطين للمخدرات.
فاذا كان هذا هو هدف القرار فقد أصاب وجاء في محله وسيتم إعادة لم شمل الاسر وتنتهي المعاناة وستقل نسب تعاطي المخدرات في المجتمع وسيتناول الزوج طعاما حاراً او على الأقل (مو بايت) وسيشعر الجميع بالسعادة وسيرتفع مؤشر السعادة في مجتمعنا التعبان.
ولكن ألم يفكر متخذ القرار للحظة واحدة ان فوائد مثل هكذا قرار هي اقل بكثير من منافعه بل ليس له سوى منفعة واحدة فقط وهي تقليل الزحام في الشارع اما احد اهم مساوئه فهو الملل الذي سيصيب الموظفين الناجم عن تمديد الدوام بهذا الشكل الغريب حيت لا ينتفعون من التأخير في ابتداء الدوام وسيتضررون من تمديد نهاية الدوام ساعتين وهو ما يحرمهم من التفاعل الاجتماعي الذي سيعيد لهم النشاط والقوة عندما يبدأ الدوام في يوم جديد، وهذا الملل سيقودهم الى التذمر وهبوط انتاجيتهم الهابطة اصلاً وسيحدث التشنج مع الإدارات وسيكثر طلب الاجازات ويزداد التسرب من العمل فنكون خلقنا وضعا مزرياً لا يمكن معالجته بسهولة حيث سيؤثر ذلك من دون شك على تغيير نمط سلوك الموظف باتجاهات غير مرغوبة.
وكان الاسهل لحل مشكلة الزحام لو تمت العودة الى تطبيق نظام الزوجي والفردي للسيارات فلا ضرر فيه الا على شريحة واحدة وليوم واحد فقط وهم أصحاب المركبات (اترك جانبا التلوث والضجيج والتأخير عن الدوام فهي حجج واهية لا قيمة لها فما تطلقه المولدات من التلوث اكبر مما تطلقه عوادم المركبات العالقة في الزحام، كما انه ليس كل الموظفين معرضين للتأخير) اما الضرر الذي يلحق بالتعليم فيشمل شرائح متعددة فيه من التدريسيين الى الموظفين والطلبة انفسهم بل ونوعية التعليم وهو المهم.
ان التراجع عن تطبيق هذا القرار سيكون حكيماً ويقف الى جانب مصلحة الوطن والمواطن لما بيناه من اضرار ستقع على المجتمع ومستقبله، ويمكن تلمسها من دون الحاجة الى التجريب وتقييم هذه التجربة الا اللهم في حالة واحدة قد تكون نافعة وهي خفية ولا يفطن لها احد وقد تكون مفيدة وهي ان الجلوس المتأخر من النوم سيكون مفيدأ للعازبات من النساء اللواتي مضى على تعيينهن في مؤسسات القطاع مثلاً اكثر من 12 سنة وذبلت وجوهن وصار شاحباً من الجلوس المبكر فيحاولن معالجته وإخفاء شحوبه من خلال استخدام مساحيق التجميل -المكياج- (المتزوجات يفعلن ذلك أيضا ذلك، فقد اصحبت ظاهرة منتشرة وصلت لجميع اعمار البنات حتى في المرحلة المتوسطة بسبب المحاكاة) لكن إن حدث وقررن الزواج عندما تتاح لهن الفرصة المناسبة بالاقتران برجل مناسب فهن سيقعن أيضا وينقعن في متلازمة التمن والمرق وستخرب حياتهن الجديدة بسبب توقيتات الدوام الجديد.
لقد كان من الاجدر بالحكومة ان تستطلع اراء العاملين في المؤسسات العامة قبل الاقدام على تبني مثل هكذا قرار: ضرره يفوق نفعه.
فحكومة الخدمات لا تهتم بالخدمات وتنسى المواطن نفسه والالام والاذى الذي يسببه مثل هكذا توقيت غريب للدوام، فهو وإن نجح في بلاد أخرى فلا ينجح عندنا بسبب اختلاف العادات والارث المؤلم من القهر الذي سببه النظام السابق الذي جعل المواطن يكره القيود غير الضرورية مثل توقيت الدوام هذا ويجعله ينفر من الحكومة والامتثال لقراراتها في المستقبل وسيقل دعمه لها وسيضعف دفاعه عن النظام السياسي، وسيضع النظام السياسي الحالي مع النظام السابق في سلة واحدة.
ان الجميع ينتظر بل يتوقع من الحكومة إعادة النظر بتطبيق هذا القرار بل الغاؤه، وهو الصحيح.
أقرأ ايضاً
- الموظف بين تغيير أوقات الدوام واستيراد ٢١٢٢ تاهو
- الشرق الأوسط الجديد
- أزمة ساعات الدوام والشهادات المزدوجة وتأثيرها على جودة التعليم