يعد سوق الصفارين بصمة من بصمات تاريخ مدينة كربلاء المقدسة واشتهر اسطواته بصناعة مختلف انواع الاواني والتحفيات ومعدات الطبخ والاستحمام وتقديم الضيافة، ومضى على تأسيسه مئات السنين، وكان في المدينة سوقان كبيران يجهزان مختلف المحافظات والزائرين الاجانب، الا انه بدأ يتراجع ويلفظ انفاسه، وتحول الى محال لا تتعدى اصابع اليد مترامية بين مفاصل كربلاء القديمة.
وكان النحاس الذي يعود اكتشافه إلى عصور ما قبل التاريخ، أول معدن يستخدم في صنع الأدوات والأسلحة، ويعتقد أن النماذج الأولى تم صنعها في الكلدانية او الركن الجنوبي الشرقي من بلاد ما بين النهرين عام (4000) قبل الميلاد، اما اول واشهر سوق للصفارين في العراق فهو سوق الصفافير في بغداد الذي يعود تاريخه الى العهد العباسي الذي يقع في منطقة باب الاغا قرب المدرسة المستنصرية، وتذكر الروايات المنقولة انه شيد حينها لتوفير مختلف مستلزمات المعيشة للطلبة الدارسين في المدرسة واهالي بغداد، وانتشر منها الى مدن كثيرة وافتتحت فيها اسواق مشابه في مدن النجف وكربلاء وبابل والبصرة.
تاريخ واوني
ويتحدث كاظم سعيد الصفار (66 عاما) احد القلائل المتبقين من صفاري كربلاء في ممارسة هذه المهنة التي يمتد عمرها الى مئات السنين في كربلاء المقدسة لوكالة نون الخبرية بالقول" منذ صغر سني وانا اعرف ان سوق الصفارين في كربلاء المقدسة يقع في سوق هرج، او ما يسمى حاليا منطقة بين الحرمين، وسمي بسوق الصفارين لكثرة المحال المتخصصة بصنع الاواني والمعدات من مادة الصفر (النحاس) مثل الاواني والقدور والمقلاة (الطاوة) والصواني والاباريق ودلال القهوة واناء غسل اليدين (السلبجة)، واناء تسخين الماء (المصخنة) التي ينقل بها الماء من النهر والطشت المستعمل في الاستحمام وغسل الملابس، واوني صنع الشاي مثل الكتلي والقوري، بينما اصبحت الاواني منذ مدة طويلة تصنع من مادتي الستيل والفافون، وكان في السوق تقريبا (20) محلا للصفارين يديره عدد من الاسطوات ويساعدهم عمال ماهرين في صناعة تلك الاواني والمعدات، واصوات طرقهم على النحاس تسمع من مكان بعيد عن السوق".
تجهيز العرسان
ويشير الصفار كاظم الى ان " كل العرسان الجدد في محافظة كربلاء المقدسة وعدد من المحافظات سابقا يتم يتجهزون بكثير من الاواني من سوق الصفارين وهو جزء مما تعارف عليه بمسمى (جهاز العرس)، مثل الطشت والصينية والابريق واللكن والقدر ومواعين الصفر، حيث كانت تلك الاواني على درجة عالية من المتانة وتصنع من مادة الصفر النحاس الخالص، قبل دخول الواح النحاس التي تصل مساحتها الى (3,75) متر وتستورد من انكلترا، وتصنع منها القدور واهما المستخدمة في المواكب لصنع الطعام للزائرين او المعزين، ويستخدم في صناعة اواني ومعدات النحاس نوع واحد من النحاس، (البرنج)، ويقوم الصفارين بجمع قطع النحاس المستخدمة او القديمة واعادة صهرها في (كورة) خاصة في مدينة كربلاء المقدسة، ويجهز سوق الصفافير الكثير من اصحاب بيع الاواني والمعدات المصنوعة من النحاس في محافظات الفرات الاوسط والجنوب ".
موروث الآباء
يسرد الصفار حكاية والده مع مهنة الصفارين ويقول" ان والده من مواليد (1932) وتوفي عام في العام (1994) وقضى حوالي (50) عاما من عمره يعمل في سوق الصفارين بدأ عاملا واصبح من اشهر اسطوات المهنة، وتخرج الكثير من العمال الذين تعلموا اصول المهنة من تحت يده واصبحوا فيما بعد اسطوات يشار لهم بالبنان، ولوالدي وباقي الصفارين زبائن من خارج العراق من دول عربية واجنبية، ويقصدونهم لشراء التحفيات، اي يبحثون عن الصناعة اليدوية ويشترونها باي ثمن، وكانوا يركزون على شراء ابريق الشاي او الماء (الدولكة) ودلال القهوة والصواني والمواعين المنقوشة عليها رسوم او محفورة بها كلمات، وحاليا المهنة في مرحلة الاندثار حيث لم يبقى في كربلاء المقدسة الا محال لا تعد على عدد الاصابع، حيث بقي محلي ومحل سيد رياض حميد الصفار في السلالمة ومحل عباس في شارع السدرة، واصبحت هذه الصناعة قليلة جدا في العراق بينما تجدها موجودة في الدول المجاورة، ولم يتبقى في مدينة كربلاء الا سيد رياض الذي اصبح يصنع الاواني مثل القدر او الطاوة او الصينية حسب طلب الزبون، وكانت تلك المهنة تصنع الصداقات مع الكثير من الزبائن من خارج العراق، او من مختلف المحافظات ووصلت الى مراحل المصاهرة بين العائلات لكن الان انتهت هذه العلاقات".
سوق ثاني
في كربلاء المقدسة سوق آخر لمهنة الصفارين يقول عنه كاظم الصفار ان" هذا السوق قرب منطقة بين الحرمين هو الاول الذي يعود تاريخ افتتاحه الى ثلاثينيات القرن الماضي، اما السوق الثاني في كربلاء المقدسة فهو سوق الصفارين في شارع العباس (عليه السلام)، افتتح في ثمانينيات القرن الماضي ومساحته اكبر من السوق الاول ويصل عدد محاله (30) محلا باسطواته وعماله لان الكثير من العاملين في هذه المهنة يدخلونها في عمر صغير من (10 ــ 15) سنة، ويصبح بعدها عاملا ماهرا او اسطة، واغلب الاسطوات بامكانهم صناعة اي آنية او معدة الا انه تخصصوا في صناعة ادوات اخرى، مثل تخصص الاسطة السيد جمال الصفار بالابريق والكتلي الصفر الكبير الذي تحتاج صناعته الى عمل وجهد وخبرة عالية، بينما اختص الحاج عباس الهر بصناعة القدور الكبيرة، وتميز الاسطوات علي معيدي وثابت بصناعة الطشت والمصخنة، اما والدي عباس الصفار فتخصص بصناعة الطشت والقدور الكبيرة المستخدمة في طبخ الطعام في المواكب والهيئات اثناء موسم العزاء الحسيني".
موكب الصفارين
مثل باقي اصحاب المهن الكربلائيين تفرد موكب الصفارين بخدمته لزوار الحسين(عليه السلام) واحياء شعائره، ويبين تاريخ الموكب بقوله" ان الموكب تأسس في العام (1300) هجرية اي قبل (145) سنة، واسسه الحاج رجب الذي توفى قبل ولادتي، وكان كفيله حجي عزيز الهر وقبله والده حجي عباس الهر الخفاجي، ومقر هذا الموكب في سوق الهرج عند محال سوق الصفارين، ويقام مجلس عزاء يوميا في الايام العشرة الاولى من شهر محرم الحرام بعد انتهاء عمل الصفارين قبل العصر، ثم يقوم الموكب بالنزول الى شوارع المدينة القديمة ثم الدخول الى حرم ابي الفضل العباس (عليه السلام) واختتام الشعائر عند ضريح ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) الحرمين الشريفين في عزاء مهيب بعد صلاة العشاء، ورواديد الموكب هم عباس الصفار وحجي حسين الكواز وحمزة الزغير، وحاليا رادود الموكب حجي عباس فاضل الهر وانا كفيل الموكب".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ علي فتح الله
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- موزعين على (350) موقعا سكنيا:العتبة الحسينية تقدم (22) الف وجبة طعام يوميا للوافدين اللبنانيين في كربلاء المقدسة