- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
انتخابات مجالس المحافظات بين المقاطعة وشرعية عمل المفوضية
بقلم: بشائر موسى
من منظور المشاركة السياسية، تعد مقاطعة الانتخابات أحدى الوسائل المستخدمة من قبل مجموعة من الناخبين كاحتجاج سياسي لأسباب عدة منها أن المقاطعين يسعون للطعن في الشرعية السياسية للسلطة، أو أنهم يريدون أن تثبيت موقف ضد المنظومة الحاكمة التي تتبجح بشرعيتها الانتخابية، أو التشكيك بالعملية الانتخابية والطعن فيها من خلال الادعاء بوجود حالات تزوير قوية، وأن النظام المشرف على العملية الانتخابية متحيز لمرشح أو حزب معين. والحكومة التي تشرف على سير الانتخابات تفتقد الى الشرعية. ومن ثم قد تعد المقاطعة نوعاً من المشاركة السياسية السلبية.
يخوض العراق اليوم انتخابات جديدة، والتي تأجلت عن موعدها الدستوري أكثر من 10 سنوات، إذ جرت العادة في العراق ان تجري كل اربع سنوات انتخابات مجالس النواب ومجالس المحافظات والاقضية.
بالعودة الى الوراء 20 سنة تقريبا سنجد ان اول انتخابات مجالس محافظات جرت في عام 2005 مع انتخابات مجالس النواب والتصويت على الدستور. واستمر عمل هذه المجالس اربع سنوات حتى جرت الانتخابات الثانية في عام 2009 ومن ثم في عام 2013 جرت ثالث انتخابات لمجالس المحافظات وكانت هي الاخيرة.
كان من المقرر ان تجري انتخابات مجالس المحافظات في عام 2017 الا ان الوضع الامني الذي كان يعيشه البلد حينها جراء حرب داعش حال دون ذلك لذا تم تأجيلها حتى ايار مايو 2018، ثم تأجيلها مرة اخرى الى ايلول سبتمبر 2018 ومن ثم أرجأت الى تشرين الاول 2019 الا ان خروج المظاهرات وقتها حال دون ذلك ليتم ارجائها مرة اخرى الى نيسان ابريل 2020، الا ان المتظاهرين كان لهم رأي آخر.
وفي تشرين الأول عام 2019 خرج المتظاهرون في وسط العراق وجنوبه من جميع المحافظات معترضين على الحكومة ومطالبين بأسقاطها ومن بين المطالب التي رفعوها هو حل مجالس المحافظات والغائها لأنهم يرون انها حلقة زائدة تسبب هدرا بالمال العام وتكلف ميزانية الدولة اموالا طائلة ولن يجني المواطن من ورائها نفعا متهمين هذه المجالس بالفساد وعدم الكفاءة.
لكن القوى السياسية التي شكلت الحكومة بعد انتخابات 2021، ضمنت في المنهاج الوزاري لحكومتها انتخابات مجالس المحافظات، تحت ذريعة أن حل مجال المحافظات أو تجميد عملها ليس له نصا دستوريا. وبما أن الدستور العراقي يصنف ضمن الدساتير الجامدة، لذلك ليس من السهلة تعديل الدستور الذي ينص على وجود مجالس المحافظات. ويبدو أن هذه الذريعة هي محاولة من القوى السلطوية للهيمنة على المحافظات، ومن جهة أخرى كسر إرادة احتجاجات تشرين التي طالبت بإلغاء مجالس المحافظات.
لكن الحدث الأهم الذي يرافق إجراء هذه الانتخابات، هو مقاطعة التيار الصدري لها. إذ أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر موقف المقاطعة، وبذلك يكون الصدر قد انتقل من جبهة قوى السلطة إلى جبهة الطعن بشرعية عملها السياسي من خلال مقاطعة الانتخابات التي يحتج بأنها مصدر وصولهم إلى الحكم.
قرار الصدر بمقاطعة الانتخابات جاء بعد قراره الاول في يونيو حزيران 2022 والذي قرر على اثره الانسحاب من البرلمان بعد ان تصدرت قائمته المرتبة الاولى بين القوائم الفائزة حينها، الصدر اعلن الانسحاب وعدم مشاركته في اية انتخابات مقبلة.
بعد تغريدة الصدر بمقاطعة الانتخابات وجه تحسين الحميداوي المسؤول العام لسرايا السلام من خلال تدوينة له على مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرا الى تشكيلات السرايا بخصوص انتخابات مجالس المحافظات قال فيها "كما كان وسيبقى رأي القائد مقتدى الصدر فصل الخطاب في مسيرتنا الجهادية والاجتماعية وبعد جواب الصدر بخصوص انتخابات مجالس المحافظات وهنا اوجه كلامي لمن ينتمي لتشكيلات سرايا السلام المجاهدة وزج نفسه في هذه الانتخابات ان يتراجع عن ترشيحه خلال 15 يوما والا سيكون لنا رأي آخر".
موقف السيد مقتدى الصدر ومسؤول الفصيل التابع له القى بضلاله على الشارع فأعلنت قوى اخرى مختلفة مقاطعتها للانتخابات كانت تنتظر الكلمة الفصل لزعيم التيار الصدري، وهذا ما دفع الكثير من اتباعه الاخذ على عاتقهم بالتثقيف واحيانا استخدام اساليب للإجبار على المقاطعة وهذا ما ادى الى حصول بعض الاعمال التي تعرقل عمل الدعاية الانتخابية في بعض المحافظات.
دعوة الصدر هذه وحسب رأي المختصين سيضاعف من نسبة المقاطعين خاصة وانهم يعدونها اول تصريح للزعيم الصدر بعد تشكيل حكومة الاطار التنسيقي يكون واضحا وبهذه الدقة حيث قال "لن نشترك في حكومة وفي انتخابات تشرعن الفساد بشكل واضح ويشكر جمهوره على طاعتهم له".
لكن، ما زاد المشهد تعقيدا هو قرار المحكمة الاتحادية المفاجئ والذي لا رجعة فيه القاضي بعزل رئيس السلطة التشريعية في البلد محمد الحلبوسي من منصبه وإنهاء عضويته في البرلمان بسبب التزوير. القرار الذي كان من المتوقع ان تكون له تبعات سياسية خطيرة تقلب المسيرة المهنية لأبرز زعيم حزب سياسي، ويعد أقوى سياسي سني في العراق.
القرار ورغم كل ما شابه من طعون واعتراضات، حتى وإن كانت لا قيمة قانونية لها باعتبار أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة لجميع السلطات، إلا إنه كان على مجلس النواب ووفقا للمادة 55 من الدستور والتي تنص على "ينتخب مجلس النواب في اول جلسة له رئيسا ثم نائبا اول ونائبا ثانيا بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر".
ومن ثم، إن أي قرار يصوت عليه البرلمان قبل اختيار رئيسا له غير دستوري وهذا ما استند عليه المختصون اثناء تقديمهم الطعن بالقرار الذي صوت عليه مجلس النواب والقاضي بتمديد عمل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ستة اشهر من اجل إتمام انتخابات مجالس المحافظات وبعدها انتخابات برلمان اقليم كردستان.
إذاً، قرار التمديد الذي تم التصويت عليه في اول جلسة للبرلمان بعد قرار المحكمة اقالة الحلبوسي والتي كانت من المقرر وحسب القانون يجب ان تخصص لاختيار بديل للرئيس المعزول، ربما يكون مبرراً للطعن بشرعية إجراء الانتخابات، لأن قد يتم الطعن بقرار تمديد عمل المفوضية بسبب عدم قانونية الجلسة الثانية الخاصة بالتعديل الثاني لقانون مفوضية الانتخابات. ولذلك، قد يكون هذا الطعن، سواء أقرته المحكمة الاتحادية أو لم تقره، سيكون ورقة بيد قوى المقاطعة للاحتجاج بعدم شرعية الانتخابات.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- العملة الرقمية في ميزان الإعتبار المالي