لم تشهد الدولة العراقية منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي تعددية سياسية كما هو الحال بعد أول انتخابات تشريعية في عام 2005، فبالإضافة إلى الأحزاب المخضرمة التي كانت تشكل جبهة المعارضة للنظام السابق، والتي لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، تم تشكيل عشرات الأحزاب والحركات السياسية، إلى جانب انقسام معظم الأحزاب السابقة، وفيما تراجعت واندثرت أحزاب، ظلت أحزاب أخرى فاعلة في الساحة السياسية، الأمر الذي اعتبر دليلا على حيوية العملية الديمقراطية في البلاد.
ويقول الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، إن "من أسس الديمقراطية وجود التعددية السياسية والحزبية، والعراق ما بعد سنة 2003 شهد تأسيس مئات الأحزاب، وبعضها أصبح فاعلا بالعملية السياسية والبعض الآخر لا وجود له فقط أسماء وعناوين ليس إلا".
ويضيف الشريفي، أن "المشكلة ليست بكثرة الأحزاب السياسية، بل في وجود قانون حقيقي ينظم عمل هذه الأحزاب، ويراقب عملها، خاصة قضية التمويل المالي والتخابر الأجنبي، فقانون الأحزاب ما زال حبرا على ورق ولم يطبق بشكل صحيح، رغم أن هناك عشرات الأحزاب لا يعرف من أين تمول نفسها".
ويشير إلى أن "الحديث عن معارضة كثرة الأحزاب، يبين أن هناك رغبة سياسية بحصر العمل السياسي والحكومي وحتى البرلماني بأطراف سياسية محددة متنفذة، ولذا لا يريد البعض مشاهدة التعددية الحزبية، لأنها قد تكون سببا للمنافسة الحقيقية مع القوى التقليدية".
وكان رئيس تحالف الحكمة الوطني عمار الحكيم، قد قال يوم السبت (15 آذار 2024)، في بيان، إن "وجود أكثر من 180 حزبا سياسيا في العراق حالة غير صحية، ويجب دمج بعضها ببعض فهذه حالة غير صحية"، مضيفا في الوقت نفسه أنه "يجب احترام الخصوصيات وحرية التعبير، شرط أن لا تؤدي إلى كسر الآخرين والتنكيل بهم".
وتجدر الإشارة إلى أن تيار الحكمة انبثق من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، والذي تأسس مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في طهران، وكان له جناح عسكري تحت اسم "فيلق بدر" بقيادة هادي العامري، قبل أن يتحول اسمها إلى منظمة بدر وانضمام العامري قبيل انتخابات 2010 إلى ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وفي تموز 2017 أعلن عمار الحكيم، انشقاقه مع المجلس الأعلى وتأسيس تيار الحكمة الوطني.
بدوره، يرى المحلل السياسي محمد علي الحكيم، أن "كثرة الأحزاب السياسية في العراق سببه القوى السياسية المتنفذة التي عملت على تأسيس قوى ناشئة رديفة لها، وهذه القوى بالتأكيد تعمل على تشتيت أي أصوات تريد منافسة حقيقية لهذه القوى التقليدية في أي انتخابات تجري".
ويبين أن "نسبة كبيرة تقدر بـ70 بالمئة من الأحزاب الناشئة والجديدة هي واجهات لجهات وشخصيات سياسية متنفذة، وهذا الأمر أصبح مكشوفا لدى الجميع، ولهذا نرى أن هناك تزايدا كبيرا في أعداد الأحزاب المسجلة بشكل رسمي لدى دائرة الأحزاب، وأكيد هذه الأحزاب لها أجندات تنفذها لصالح تلك القوى والشخصيات الداعمة لها".
ويتابع الحكيم، أن "تعدد الأحزاب أمر طبيعي، إذا ما كان هناك عمل سياسي حقيقي وفق أجواء ديمقراطية، لكن عمل تلك الأحزاب يجب أن يكون وفق قانون الأحزاب المعطل لأسباب سياسية، فتفعيل هذا القانون بشكل حقيقي، قد يوقف عمل أكثر من 60 بالمئة من الأحزاب، خاصة تلك التي لها أجنحة مسلحة والأحزاب التي تتلقى تمويلا خارجيا".
يشار إلى أن العديد من الأحزاب السياسية التقليدية، انقسمت إلى كيانات عدة، بعضها بسبب خلافات داخلية وأخرى تم تشكيلها من الأحزاب الرئيسة بعد أن بدأت نسبة إقبال المقترعين على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بالتراجع خلال السنوات الأخيرة، في محاولة من الأحزاب لتقديم واجهات بديلة لها.
من جانبه، يؤكد رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن "تعدد الأحزاب والتوجهات السياسية أمر طبيعي وحالة صحية، في كل البلدان الديمقراطية، لكن أكيد كثرة تلك الأحزاب بصورة غير طبيعية كحال العراق له تأثيرات سلبية على واقع العمل السياسي".
ويوضح فيصل، أن "تأسيس الحزب في العراق أصبح مع شديد الأسف كحال أي مشروع تجاري مربح، فهناك شخصيات أسست أحزابا بهدف كسب الدعم المالي سواء من جهات داخلية أو خارجية مختلفة، ولهذا نجد هناك فعلا كثرة بشكل غير طبيعي بعدد الأحزاب السياسية، والتي أصبحت تشتت حتى الناخب في أي انتخابات تجري لكثرتها".
ويلفت إلى أنه "لا يخفى على أحد أن أغلب الأحزاب السياسية الجديدة، هي واجهات سياسية لقوى تقليدية عملت على تأسيسها بهدف أن تقوم ببعض الأعمال والأنشطة التي لا تريد تلك القوى القيام بها بعناوينها الرئيسية والمعروفة، منها مهاجمة بعض الخصوم وغيرها، لكن يبقى الحل الوحيد لضبط عمل الأحزاب هو تفعيل القانون الخاص، بها خصوصا أن هناك فقرات إذا ما طبقت فإن عشرات الأحزاب ستسحب منها الموافقات لممارسة النشاطات السياسية كونها تفتقر للكثير من الشروط وأساسيات العمل الحزبي".
يذكر أن مجلس النواب أقر قانون الأحزاب في العام 2015، وهو أول قانون في العراق بعد 2003، وجرت محاولات من بعض القوى السياسية لتعديله فيما بعد، لكنها فشلت.
وتضمن قانون الأحزاب مواد خاصة بالتمويل، أبرزها: تشتمل مصادر تمويل الحزب على اشتراكات أعضائه، والتبرعات والمنح الداخلية، وعوائد استثمار أمواله وفقا لهذا القانون، والإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة بموجب المعايير الواردة في هذا القانون، وللحزب الحق في امتلاك العقارات لاتخاذ مقر له أو مراكز لفروعه، ويتم تثبيت مبالغ اشتراكات أعضاء الحزب السياسي وتوزيعها واستخدامها بما يتفق مع النظام الداخلي وأحكام هذا القانون، ولا يتحدد الدخل الكلي المستحصل من اشتراكات أعضاء الحزب السياسي بسقف معين، وعند استلام التبرع يتم التحقق من هوية المتبرع وتسجل في سجل التبرعات الخاص بالحزب، ويتم نشر قائمة أسماء المتبرعين في جريدة الحزب، ويمنع التبرع للحزب بالسلع المادية أو المبالغ النقدية المعدة أصلا لكسب منفعة غير مشروعة للحزب أو للمتبرع، ولا يجوز للحزب السياسي أن يتسلم التبرعات من المؤسسات والشركات العامة الممولة ذاتياً، أو من الشركات التجارية والمصرفية التي يكون جزء من رأسمالها من الدولة، وتمنع كل التبرعات المرسلة من أشخاص أو دول أو تنظيمات أجنبية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- بينهم عروس تستعد ليوم زفافها :قصف وحشي في بعلبك يخلف (19) شهيدا منهم (14) طفلا وأمرأة
- تقرير دولي: عوائل ايزيدية ما تزال بحاجة لبرامج دعم في مناطقهم