يبدو أن احتفال المحافظين الفائزين بأعلى الأصوات في محافظاتهم لن يدوم طويلا، إذ يكشف مقرب من الإطار التنسيقي عن نوايا لـ"تجريف" المحافظين، أو تكبيلهم باتفاقات واشتراطات وتقاسم إدارة، لافتا إلى أن المحافظين الفائزين يحتاجون تصويتا برلمانيا للبقاء في مناصبهم، وهو المكان الذي سوف ينصب فيه الإطار كمينا لهم، كونه يملك الأغلبية هناك.
غير أن مراقبين للشأن السياسي، يصفون تغيير الإطار التنسيقي للمحافظين الفائزين بـ"الانقلاب على نتائج الانتخابات"، فيما رجحوا الإبقاء عليهم، بسبب ما يملك هؤلاء المحافظون من رصيد شعبي وقدرة على تشكيل معارضة قوية تعطل الخدمات في المحافظات.
وفاز الإطار التنسيقي بأغلبية مقاعد محافظات الوسط والجنوب، وتمثل قائمة نبني بزعامة هادي العامري (منظمة بدر) وقيس الخزعلي (عصائب أهل الحق) أبرز تحالف من قوى الإطار فائز في هذه المحافظات، يليها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
لكن ثلاث محافظات في الوسط والجنوب شهدت فوز قوائم تابعة للمحافظين، ففي البصرة حصل تحالف (تصميم) برئاسة المحافظ أسعد العيداني على المرتبة الأولى، وفي كربلاء حصل تحالف (إبداع كربلاء) برئاسة المحافظ نصيف الخطابي على المرتبة الأولى، وفي محافظة واسط حصدت قائمة "واسط أجمل" برئاسة المحافظ محمد جميل المياحي على أعلى الأصوات.
ويقول المحلل السياسي إياد العنبر، إن "الإطار التنسيقي إذا فكر بإقصاء عدد من المحافظين الذين فازوا بأغلبية في محافظاتهم، فيمكن أن تسجل خطوة إضافية باتجاه تسطيح فكرة الانتخابات والانقلاب على نتائجها".
ويعتقد العنبر، أن "هذه الخطوة صعبة على الإطار، فهو بلا شك لا يريد أن ينضم إلى خصومه ثلاث شخصيات قوية (محافظو البصرة وكربلاء وواسط) بالإضافة إلى التيار الصدري، ومن ثم يلام بعدم احترام نتائج الانتخابات وإرادة أبناء تلك المحافظات الذين صوتوا لصالح محافظيهم، وهذه الخطوة ربما يستثمرها المحافظون لصالحهم".
وبالنسبة لحظوظ المحافظين الثلاث في البقاء بمناصبهم، يجد أن "محافظ البصرة أكثر استرخاء بالنسبة لحجز مقعده، لكن محافظي وكربلاء وواسط يحتاجون إلى تحالفات لكي يضمنوا الأريحية لحجز مناصبهم، واعتقد أن مفاوضات ستجري في هذه الموضوع".
ولم يدخل هؤلاء المحافظون مع الإطار التنسيقي في الانتخابات على الرغم من أن مرجعياتهم الحزبية تعود لقوى الإطار، وعن ذلك يؤكد العنبر، أن "الإطار التنسيقي نفسه لم يدخل إلى الانتخابات بعنوان واحد، فقد دخل في تحالفات متعددة، وهؤلاء المحافظون لو دخلوا مع الإطار ستكون حظوظهم أقل، ولذلك خيارهم كان أدق بدخولهم منفردين".
وعن مدى نجاح فكرة وجود تحالف يضم هؤلاء المحافظين بمواجهة الإطار، يرى أنها "ستكون خطوة ممتازة، خاصة إذا كانت هناك قدرة على استثمار هذا الأصوات ليكونوا رقما صعبا في إداراتهم المحلية أو في انتخابات مجلس النواب المقبلة، وربما تكون هذه الفكرة مناورة سياسية فقط".
يذكر أن الإطار التنسيقي قرر خوض انتخابات مجالس المحافظات بكتل منفردة، على أن يبقى هيكل الإطار متماسكا ودون التأثير عليه، ورجح عند اتخاذه هذا القرار قبل أشهر، أن تعاود كتل الإطار الائتلاف مجددا بعد الانتخابات.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي حيدر الموسوي، إن "الإطار ذاهب باتجاه تغيير أغلبية المحافظين، لكن هذه العملية تخضع في النهاية للتفاوضات والتفاهمات، فالمحافظون الذين فازوا بالأغلبية ويفكرون في تجديد الولاية يجب أن يخضعوا لتفاوض مع الإطار التنسيقي".
ويتحدث الموسوي، عن "عقبة أخرى تقف أمام المحافظين للبقاء في مناصبهم وهو تصويت البرلمان، فالعيداني مثلا لديه الأغلبية ومن الممكن أن يجدد الولاية بسهولة دون تحالفات، ولكن من سيصوت لصالحه داخل البرلمان، فالقانون يتحدث عن شرط التصويت في مجلس النواب على المحافظين، والأغلبية البرلمانية هنا للإطار التنسيقي، فالكرة في النهاية بملعب الإطار التنسيقي في كل الحالات".
ويكشف المحلل السياسي، أن "رؤية الإطار مع تغيير جميع المحافظين، وربما يحتفظ محافظ واحد أو اثنين من هؤلاء بمناصبهم، وقد يكون محافظ كربلاء أو البصرة شريطة أن تتم بعض الاتفاقات مع الإطار في ما يخص إدارة بعض الدوائر والبلديات في المحافظة".
ولا يرى الموسوي "التفافا على الديمقراطية، في عملية تغيير المحافظين الفائزين"، لكنه يتوقع أن "شعبية هؤلاء المحافظين من الممكن أن تسبب بعض المشكلات، ولكن في النهاية إن كانت عملية إزاحة المحافظين الموجودين واستبدالهم بآخرين وفق طريقة قانونية، فهذه هي الديمقراطية وعلى الجميع أن يتقبل ذلك".
ويدعم الموسوي خيار "الإبقاء على محافظ أو اثنين، حتى لا يقال إن الإطار التنسيقي ذاهب باتجاه تجريف الجميع ويريد السيطرة على جميع الحكومات المحلية، وأرجح أن الإطار سيفعل ذلك، باستثناء محافظ واسط لأن هذا المنصب مطلوب من أغلبية قوى الإطار"، بحسب ما يكشف.
وأعلن الإطار التنسيقي، الأربعاء الماضي، عن تشكيل كتلة في جميع المحافظات للإسراع بتشكيل المجالس المحلية، قال إنها "لتقديم الخدمات استمراراً واستكمالا لجهود الحكومة الاتحادية التي تميزت بها طيلة السنة الماضية".
من جهته، يذكر المحلل السياسي ماهر جودة، أن "الإطار حصد أصواتا جديدة من المحطات المتبقية أضافت له مقاعد جديدة في بغداد والمحافظات، وهذا الموقف يجعله يهدد أي محافظ".
ويعتقد جودة، أن "محافظ كربلاء ربما سيبقى بمنصبه لأنه مقرب من دولة القانون، والعيداني الذي فاز بـ12 مقعدا بحاجة إلى أن يأتلف مع مقعد ليبقى، وهو قادر ويمتلك عصا المناورة، أما محافظ واسط فالواقع الحالي يفرض عليه الائتلافات"، لافتا إلى أن "هؤلاء المحافظين لو ذهبوا إلى الائتلافات سيكونون أسرى لها، وهذا ما يصعب عليهم تكرار تجربة النجاح في تقديم الخدمات".
ويضيف أن "المشكلة تكمن في أن اللعبة الديمقراطية لا تعتمد على الفائز دائما، ومن عيوبها أنها تعتمد نسبة النصف زائد واحد في تقرير الفائز، وهذا خلل في القانون والنظام الديمقراطي، فالصدريون مثلا كانوا الأكثر وهم الآن أبرز الخاسرين، وربما يخسر أي محافظ منصبه حتى لو جاء بأعلى الأصوات".
ويجد المحلل السياسي، أن "إبعاد المحافظين الفائزين ليس من صالح الإطار، لأن المناكفات ستشتد، وتصبح معارضة قوية داخل المحافظات، وهذه خسارة، لأن مجالس المحافظات مؤسسة خدمية وليست سياسية، والصراع فيها ينعكس على الخدمات ويجلب الويلات للمحافظة وخدماتها وبناها التحتية".
يشار إلى أن مفوضية الانتخابات، أعلنت أن العدد الكلي في التصويتين العام والخاص بلغ 6 ملايين و599 الفاً و668 ناخبا، فيما بلغت نسبة التصويت 41 بالمئة، محتسبة النسبة من عدد الذين حدثوا بياناتهم الانتخابية فقط، وهم 16 مليونا.
وجرت هذه الانتخابات بغياب التيار الصدري، حيث قرر زعيم التيار مقتدى الصدر بتاريخ 13 تشرين الثاني الماضي، مقاطعة الانتخابات على مستوى الترشيح والانتخاب، ما دفع أنصاره إلى شن حملة مقاطعة شاملة والترويج لها منذ أكثر من شهر.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- تحالف السوداني والصدر.. "جس نبض" أم تهديد لـ"الإطار"؟
- المالكي والسوداني و"الإطار".. خطوة أخرى نحو الانقسام
- الضبابية تحيط بموقف "الإطار" من انتخاب رئيس للبرلمان و"تقدم" يستسلم للتوافقات