بقلم: ثامر الهيمص
(امنح الحكومات سلطة اكثر من اللازم تحصل على مزيد من سياسات الحماية والاكتفاء الذاتي. امنح الاسواق حرية اكثر من اللازم، تحصل على اقتصاد عالمي غير مستقر مع دعم اجتماعي وسياسي اقل ممن يفترض بهم تقديم المساعدة).
(لا يمكننا الحصول على عولمة مفرطة وديمقراطية وقرار وطني في الوقت نفسه. لكن يمكننا على الاكثر الحصول على اثنين من هذه الثلاثة. اذا اردنا عولمة مفرطة وديمقراطية, فعلينا ان ننسى امر الدولة الوطنية. واذا اردنا الجمع بين الديمقراطية والدولة الوطنية المستقلة, فلنقل وداعا للعولمة المفرطة. فالعولمة تنطوي على تضارب عميق بين التركيز الوطني لدى الحكومات والطبيعة العالمية للتجارة والمال. (توم باتلر – بايدون /الاقتصاد / خلاصة اعظم الكتب / ص264/ 2020).
بهذا الاطار الوطني العام على مختلف الاصعدة, وفي ضوء تجربة عشرين عاما من العولمة المفرطة المشوهه, ينبغي ادراك هذا المخاطر مبكرا, اذ كان الحصاد مرا على الاقل. فالمعلوم كانت البصمة العولمية واضحة دستوريا, التي كانت ولا زالت سببا للانفلات في الاطارات المتمأسسه في الوزارات كافة.
واخيرا قدم السيد رئيس الوزراء بتوجيهاته الى السفراء العراقيين ليوم 9 /تشرين الثاني بما يتعلق بسعي الحكومة وبشكل جاد لاسترداد المحكومين بتهم الفساد وامواله المنهوبة.
فعلى الصعيد الدبلوماسي ان من الاسباب الاساسيه بعدم تقديم العراق بطلب الانظمام للبريكس, هو الجانب الدبلوماسي’ الذي لا يقارن بدبلوماسية ايران او مصر او السعودية الدول التي ستأخذ مقعدها العام القادم, بأي حال من الاحوال نظرا لعوامل كثيرة نفتقر لها مؤسساتيا على الاقل, كونها جزء مكمل لباقي المؤسسات’ تشكل هذه المؤسسات من المفترض الارضية الصلبة لمدماك الدبلوماسية.
ولكن الاداء المؤسساتي تشوهه عادة انحرافات لتصبح الان انها مجرد استثناء من خلال تجاوزها على القاعدة’ اذ باتت هذه الانحرافات تعالج بانحرافات. وهنا الخطر, مثلا معالجة ازمة الدولار ورديفه الموازي تعالج باستيراد الدولار. وتعالج ازمة الرعاية بتوسيعها لتشمل المطلقات ليتم الالتفاف عليها بالطلاق الرسمي ولايزال الشرعي قائما طمعا براتب الزوجة المطلقة رسميا والزوجة شرعيا, مما يعني اولا مثلا ان المشرع لم يخرج من اطره التقليدية رغم حداثة التجربة العراقية في اقامة دولة الرعايه على الطريقة الاوربية. كما انه لم تكن تمثل امامه فساد الادارات التي تحتاج لمعالجة وصيانه’ طالما كانت تعتمد صحة الصدور ومأربها رغم الغائها رسميا والى الان مثلا ناهيك من مأارب.
لا يفوتنا مما خفي منها اعظمها في التربية مثلا القبول الاستثنائي للطلبة في المدارس للمتفوقين والمتميزين وكلية بغداد’ انه تدمير للطلبة والطالب ذاته والاستاذ, اذ باتت العدالة ومأسستها مجرد ورقة يمكن تمزيقها كما قال القائد الضرورة’ اضافة لتدمير الابداع والابتكار مستقبلا, عندما تتساوى ام الشعر مع الصلعاء.
علما بأن مؤسساتنا تغص بمناصب وعقود التشريف بعد السن التقاعدي حيث جمع المستشار بين ثقافتي الاستبداد والديمقراطية المنفلته, كان الله في عونهم وعون المدير الجديد بعد مرحلة مابعد 2023. ليصبح غالبا الامر يدور في مصلحتين فقط على الاكثر, كون الاطار القانوني والافق الستراتيجي الذي يضمن تحقيق الهدف’ لا زالا في الاجتهاد ونتائج فرز الاصوات لاربع قادمات وهكذا مضت عشرون ضائعات.
ليستمر سياق الاستثنأات مجسدا في الجامعات المتناطحنة على القسط الفصلي او السنوي وليس اولا المعدل المعيار الوحيد عالميا لننتهي مع قائمة ضعاف الاداء والنتائج بالتخمة الفارغة كما تنعكس على مخصصات من جائته فرص التعين كبركة من بركات الهاجس الانتخابي, وهكذا كان ولازال الترهل ساري المفعول. اما في الصحة عموما فلا زالت مكاتب السفر للسياحة الصحية لتشكل رقما صعبا في التحويل الخارجي مع تراجع ليشكل مغذيا لازمة الدولار, اذ لا يمكن معالجة اي امر بالترقيع بعد الخراب التي مازالت عوامله تزدهر مثل باقي الميادين.
لنعود الى حديث السيد رئيس الوزراء في الاجتماع الدوري السابع للسفراء العراقيين, بحضور وزير الخارجية والكادر المتقدم, اذ اكد دولته ان العراق يسعى وبشكل جاد, لاسترداد المحكومين بتهم الفساد وامواله المنهوبة. ووجه رئيس الوزراء بضرورة تطوير اليات عمل وزارة الخارجية وان يكون اختيار السفراء على اساس الخبرة والمهنية والكفاءة, وليس على اساس الانتماء الحزبي.
نعم لهذه التوجيهات, التي كان من المفترض ان تطبق منذ فجر الديمقراطية المعولمة وليس الان اذ تأمسست هذه الظاهرة بعد 2003’ اي ظاهرة الاسترداد الذي لا يسترد, من خلال ثغرات وغيابات’ تناولها دولته (الخبرة والمهنية والكفاءة والاساس الحزبي).
فاسترداد المتهم والاموال المنهوبة تأتي كنتيجة لغياب الاركان الاربعة اعلاه’ من حيث المبدأ’ كما ان القاعدة الداخلية من غير الدبلوماسيين ولكنهم يحملون جوازات وزارة الخارجية هم القاعدة الكونكريتية كبديل عن الخبرة والكفاءة والمهنية لتعزز الاساس الحزبي ليكون ارسخ. فاسترداد المتهمين بالمنهوبة من الاموال, سوف تكون هذه المؤسسة درعا ودرءا للحيلوية دون جلبهم للعدالة, هذا اولا فالسفير عندما يسعى دبلوماسيا لاسترداد اواعادة المتهم لان المتهم ليس مجرد مهرب, بل له قاعدة في الداخل و سيكون سعادة السفير محرجا بسبب الانتماء الحزبي اذا كان لاسامح الله المتهم من حزبه الذي لم يفصله من الحزب ردا على خيانته الامانة, اذ لم نسمع مثل هذا الاجراء كموقف رادع على الاقل للباقين, كما انه يحرج عندما يكون المتهم من حزب حليف برلمانيا وهكذا اذ لم تكن لدينا معارضة واضحة المواقف والمعالم’ وحسب المواصفة الغربية اللبرالية مثلا.
فاسترداد الاموال رغم جسامتها التي تقدر بمئات المليارات الدولارية, تبقى ساندة للتهريب والغسيل والنهب الذي نعاني منه الان, حيث ان ايران وسوريا مثلا لايمتثلان للسياسة الامريكية, ليدفع بلدنا الثمن باهظا في اقتصاده الكلي والجزئي. اضافة لتدمير اقتصادنا الحقيقي في الزراعة والصناعة. كما انه في هذه الحالة يعتبر الاسترداد للمال العام عملية تجفيف لمنابع التهريب.
من وراء هذا التزاحم والتقاطع والفشل في الاداء؟ لاشك من ان هناك تدخل خارجي له اهداف محدده’ يصعب الدفاع عنها’ كما نلمسها كل ساعة وكل سنه وهي شاهد شاخص كشبح رعب هي ازمة الكهرباء, فالشركات الاجنبية عموما عامل افساد اذ افسدت بشكل منظم خلال عملها عالميا, فهي جذر ومدرسة الفساد المحاصصاتي.
نشرت النيويورك تايمز في ايلول 2012, تقريرا عن تفعيل القانون الامريكي الصادر في العام 1977, والمعروف بأسم قانون عمليات الفساد الاجنبية, وهذا القانون يتعلق بالشركات الامريكية التي تقوم بدفع رشاوي لاعمالها خارج الولايات المتحدة.
وفي عام 2012 كانت هناك (78) شركة يتم التحقيق معها, معظمها امريكية, وتمت تسويات مع عدد من الكبار منها, وبغرامات قدرها (3,2) مليار دولار منها سيمنس’ وكانت غرامة سيمنس 800مليون دولار, لاعطائها رشوة في الارجنتين سابقا بمبلغ 100 مليون دولار, لعدد من المسؤولين بضمنهم الرئيس السابق كارلوس منعم. (فؤاد قاسم الامير / راسمالية اللبرالية (النيولبرالية) /364/2019).
بكل الاحوال كانت ولازالت الايدي الخارجية كمصالح دول سيما بعد الاحتلال والتحالف الحالي’ لا يسعدها ازدهار العراق, سيما ونحن الان بفضل جغرافيتنا السياسية اصبحنا رقما مهما في سلاسل التوريد العالمية من خلال مشروع الفاو الكبير وما يترتب على ذلك, فجذر الفساد ومألاته هي اسباب خارجية اولا, بمختلف الذرائع اخرها تحالف ضد داعش, الذي بفضلهم تتدخل القوة الامريكيه لتحمينا منهم, والمناوشات وصلت لضواحي بغداد كما في الطارمية وخان بني سعد مؤخرا. فبسمار جحا بات صدئا خصوصا بعد مذبحة غزة.
علينا على الاقل حسم الملفات ادناه لمواجهة التدخل السافر برصدينا الاحتياطي في نيويورك, من تصفية العوامل الساندة لهذا النفوذ الاجنبي.
اولا /حسم ملف الدولار الموازي من خلال قطع دابر التجارة غير الشرعية اولا ووكلائها في الداخل.
ثانيا / العدالة بالرواتيب لدرء نتائج التفاوت الحاد طبقيا وردم فجوة الدرجات الخاصة وامتيازاتها مقارنة بالدرجات القانوية والدستورية كون الاولى غير دستورية’ بل توافقات باتت اعلى من ادستور.
ثالثا / حسم ملف المياه والكهرباء وقانون النفط والغاز, مداميك السيادة والوطنية الحقة في الاقتصاد والسياسة.
رابعا / اعادة الهيبة والاحترام لهيئة الرقابة المالية. اذ لازالت كما تعلن استكمال الحسابات الختامية لموازنات 2017/ 2019 انها مخالفة دستورية اولا بذلك تقلل من قيمة الدستور. كما انها مجرد قاعدة معلومات غير دقيقة و كونها لم تكن قاعدة معلومات حقيقية لموازنتا الثلاثية الحالية حتى 2025.
فقط بهذه الحالة نكون مستقلين سياسيا واقتصاديا, ولعل الابرز وبيقين مجرب ان الادوات التي تورطت بالخراب عمدا والساعية لتكريسه.
أقرأ ايضاً
- اختلاف أسماء المدن والشوارع بين الرسمية والشعبية وطريقة معالجتها
- الحوكمة والعين الثالثة للدولة
- عطلة رسمية