يمر نهر الفرات بجانب مدينة كربلاء المقدسة، وعلى ضفافه يعيش الناس منذ مئات السنين، الذين اعتمدوا على الزراعة بعد ما كانت تزخر المناطق المحاذية للماء بشتى أنواع الثمرات، وتتربع أشجار النخيل على عرش الصدارة من حيث الكم والنوع، إلا أن الحروب التي ألّمت بالبلاد والتحديات البيئية شكلت عائق بارز يهدد النخيل والثروة الزراعية.
تعددت الأسباب والضرر واحد
عشق الكربلائيون التمر وتكاد لا تخلوا مائدة من الرطب واللبن خصوصاً أيام شهري آب وأيلول، لكن مع ارتفاع الأسعار بدأ التمر ذات النخب الممتاز يغادر شيئاً فشيئاً.
ويوعز عدد من المواطنين إلى الأسباب التي أسهمت في ارتفاع سعر التمر الجيد، ويقول المواطن علي مهدي الحسيني، في حديث لوكالة نون الخبرية، أن "الأصناف الجيدة والنخب الممتازة من التمر، بدأت ترتفع أسعارها تدريجياً عاماً بعد عام، ولا يمكن حصر الأسباب كون هناك عوامل مشتركة أبرزها التجريف غير الطبيعي للبساتين وتحول الدوانم الزراعية إلى سكنية (الدونم وحدة قياس تساوي 2500 متر مربع)، وعلى الرغم من القانون الذي يمنع ذلك إلا أن هناك جهات ذات نفوذ تلتف على القانون".
ويضيف أن "التجريف جعل التمر وغيره من المحاصيل الزراعية تقل ولأن العملية (عرض وطلب) مع قلة المحصول ترتفع الأسعار، ومن الأمور الأخرى إهمال الفلاح للأرض بسبب شحة المياه وقلة الدعم الحكومي كمكافحة الحشرات ومنح الأسمدة الكيمائية والعضوية بأسعار مدعومة، علاوة على جشع التجار الذين يسيطرون على السوق".
الحنين إلى الماضي
بحسرات وأهات يصف المزارع غسان حميد من قضاء الحسينية -(20) كم شمال شرق كربلاء-، خلال حديثه لوكالة نون الخبرية، حال منطقته التي كانت تطفو على الآلاف من أشجار النخيل والحمضيات قبل سنوات، وكيف تحولت من سلة غذائية إلى مقبرة زراعية بعد ارتفاع عدد الدور السكنية وانخفاض البساتين بحسب وصفه، ويبيَّن، أن جملة من الأسباب أدت إلى هذا الحال "منها الجفاف وارتفاع نسبة الملوحة وعدم اهتمام الحكومة بأشجار النخيل وباقي المحاصيل الزراعية بصورة عامة، مع تراجع جودة المياه المستخدمة في الري مما اضطر الفلاح إلى حفر الآبار للسقي التي تحتوي على الكبريت ونقص الأسمدة الكيمائية والعضوية، فضلاً عن الأمراض والآفات الزراعية التي تصيب النخيل سبب أخر لقلتها وانخفاض الإنتاجية".
الهجرة العشوائية وتجريف الأراضي الزراعية
ويرى حميد أن "كربلاء مدينة سياحية عقاراتها باهظة الثمن، وأرض زراعية لا تستوعب الأعداد المهاجرة إليها إلا عن طريق تجريف البساتين، وعلى الحكومة المحلية اتخاذ إجراءات صارمة بحق من يجرف الأراضي الزراعية، ومنع الهجرة العشوائية من المحافظات الأخرى، ودعم الفلاح لوجستيا من خلال توفير مستلزمات الزراعة".
الأمل بتجربة العتبات
وأشار حميد في ختام حديثه إلى أمله أن "يعود العراق بصورة عامة وكربلاء خاصة إلى الصدارة في إنتاج التمور، وعملية إصلاح هذا الملف ليست بالمستحيلة وخير شاهد ودليل تجربة مشروع فدك للنخيل التابع للعتبة الحسينية المقدسة، ومشروع الساقي التابع للعتبة العباسية المقدسة، وإنتاجهما الذي يوازي إنتاج المحافظات الأخرى من حيث الندرة والنوعية".
جشع التجار وضعف الرقابة
يرجح المزارع محمد جدوع خلال حديث لوكالة نون الخبرية، أن "أسباب ارتفاع أسعار التمور في السوق المحلية هو جشع التجار وعدم وجود تسعيره وحل وسط بين المزارع والبقال، ومن المشاكل التي تواجه المزارع في موسم تسويق المحصول هو عدم وجود شركات تسويقية من قبل الدولة تستوعب الإنتاج المحلي، الأمر الذي يدفعهم إلى بيع المحصول للتجار، وهنا يقوم التاجر بتحديد الأسعار في السوق باعتباره يمتلك أكبر كمية لهذا الموسم (يتحكم بسعر التمر دون رقيب وحسيب)".
يشار ان اسعار التمور هذا العام تشهد ارتفاعاً نسبياً في الاسواق المحلية بمدينة كربلاء المقدسة، ما ينذر بانخفاض اعداد النخيل بالمحافظة وبالتالي انخفاض انتاج التمور مقارنة بالاعوام السابقة.
ابراهيم الحبيب - كربلاء
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)