إحاطة المبعوثة الأممية جنين بلاسخارت عن العراق في مجلس الأمن الدولي، الاسبوع الماضي، جاءت "هادئة" هذه المرة، وأبرزت "الجوانب المضيئة" في حكومة محمد شياع السوادني، وركزت على العلاقة مع إقليم كردستان وإصلاح النظام المصرفي وإدارة أزمة ميناء خور عبد الله.
ويعتقد مراقبون، أن قرب الانتخابات المحلية كانت سببا في منح بلاسخارت فرصة للحكومة لإنجاح الاقتراع المهدد بالمقاطعة، إضافة إلى أن نقاط التقييم اعتمدت على تعامل الحكومة الاتحادية بمرونة مع الإقليم، وإدارة أزمة ميناء خور عبد الله بلا تشنج، من غير أن ينسوا "الامتثال" الذي أبداه الإطار التنسيقي المشكل للحكومة لإرادة الأمم المتحدة وأمريكا بقضية إيقاف قصف السفارات وعدم تهريب الدولار.
ويقول المحلل السياسي ماهر جودة، إن "الإطار التنسيقي عندما شكل الحكومة مع ائتلاف إدارة الدولة كان يتعاطى مع المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية، وكانت هناك حوارات صريحة حول إيقاف قصف السفارات، وقضية السلاح خارج إطار الدولة وسلاح الحشد الشعبي، وجرى اتفاق واضح على خارطة طريق مستقبلية حول سلاح الفصائل".
ويضيف جودة، أن "هذه الأسباب تخضع لتقييم بلاسخارت، بالإضافة إلى الخطوات الإيجابية للحكومة وإن كانت ليست بمستوى طموح العراقيين، في محاربة الفساد وإصلاح النظام الاقتصادي، نعم مازالت هناك مشكلات، ولكن الأمم المتحدة دائما ما تدفع نحو فلسفة الاحتواء والإيجابية والتنمية نحو أي خطوة تدعم الديمقراطية".
ويتابع أن "العراق مقبل على انتخابات محلية ولم يبق على إجرائها سوى شهرين، لذلك لا يمكن إعطاء إحاطة إلى مجلس الأمن عن إخفاقات تجري وملفات فساد وأزمة صرف الدولار وغسيل أموال، أرادت بلاسخارت في إحاطتها منح مساحة للديمقراطية حتى تنجح، لأن الانتخابات تحتاج إلى شرعية دولية، لاسيما أنها مهددة بعزوف جماهيري كبير".
وعن مدى أمانة بلاسخارت في نقل الواقع إلى المجتمع الدولي، يؤكد أن "الأمم المتحدة معروف عنها المجاملات، فهي تؤمن بإنجاح التجربة الديمقراطية وحقن الدماء ونقل الصورة الجيدة عن أغلب الدول، وهي منصة لمجموعة دولية تتحكم بالمشهد العالمي، إضافة إلى أن الأمم المتحدة شريكة في العملية السياسية وتراقب وتشرف عليها، ولربما المرة الوحيدة كانت الإحاطة برؤية واقعية التي كانت حول تشكيل الحكومة والأزمات التي حصلت آنذاك".
ويتابع جودة، أن "الإحاطة أخذت في نظر الاعتبار محاولات السوداني الإصلاحية لا سيما حل مشاكل رواتب موظفي الإقليم، وتوقيع الإطار على أمور عدة مع السياسيين السنة أو سياسيي الإقليم كقضية العفو العام وأموال كردستان".
وكانت بلاسخارت أكدت في إحاطتها التي قدمتها أمام مجلس الأمن، مساء الثلاثاء الماضي، أن الحكومة العراقية اتخذت خطوات هامة في إصلاح القطاع المالي والمصرفي، وتم إطلاق منصة إلكترونية لبيع العملات الأجنبية تعزز الشفافية، لافتة إلى أن الحكومة العراقية نفذت إجراءات لمتابعة تسليم المتورطين بسرقة أموال العراق، واتخذت الحكومة خطوات في الموازنة تسمح بزيادة استثمارات القطاع الخاص، وتضمنت الموازنة الثلاثية فقرات لتلبية الاحتياجات الملحة كمشاريع تطوير البنى التحتية، كما ضُمنت أيضا أعلى تخصيصات مالية لتقديم الخدمات الاجتماعية كالرعاية الصحية والتعليم.
وفي ملف الانتخابات، لفتت بلاسخارت إلى أن انتخابات مجالس المحافظات تمثل ضرورة حاسمة لكافة العراقيين، والأطراف الفاعلة كافة على المستوى الوطني أو الإقليمي، مدعوة إلى الاضطلاع بدورها في الحفاظ على الاستقرار في المدة التي تسبق الانتخابات، بما في ذلك جهود مكافحة المعلومات المزيفة والمضللة.
ومن المنتظر أن تجرى الانتخابات المحلية في 18 كانون الأول المقبل، وستكون هذه أول انتخابات محلية تجرى في العراق منذ نيسان 2013، وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين.
من جهته، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، أن "بلاسخارت لم تهمل أزمة الدولار، لكن أحد أسباب ارتفاع سعر الصرف هو إجراءات البنك المركزي والتزامه بقواعد البنك الفيدرالي الأمريكي، وهو أحد النقاط التقييم التي اعتمدتها بلاسخارت، فكلما ابتعد البنك المركزي عن ضخ الدولار في السوق، قل تهريبه إلى إيران، وهم يعتقدون أن هذه نقطة إيجابية لحكومة السوداني في الامتثال للبنك الفيدرالي الأمريكي، بعيدا عن مصلحة الشعب".
ويضيف الدعمي، أن "الأمم المتحدة تولي اهتماما كبيرا لقضية كردستان وهي إحدى النقاط التي يتم تقييم الحكومة على أساسها، ومقدار تعاونهم مع الجانب الكردي، والحكومة على مدى الشهور الماضية لم تتعامل بتشنج مع الكرد، وتدخل السوداني شخصيا لإرسال دفعة من الأموال إلى كردستان".
وفيما يخص ميناء خور عبد الله، يؤكد المحلل السياسي، أن "الحكومة العراقية لم تكن متشنجة أيضا مع الحكومة الكويتية بشأن خور عبد الله، وكانت أقرب إلى عدم قبول قرار المحكمة الاتحادية، ويبدو أن هناك وعودا بإقناع أعضاء مجلس النواب بالتصويت مجددا على اتفاقية خور عبد الله".
وكشفت بلاسخارت أمام مجلس الأمن، بأن الحكومة العراقية أوضحت بما لا يقبل الشك، التزامها بمبادئ القانون الدولي واحترامها للاتفاقيات الثنائية وقرارات الأمم المتحدة.
وكانت المحكمة الاتحادية، قررت في أيلول الماضي، الحكم بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله رقم 42 لسنة 2013، وذلك لمخالفة أحكام المادة 61/ رابعاً من دستور جمهورية العراق التي نصت على تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَّن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
يشار إلى أن بلاسخارت، قدمت في أيار الماضي، إحاطتها في مجلس الأمن، وفيها أكدت الحكومة العراقية تركز على توطيد دعائم الاستقرار السياسي والعراق يمتلك إمكانات هائلة، ومن خلال الخطط الطموحة للحكومة يمكن معالجة العديد من عوامل عدم الاستقرار، شريطة تنفيذها بشكل كامل.
لكن إحاطة بلاسخارت، في تشرين الأول 2022، وخلال ذروة الأزمة السياسية في البلد، كانت مختلفة، حيث بينت فيها، أن الخلاف والتفرد بالسلطة ساد في العراق وحملة السلاح زادت حماستهم، وأن أصغر شرارة تكفي لإيصال العراق إلى الكارثة.. وأن الطبقة السياسية في العراق غير قادرة على حسم الأزمة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- تبعد (165) كيلومتر عن دمشق: يد السيستاني الرحيمة تغيث اللبنانيين في حمص السورية(فيديو)
- ماذا وراء تأجيل التعديل الوزاري؟