اتهم خبراء اقتصاديون، البنك المركزي العراقي بالوقوع في "تخبط جديد"، بعد قرار مسرب يسمح للمصارف بتداول الدولار وفقا لأسعار السوق الموازي، بالإضافة إلى كشف القرار عن اعتراف ضمني بشح الدولار الذي سيزداد سوءا في المستقبل.
وقد عد الخبراء، خطوة البنك المركزي الجديدة، بأنها تراجع عن قراره السابق الذي لم يعترف فيه بالسوق الموازي، بل وصفه بـ"السوق السوداء"، في ظل اختلافهم حول أثر تلك الخطوة، فمنهم من وجدها سببا لرفع السعر بشكل سريع فيما رأى آخرون أن ذلك سيؤدي لخفضه.
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، إن "الدولار الذي تتسلمه المصارف من البنك المركزي هو بالسعر الرسمي (1310 دينار مقابل الدولار الواحد)، لكن يبدو أنه يعاني من مشكلة في سيولة الدولار، خاصة بعد إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي".
ويضيف حنتوش، أن "البنك المركزي يريد من المصارف أن تكون قادرة على التعامل مع السوق بشكل مباشر، لمعالجة شح السيولة الدولارية"، موضحا أن "القرار الأول من البنك المركزي كان يقضي باستيراد العملة، وهذا القرار ستكون تكلفته عالية، فهو يحتاج إلى نقل العملة وأرباحها، فتم إصدار هذا القرار".
وكان البنك المركزي، أصدر توجيها يوم الأربعاء الماضي، تضمن منح الحرية للمصارف ببيع وشراء الدولار حسب سعر العرض والطلب في السوق (السوداء)، باستثناء الدولار الذي تتحصله المصارف من البنك المركزي بسعر الدولة الرسمي.
ويتابع الخبير الاقتصادي، أن "هذا القرار يدل بوضوح على شح الدولار، الذي سوف يزداد مستقبلا بشكل أقوى في ظل غياب الحلول الحقيقية وعدم منع التهريب".
يذكر أن البنك المركزي، قرر في 8 من الشهر الحالي، السماح للمصارف العراقية باستيراد النقد الأجنبي من أجل توفير المرونة المطلوبة للمصارف العاملة في الـعـراق، على أن تكـون استخدامات المبالغ لإغراض تلبية طلبات الزبائن من الشركات والمنظمات والهيئات المسجلة أصـوليا والافراد العاملين لصالح شـركات أو مؤسسات أجنبية الذين تردهم حـوالات واردة من خارج العراق.
يشار إلى أن وكالة الأنباء الرسمية "واع"، نشرت منتصف الشهر الحالي، نقلا عن مصدر حكومي، إصدار الحكومة حزمة إجراءات لمعالجة الفارق في سعر الصرف، منها: تنظيم العملية الاستيرادية وضمان دخول أكبر عدد من التجار والمستوردين لنافذة بيع العملة الأجنبية وبدء مفاوضات بين الحكومة والبنك المركزي مع الجانب الإيراني لتنظيم التجارة بين البلدين، والعمل على مشروع (الصفقة المتكافئة) لتبادل التجارة والاستيرادات مع بعض الدول كالصين والهند، وبالعملات الخاصة بها.
وبعد هذه الحزمة، عقد السوداني آنذاك، اجتماعا مع مديري المصارف الحكومية، وفيه وجه بإعداد خطة تُقدم خلال شهر واحد، لتطوير عمل المصارف والانتقال من العمل الورقي إلى العمل "الممكنن"، والتعامل الإلكتروني لكل فعاليات المصارف وتوسيع خدمات الدفع الإلكتروني، وأكد أن مديري المصارف سيخضعون إلى تقييم الأداء في ضوء تطبيقهم الخطة ومقدار الإنجاز.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، أن "هناك تناقضا وقع فيه البنك المركزي في قراراته، فقد كانت قراراته السابقة تنصب حول إنهاء ظاهرة الدولرة، ومحاسبة من يتعامل بالدولار ويتداوله، واليوم يفتح البنك المركزي باب التعامل بالدولار على مصراعيه".
ويوضح التميمي، "في وقت سابق نفى البنك المركزي وجود ما يسمى بالسوق الموازي، واليوم يعترف بهذا السوق"، مبينا أن "الأمر لن يسبب ارتفاعا بسعر بالدولار، بل على العكس، فقد يؤدي إلى مزيد من الانخفاض".
ومنذ أيام، انخفض سعر صرف الدولار في السوق المحلية، لما دون الـ160 ألف دينار لكل 100 دولار، وذلك بعد القرارات التي صدرت من الحكومة.
وكان البنك المركزي العراقي اتفق مع الجانب الأمريكي، خلال اجتماع جرى في أبو ظبي بالإمارات مطلع الشهر الحالي، على تعزيز رصيد مسبق لخمسة مصارف عراقية بالدولار، حيث سيتم تعزيز رصيد هذه المصارف عن طريق مصرف جي بي مورغان الأمريكي، كما تم حل المشاكل المتعلقة بالحوالات المرفوضة، وتم الاتفاق بأن يكون رفض الحوالات مستندا لأسباب قوية، فضلا عن تعزيز بعض المصارف بعملة اليوان الصيني والروبية الهندية والدرهم الإماراتي لتمويل التجارة.
يذكر أن المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، علق اول امس الخميس، في تصريح صحفي، على تعميم البنك المركزي بخصوص تداول الدولار من خارج المنصة وفق العرض والطلب، إذ بين أن الأسر والأشخاص يكنزون مبالغ نقدية بالعملة الأجنبية خارج الجهاز المصرفي تقدر بمليارات الدولارات، وذلك يفاقم من تقلبات سعر الصرف تحت تأثير فخ السيولة بالعملة الأجنبية، وعليه فإن تحرير مناخ التعاطي بالعملة الأجنبية وإسباغه بالصفة البيضاء سيوفر مرونة عالية في العرض.
من جانبه، يبين الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، أن "قرار البنك المركزي، سيؤدي إلى ارتفاع سريع بسعر صرف الدولار، وهو باب جديد للفساد".
ويلفت الكناني، إلى أن "هذا القرار سيفتح أبواب المضاربة للمصارف، التي هي أساسا تعمل بالمضاربة، ليضاف هذا القرار إلى القرار السابق المتخبط أيضا، وهو تمويل المصارف بعملات الروبية الهندية والدرهم الإماراتي، فهذه كلها قرارات غير صائبة".
وكان محافظ البنك المركزي علي العلاق، أعلن في 24 أيلول الماضي، عن مضيّ البنك للاستغناء عن التحويلات الخارجية "السنة القادمة" واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي، فيما بين أن الحوالات عن طريق البنوك المراسلة بلغت 60 بالمئة من إجمالي الحوالات (خارج المنصة الإلكترونية الخاصة بالبنك المركزي)، وأكد العلاق أن ذلك جاء بعد اتفاق بين البنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي، أسوة بدول العالم، حيث لا تمارس البنوك المركزية أعمالاً تنفيذية، ويتركز دورها في الإشراف والرقابة.
يشار إلى مساعدة وزيرة الخزانة الأمريكية إلزابيث روزنبرغ، وصلت إلى بغداد في 13 أيلول الماضي، وعقدت اجتماعا مع محافظ البنك المركزي علي العلاق، وبحسب البيان الرسمي، فقد جرت متابعة مخرجات ونتائج الاجتماعات السابقة بين البنك المركزي العراقي من جهة، ووزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي من جهة اخرى، فضلاً عن إمكانية تقديم الدعم الفني في مجال تمويل التجارة الخارجية عبر القنوات المصرفية الرصينية بآلياتٍ تُمكّن تمويل التجارة الخارجية المشروعة، بعملات مختلفة منها اليورو، اليوان الصيني، والدرهم الإماراتي، وكذلك تنظيم حركة التجارة مع تركيا.
وعلى الرغم من الضوابط على المصارف، يتم تهريب العملة عبر حقائب تنقل براً إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، ويطلق عليها متخصصون بـ"الحوالات السود".
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- بينهم عروس تستعد ليوم زفافها :قصف وحشي في بعلبك يخلف (19) شهيدا منهم (14) طفلا وأمرأة