ما زال القطاع السياحي في العراق شبه منعدم، على رغم امتلاكه من المواقع الأثرية ما يقدر بأكثر من 12 ألف موقع، كما يحتوي على جغرافيا وبيئة متنوعة تتمثل بالجبال والأهوار، فضلاً عن احتضانه المراقد الدينية التي تتوزع في محافظاته والتي يزورها الملايين سنويا، وفيما يرمي متحدث حكومي، الأسباب، إلى افتقار البلاد للبنية التحتية ومعاناته من العزلة السياسية السابقة، يؤكد خبير اقتصادي أن العراق لا يتعامل مع ملف السياحة بشكل مؤسسي وقطاعي إنما ببدائية وإهمال، مستثنيا من ذلك إقليم كردستان.
ويصادف اليوم الأربعاء، يوم السياحة العالمي الذي يتم الاحتفال به كل عام في 27 أيلول، لتعزيز الوعي بالقيمة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للسياحة والمساهمة التي يمكن أن يقدمها القطاع نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويقول المتحدث باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار احمد العلياوي، إن "العراق يحتوي على كل مقومات الجذب السياحي، لكنه مازال يشكو من افتقار البنية السياحية المطلوبة، فقد عانى من العزلة السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية منذ أكثر من 40 عاما".
ويجمل العلياوي، مجموعة من الأسباب التي أدت إلى تراجع قطاع السياحة في العراق، منها أن "البنية التحتية في البلاد لا تناسب ولا تلائم طبيعة السياحة اليوم على المستوى الإقليمي والدولي، وكذلك ثمة مجموعة من القوانين التي تؤثر في هذا القطاع سلبا سواء على مستوى القوانين الداخلية أو القوانين الدولية لاسيما تلك التي فرضت على العراق حظرا للطيران، ومازالت هذه القوانين سارية المفعول، وهناك قطيعة بين هذه الدول والعراق بسبب آثار حرب الخليج 1990".
ويوضح أن "هيئة السياحة أقامت مؤخرا ورشة تخصصية في موضوع الاستثمار السياحي وهي جزء من توجيهات رئيس الوزراء وبرعاية وزير الثقافة، إذ تهدف الورشة لتنشيط قطاع السياحة"، مشيرا إلى أن "مجموعة مشاكل ناقشتها الورشة على مستوى تنفيذ الخطط وتوفير البنى المطلوبة في قطاع الفندقة وكذلك الدراسات والبحوث الخاصة بتوفير وسائل النقل والربط السككي بين المحافظات وإنشاء الجسور والطرق وتطوير المطارات والمنافذ".
وتابع أن "الورشة استعرضت توفير فرص الاستثمار، إذ أن الهيئة وفرت فرصا استثمارية ممتازة من خلال الأراضي التابعة لوزارة الثقافة والسياحة والآثار، وكل هذه الأشياء نوقشت بحضور رئيس الهيئة ونائب رئيس مجلس الوزراء قحطان الجبوري ومجموعة من المتخصصين في السياحة والفندقة ورابطة السياحة والفنادق، وخرجت الورشة بتوصيات مهمة ستقدم إلى الحكومة ويتم إشراك جميع الوزارات في هذا الملف".
وكشف تقرير أصدره المركز العراقي الاقتصادي السياسي، مطلع العام الحالي عن مدى تردي القطاع السياحي في العراق، مبينا أن الوضع السياحي بشكل عام والقطاع الفندقي على وجه الخصوص يشهد نسبة إشغال متدنية رغم التحسن النسبي عن العام الماضي والنسب التشغيلية في بعض الفنادق لا توازي أجور ورواتب العاملين فيها، فيما أكد أن الأسباب تعود إلى إهمال الحكومات المتعاقبة وغياب الخطط الفعلية لزيادة نسبة السياح في العراق وفرض شروط شبه تعجيزية تمنع رعايا الكثير من الدول من الحصول على الفيزا وتراجع إشغال الفنادق عامةً وفنادق الخمس نجوم بشكل خاص.
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن "قطاع السياحة في العراق يعاني كثيرا، ويظهر ذلك جليا عند مقارنته بمصر مثلا التي تمتلك نحو 2400 موقع أثري ومتحف، ويصل الوارد السياحي فيها إلى 12 مليون دولار، فيما يحتضن العراق ما يصل إلى 12 ألف موقع أثري ومتحف، وتبلغ وارداته من السياحة أقل من تريليون دينار".
وخوضاً في الأسباب، يتحدث المشهداني عن "افتقار العراق للبنى التحتية والفنادق ما عدا بغداد التي تمتلك فنادق محدودة وهي ليست بالمستوى المطلوب ولم تعد تصلح لاستيعاب سياح، وكذلك رداءة طرق النقل، والوضع الأمني ففي السابق كان مضطربا جدا، والآن تحسّن نسبيا لكن مازالت السيطرات في مداخل المدن والمحافظات تمثل معرقلا آخر أمام السياح".
ويضيف أن "المواقع السياحية أيضا تفتقر إلى الخدمات والدليل السياحي واللغة، وعلى الرغم من انتعاش مناطق الأهوار في الفترة الماضية واستقبالها سائحين من بلدان مختلفة، لكنها سرعان ما جفت وشحت مياهها وشح معها السياح، وكانت هناك مشكلة أيضا هناك في الضيافة إذ لا تمتلك ذي قار وميسان فنادق، ويعود أغلب السياح للمبيت في بغداد، والعاصمة هي الأخرى تمتلك 4 فنادق فقط، ونسبة إشغالها 21 بالمئة".
ويرى الخبير الاقتصادي أن هناك "تقصيرا آخر في عملية الترويج للسياحة من قبل وزارة الثقافة والسياحة، والسفارات العراقية وكذلك هناك مشاكل في منح فيزا الدخول، وعدم إدارة هذه الملف بشكل مؤسسي منظم كما في السعودية أو إيران التي تتولى شركات فيها تقديم الخدمات للسياح بينما في العراق السائح لا يخسر شيئا ويقوم بتوفير متطلباته بنفسه، لأننا نتعامل مع السياحة كأفراد لا قطاعات"، مستثنيا "إقليم كردستان الذي يبدو أكثر تنظيما في التعامل مع هذا الملف ويمتلك فنادق وبنى تحتية تساعد على خلق بيئة سياحية".
يذكر أن إقليم كردستان، يعد من أهم المناطق السياحية في العراق، ويتجه لمدنه أغلب العراقيين سواء في المناسبات والعطل الرسمية أو أيام الصيف، هربا من ارتفاع درجات الحرارة في الوسط والجنوب، ولتوفر مدن الإقليم على مناطق سياحية طبيعية، منها الشلالات والجبال والمساحات الخضراء الواسعة.
وخلال العامين الأخيرين، شهد العراق توافد آلاف السائحين الأجانب، وقد نشطت هذه الحركة في العاصمة بغداد ومدينة أور في ذي قار والأهوار، التي باتت مقصد السائحين وصناع المحتوى من مختلف الجنسيات، وذلك بعد زيارة بابا الفاتيكان لزقورة أور، خلال زيارته التاريخية للعراق عام 2021.
وما تزال المواقع الأثرية في العراق تشكل مركزاً رئيساً لاستقطاب السائحين المحليين والأجانب، إلا أنها تفتقر في الوقت ذاته إلى المقومات الخدمية من المرافق السياحية المحفزة والجاذبة، وواحدة من هذه الأماكن هي مدينة بابل الأثرية التي تشكل رمزية العراق الحضارية والتاريخية أمام العالم.
من جانبه، يتحدث مسؤول إعلام ديوان محافظة بابل حيدر إبراهيم، عن "زيادة بعدد السياح الأجانب للمدينة بعد إدراج آثار بابل على لائحة اليونسكو العالمية إذ زاد ذلك من الاهتمام العالمي بها، وارتفعت أعداد السائحين بشكل كبير، ففي عام 2021 بلغ عدد السائحين المحليين 15 ألفا بمقابل ذلك سجلت المحافظة توافد 2000 سائح أجنبي، وهذه الأرقام تضاعفت في العام الماضي، لتصل أعداد السائحين المحليين إلى 25 ألف سائح، فيما بلغ أعداد السائحين الأجانب 4 آلاف سائح".
ويشير إبراهيم، إلى أن "هذا الاهتمام وحب الاطلاع وزيارة الأماكن السياحية والأثرية لا يقابله أي اهتمام في الجوانب الخدمية التي كان من المفترض أن توفرها الحكومة الاتحادية، حيث لا نجد فنادق ذات خدمات تليق بالسائحين أو أماكن استراحة ومطاعم، وهذا يؤدي إلى مغادرة أغلب المجاميع السياحية للموقع بصورة سريعة، ويتجهون للمدن التي توفر الخدمات والراحة لهم".
وتبعد المدينة الأثرية في بابل عن العاصمة بغداد 80 كيلومتر جنوبا، وتقع على مساحة كلية تبلغ 16 كيلومترا مربعا، وبجوارها منتجع بابل السياحي -وهو قصر رئيس النظام المخلوع صدام حسين-، وفيما تستقبل المدينة سنويا آلاف السائحين من مختلف الجنسيات، إلا أنهم لا يرغبون بالبقاء إلا لساعات معدودة هناك فقط، بسبب افتقار المدينة لفنادق الدرجة الأولى والمطاعم والمقاهي الجيدة، ما يدفع السائحين للتوجه إلى المحافظات القريبة مثل كربلاء أو النجف، أو العودة إلى بغداد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- أدخنة النفايات والمعامل تخنق سماء بغداد.. فأين الحلول؟
- شلل يضرب القطاع السياحي.. آثار العقوبات على طهران تصل النجف
- بين واشنطن وموسكو.. أين يريح السوداني قدميه؟