أثارت قرارات المحكمة الاتحادية العليا الأخيرة الخاصة بانتخابات إقليم كردستان العراق وتوطين رواتب موظفي الإقليم مواقف متباينة في الأوساط الكردية الرسمية والسياسية والشعبية.
فالاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني يؤيد ما جاء في القرارات مع التحفظ على بعض الأمور، بينما يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني القرارات بأنها سياسية هدفها تقويض دور الإقليم وصلاحياته المنصوص عليها في الدستور.
أما على المستوى الشعبي فيأمل الشارع الكردستاني أن تسهم فقرة توطين رواتب موظفيه في المصارف العراقية الاتحادية في إنهاء مشكلة تأخر صرف رواتب ومستحقات موظفي الإقليم التي أرهقت شريحة الموظفين وأثرت سلبا على الوضع الاقتصادي طيلة السنوات الـ 5 الماضية.
أما حكومة إقليم كردستان فما تزال تلتزم الصمت تجاه قرارات المحكمة الاتحادية، في محاولة لتجنب التصعيد مع بغداد في المرحلة المقبلة، خاصة وأنها باتت تدرك أنها آلان في مواجهة نص قانوني لا يمكن الطعن به أو نقضه.
وعلى عكس العادة، أصدرت المحكمة الاتحادية خلال العامين الماضيين جملة قرارات بشأن ملفات النفط والانتخابات ورواتب إقليم كردستان، فضلا عن إبعاد محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب، الأمر الذي وصفه سياسيون ومراقبون بأنه تدخلا سياسيا من قبل أعلى سلطة قضائية في البلاد.
تفاصيل قرارات المحكمة الاتحادية
وأصدرت المحكمة الاتحادية العراقية العليا أمس الأربعاء عدة قرارات بشأن قانون انتخابات إقليم كردستان، تضمنت ما يلي:
1 - تتولى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق مسؤولية إجراء الجولة السادسة من الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان والإشراف عليها بدلاً من مفوضية إقليم كردستان للاستفتاء والانتخابات.
2 - بالنسبة للجولة السادسة لانتخابات برلمان كردستان يتم تقسيم إقليم كردستان إلى 4 دوائر انتخابية.
3 - إلغاء عدد مقاعد الكوتا الـ 11 مقعداً، واعتبارها غير دستورية. وبناءً على ذلك، يصبح العدد الإجمالي لمقاعد برلمان كردستان 100 مقعد بدلاً عن 111 مقعداً.
كما أصدرت المحكمة الاتحادية وفي ذات الجلسة عدة قرارات بشأن توطين رواتب موظفي إقليم كردستان، وتضمنت مايلي:
1 - وفقاً للمادتين 116 و117 من الدستور العراقي، يجب أن تكون هناك عدالة في توزيع دخل الثروة العامة، ولا يجوز إلحاق الظلم بأي أحد.
2- يجب على حكومتي العراق وإقليم كردستان العمل على ضمان توزيع رواتب موظفي حكومة إقليم كردستان في الوقت المحدد.
3- يجب على حكومتي العراق وإقليم كردستان الالتزام بقانون الموازنة العامة الاتحادية لدفع المستحقات المالية ورواتب موظفي حكومة إقليم كردستان.
4- يجب على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تحمل مسؤولية دفع رواتب موظفي حكومة إقليم كردستان وحل المشاكل والصراعات بين الحكومتين (العراق وإقليم كردستان)، والتأكد من دفع رواتب موظفي حكومة إقليم كردستان.
5- يجب أن تلتزم الحكومة العراقية بدفع رواتب موظفي حكومة إقليم كردستان وعدم منح قروض لحكومة الإقليم لتوزيع رواتب موظفيها.
6 - إلزام رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني بتوطين رواتب جميع موظفي الجهات الحكومية في المركز والإقليم في المصارف الاتحادية خارج إقليم كردستان.
7 - إلزام مجلس وزراء الإقليم تسليم جميع الايرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية.
لماذا تلغى الكوتا في كردستان فقط؟
عضو مجلس النواب العراقي السابق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني أشواق الجاف أكدت القرارات الصادرة من المحكمة الاتحادية تشكل ضربة للعملية الديمقراطية في إقليم كردستان.
وقالت الجاف في تصريحات صحفية، إن "البت في مقاعد المكونات يقع ضمن صلاحيات برلمان إقليم كردستان، وليس ضمن صلاحيات المحكمة الاتحادية"، وأشارت إلى أن "القرار الذي صدر عن المحكمة الاتحادية يرسل إشارات سلبية بشأن مجمل العملية الديمقراطية في العراق".
وأضافت، أنه "بحسب قرار المحكمة الاتحادية فإنه لن يكون هناك ممثلون للمكونات في برلمان إقليم كردستان، وهذا يُعد ظلماً ارتُكب بحقهم"، مؤكدةً أن "المشاكل ستتفاقم وتزداد تعقيداً"، حسب تعبيرها.
وتساءلت الجاف: "لماذا يُعد جائزاً وجود مقاعد للمكونات في مجلس النواب العراقي، واحتِسابها مقاعد دستورية، في حين أن وجود مقاعد للمكونات في برلمان إقليم كردستان اعتُبر أمراً غير دستوريا؟!
وأوضحت أن "معظم السياسيين العراقيين تدريجياً زادوا من ضغوطاتهم على إقليم كردستان بهدف تقويض كيانه"، مشددةً على "أنهم الآن يحاولون عبر المحكمة الاتحادية إضعاف كيان إقليم كردستان".
رؤية الاتحاد الوطني
من جهته يرى القيادي في حزب الاتحاد الوطني غياث السورجي، أن حزبه يرحب بثلاث فقرات من حكم المحكمة الاتحادية الخاص بشأن قانون الانتخابات في الإقليم والذي كان استجابة لشكوى سابقة تقدم بها، لكنه يستغرب قيام المحكمة بإلغاء كوتا الأقليات التي كانت قائمة في الانتخابات السابقة.
وقال السورجي أنه "لا يعرف بالتحديد كيف سيعالج الحكم الجديد قضية كوتا الأقليات"، مبينا أن "تقسيم الإقليم أربع مناطق مسألة جيدة"، موضحا بأن "الاتحاد كان يأمل بأن يصار إلى تقسيم كوتا الأقليات مناطق متعددة أيضاً للحيلولة دون استئثار طرف سياسي واحد فيها".
موقف الأقليات
أما الأقليات الموجودة في كردستان والتي تعرف بقربها من الحزب الديمقراطي فرأت في قرار المحكمة الاتحادية بشأن إلغاء مقاعد الكوتا الخاصة بها بأنه قرار سياسي لصالح الاتحاد الوطني الكردستاني.
وقال رئيس حزب التنمية التركماني محمد إليخاني إن "القرار الصادر من المحكمة الاتحادية اليوم لم يكن إلا قراراً سياسياً لمصلحة حزبٍ سياسي معيّن، والذي تراجعت أصواته خلال الانتخابات السابقة".
وأشار إلى أن "أحزاب ممثلة للمكونات (التركمان، الكلدان، الآشوريين، السريان، الأرمن) في كردستان، تطالب بعدم قبول هذا الظلم".
بدورها، قالت نائبة رئيس حزب الإصلاح التركماني منى قهوجي: "أننا نؤمن بالتعايش السلمي والعملية الديمقراطية، وقرار المحكمة الاتحادية يعتبر ضرباً للعملية الديمقراطية، فضلاً عن أنه يتنافى مع الدستور العراقي"، حسب وصفها.
بينما وصف ممثل المكونات آنو جوهر، قرار المحكمة بأنه "انقلابا على الدستور، وأنه أحدث ظلما بحق المكونات في إقليم كردستان".
استهداف سياسي للإقليم
في الأثناء يرى الإعلامي والمحلل السياسي محمد زنكة أن قرار المحكمة الاتحادية يعتبر مخالفة دستورية وأن الغرض منه سياسي، فضلا عن أن المحكمة بهذا القرار تدخلت بصلاحيات ليس من اختصاصها.
وقال زنكنة، إن "المحكمة تدخلت بموضوع الصلاحيات التشريعية لمجلس النواب العراقي وبرلمان إقليم كردستان"، معتبرا قرارها بمثابة تشريع قانوني يشرع في البرلمان بينما حلت المحكمة الاتحادية محل السلطة التشريعية في تشريع هذا القانون.
وبشأن ملف الرواتب، أكد زنكنة أن "قرار توطين الرواتب يعد قرارا سياسيا"، قائلاً: إن "المحكمة الاتحادية نسيت أن قطع رواتب موظفي الإقليم كان طيلة الفترة الماضية يمارس من قبل حكومة المركز وليس حكومة الإقليم".
وأضاف: أن "قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة تعد تدخلا بصغائر الأمور"، مبينا أنها "لن تطبق على اعتبار أن بغداد لن ترسل مستحقات ورواتب موظفين الإقليم لاحقا".
وأشار زنكنة إلى أن "قرارات المحكمة الاتحادية تبدو وكأنها كتبت بأيادي إيرانية وليست عراقية، فهي تركز على استهداف إقليم كردستان، في وقت يشهد البيت الشيعي خلافات قوية بشأن الحكومات المحلية من جهة، فضلا عن التصعيد في المنطقة والتهديدات الأمريكية للفصائل المسلحة وإيران من خلفها"، مبينا أن "إيران وحلفائها يحاولون إبعاد الضوء عن هذه الأمور عبر استهداف إقليم كردستان تارة والعرب السنة تارة أخرى"، حسب وصفه.
قرارات قانونية ودستورية
أما الخبير القانوني مصدق عادل فيرى أن ما صدر عن المحكمة الاتحادية العليا بشأن انتخابات إقليم كردستان ورواتب الموظفين فيه يأتي ضمن صلاحياتها واختلاصاتها ولا يخالف الدستور كما يرى البعض.
وقال عادل أن "صلاحيات المحكمة واختصاصاتها وردت في المادة 93 وهي الرقابة على دستورية القوانين والفصل في المنازعات الناشئة عن تطبيق القوانين الاتحادية، وبذلك فان ما صدر عنه دستوري وقانوني"، لكنه تحفظ على قرار واحد من قرارات المحكمة وهو تقليص عدد نواب إقليم كردستان إلى 100.
وأشار إلى أن "تقليص عدد النواب وإلغاء مقاعد الكوتا في برلمان كردستان هو ليس من صلاحيات المحكمة الاتحادية بل من صلاحية واختصاص مجلس النواب وبرلمان إقليم كردستان".
المصدر: شبكة الساعة
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟