قلل متخصصون ونواب، من تأثير قرارات البنك المركزي الجديدة على منع التعامل التجاري بالدولار وحصر المصارف المجازة بعمليات التحويل المالي، مؤكدين أن كل القرارات التي أصدرها البنك والحكومة لن تسيطر على سعر الصرف، أو تعيد استقراره في السوق المحلية، ما لم تتم السيطرة على "الحوالات السود".
ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل المرسومي، إن "قرار البنك المركزي العراقي بالاستغناء عن التحويلات الخارجية واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي، هو إجراء لتنظيم عملية تحويل الأموال، وليس له أي علاقة بقضية خفض سعر الدولار إطلاقا".
وكان محافظ البنك المركزي علي العلاق، أعلن الاحد الماضي، عن مضيّ البنك للاستغناء عن التحويلات الخارجية "السنة القادمة" واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي، فيما بين أن الحوالات عن طريق البنوك المراسلة بلغت 60 بالمئة من إجمالي الحوالات (خارج المنصة الالكترونية الخاصة بالبنك المركزي)، وأكد العلاق أن ذلك جاء بعد اتفاق بين البنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي، اُسوة بدول العالم، حيث لا تمارس البنوك المركزية أعمالاً تنفيذية، ويتركز دورها في الاشراف والرقابة.
كما كشف العلاق عن سعي البنك لفتح قنوات تواصل مباشر للمصارف العراقية مع نظيرتها الأجنبية في المراسلات والتبادل التجاري، وفتح قنوات التحويل بعملات مختلفة منها (الدرهم الإماراتي، الليرة التركية، الروبية الهندية، اليورو)، فضلا عن تشديده على أن السّنة المقبلة ستشهد حصر كافة التعاملات التجارية الداخلية وغيرها بالدينار العراقي، بدلاً من الدولار، عدا تلك التي تسلّم للمسافرين.
ويوضح المرسومي، أن "قرار البنك المركزي بشأن حصر التعاملات التجارية الداخلية وغيرها بالدينار العراقي بدلاً من الدولار، لن يكون له أي تأثير بقضية خفض سعر الدولار في السوق الموازي، لكن البنك المركزي يريد من هذه الخطوة القضاء على ظاهرة الدولرة، وهي منع التعامل بالدولار في السوق المحلي من خلال شراء البضائع أو السيارات أو العقارات، ونعتقد أن هذا الأمر يصعب تنفيذه، وبالتالي فإن البنك المركزي أراد من هذه الخطوة خلق استعراض إعلامي لا أكثر".
ويؤكد أن "البنك المركزي العراقي، أصدر توجيها بإجراء حوالات من العراق بعملات اليورو، أو الدرهم الإماراتي، أو الليرة التركية، أو الروبية الهندية، وهذا الامر معمول به في الكثير من دول المنطقة والعالم، لكن تبقى مشكلة العراق هو أن صادراته النفطية تسلم بالدولار وبالتالي فإن إيراداته تكون بالدولار، وتحويل هذه الأموال إلى عملات أخرى يفقدها الأهمية، كما أن مخزون العراق من تلك العملات هو محدود جداً بسبب عدم وجود أية إيرادات من الصادرات غير النفطية بالتعامل بهكذا عملات".
ويتابع الخبير في الشأن الاقتصادي، أن "ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازي، هو بسبب عملية نقل أموال من أجل تسديد المستحقات التجارية ما بين العراق وايران، خصوصاً وأن إيران تصدر للعراق سنويا أكثر من 10 مليارات دولار، فضلا عن المسافرين العراقيين إلى إيران، فهم يأخذون الدولار من السوق الموازي حصرا، لأنهم ممنوعون من تسلم الدولار عبر المصارف لأغراض السفر، بسبب العقوبات على إيران".
ووصلت مساعدة وزيرة الخزانة الأمريكية إلزابيث روزنبرغ إلى بغداد في 13 من الشهر الحالي، وعقدت اجتماعا مع محافظ البنك المركزي علي العلاق، وبحسب البيان الرسمي، فقد جرى متابعة مخرجات ونتائج الاجتماعات السابقة بين البنك المركزي العراقي من جهة، ووزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي من جهة اخرى، فضلاً عن إمكانية تقديم الدعم الفني في مجال تمويل التجارة الخارجية عبر القنوات المصرفية الرصينية بآلياتٍ تُمكّن تمويل التجارة الخارجية المشروعة، بعملات مختلفة منها اليورو، اليوان الصيني، والدرهم الإماراتي، وكذلك تنظيم حركة التجارة مع تركيا.
كما التقى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بروزنبرغ، وبحث معها التعاون المشترك بين المؤسسات المالية في العراق ووزارة الخزانة الأمريكية، ومناقشة إجراءات الحكومة في تطبيق الإصلاحات المالية والمصرفية، للحد من عمليات الفساد بكل أشكاله.
يذكر أن سعر صرف الدولار، قفز قبل نحو اسبوعين، في السوق المحلية إلى 156 ألف دينار لكل 100 دولار، بعد أن كان بحدود 153 ألف دينار لكل 100 دولار خلال الفترة الماضية.
من جهته، يبين الخبير في الشأن المالي ناصر الكناني، أن "كل القرارات التي اتخذها البنك المركزي العراقي، منذ بداية أزمة الدولار وحتى اليوم هي إجراءات ترقيعية وليس فيها أي حلول للأزمة الحقيقية، ولهذا نرى الدولار يرتفع بشكل شبه يومي، ونتوقع ارتفاعه بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة".
ويتابع الكناني، أن "أزمة الدولار سببها الرئيس هو الحوالات السود، خصوصاً مع الجانب الإيراني، ولهذا صغار التجار يعملون على جمع الدولار من السوق الموازي من أجل دفع أموال تلك البضائع، وهذه القضية المهمة لم تجد لها الحكومة أو البنك المركزي أي حلول، رغم هي سبب الأزمة الرئيس".
ويلفت إلى أن "الدولار لم يشهد أي انخفاض، مع استمرار الحوالات السود، بل على العكس ربما يشهد ارتفاعا، وهذا التذبذب في سعر الصرف في السوق المحلي، اكيد سيكون له تداعيات في رفع أسعار البضائع المختلفة، خصوصاً وأن هناك تجار دائما ما يستغلون هكذا ظروف من أجل زيادة أرباحهم من خلال التلاعب بالأسعار".
يشار إلى أنباء وردت، خلال وجود مساعدة وزيرة الخزانة الأمريكية في بغداد، حول عقد لقاء غير معلن بين نائب محافظ البنك المركزي الإيراني والسؤولة الأمريكية ومسؤولين عراقيين في بغداد، لحل قضية التعامل بالدولار بين العراق وإيران، لكن لم يتم تأكيد هذه المعلومات.
وعلى الرغم من الضوابط على المصارف، فان عمليات تهريب العملة مستمرة، وتتم عبر حقائب تنقل براً إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، ويطلق عليها متخصصون بـ"الحوالات السود".
وكان النائب هادي السلامي، وجه يوم في وقت سابق من هذا الاسبوع طلب استضافة لرئيس مجلس الوزراء في مجلس النواب لبيان اسباب عدم انهاء تكليف محافظ البنك المركزي وعدم السيطرة على ارتفاع اسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي في السوق الموازي.
إلى ذلك، يرى النائب المستقل في البرلمان سجاد سالم، أن "وعود رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشأن السيطرة على أزمة الدولار في العراق، ما زالت مجرد وعود، رغم إعلان الحكومة والبنك المركزي الكثير من القرارات والتوجيهات خلال الفترات الماضية".
ويشير سالم، إلى أن "الدولار ما زال يهرب من العراق عبر الحوالات السود إلى إيران وسوريا وتركيا ودول أخرى، خصوصاً وأن طرق التهريب أصبحت كثيرة، مقابل ذلك لا نرى إجراءات حكومية للحد من هذه العمليات، التي تسببت بالضرر للاقتصاد العراقي الداخلي وتذبذب أسعار السوق المحلية".
ويؤكد أن "طلب استضافة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في البرلمان العراقي، أمر طبيعي وهو ضمن مهام وعمل النواب والمجلس، فيجب أن يستمع البرلمان لقرارات الحكومة بشأن أزمة الدولار التي لم تحل منذ اشهر، ومعرفة قدرة تطبيق الحكومة وعودها بهذا الصدد".
ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام "سويفت" المالي الدولي.
وقد أصدر البنك المركزي 3 حزم إجراءات للسيطرة على بيع الدولار وضمان عدم تهريبه إلى الخارج، وقلل في بداية الأزمة من مبيعات مزاد العملة، ومن ثم عاود مؤخرا الارتفاع لمستواه السابق والبالغ نحو 250 مليون دولار يوميا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- البنك المركزي يحاول من نيويورك إنهاء "منصة الدولار"
- التصنيع الحربي العراقي.. هل يتخلص من "سلطان" الاستيراد؟