- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
احقية الحزن على الحسين عليه السلام
بقلم:حسن كاظم الفتال
بسم الله الرحمن الرحيم ( مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ـ البقرة /62 الحزن حين نود تبيانه أو تعريفه فهو : شعور يداهم الانسان أو هو حالة تنتاب القلب أو تطوقه وتحيط به وهو نقيض الفرح والسرور . ومرادفات الحزن الترح والشجا والكدر والهم والغم والأسى والتعاسة والاكتئاب ومعانٍ ومصطلحات كثيرة . ونقيض هذه الحالة الحُبور, الفَرَح, السُّرور, الابْتِهاج, وغير ذلك من مرادفات أخرى. وغالبا ما يداهم الحزن الأفراد ويغزوهم بغتة ويخترق قلوبهم دون سابق إنذار وهم لا يشعرون وحين يداهم الانسان الحزن تتملكه الكآبة ويميل إلى الإنطواء مما يجعله سريع الانفعال وربما دائم الانفعال . فقد جاء عن جابر الجعفي قال: ( تقبّضت بين يدي أبي جعفر صلوات الله عليه فقلت: جعلت فداك، ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي. فقال: ( نعم يا جابر، إنّ الله عزّ وجلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه واُمّه فإذا أصاب روحاً من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزنٌ، حزنت هذه لأنّها منها) والكثير من الناس يطمح لأن يحيا سعيدا لا يمر به الحزن أو الكدر وأن يتمتع بعيش سعيد رغيد بصفاء ونقاء ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) ـ فاطر / 34 وليس غريبا أن الحزن منه ما هو مذموم وما هو محمود . وقيل أن ( العرب تزعم أن دمع الباكي من شدة السرور بارد ودمع الباكي من الحزن حار ) ويبدو أن هذا الأمر هو الذي دعا لأن يُسمَت المسرورُ بـ ( قرة عين)لأنها كناية عن الفرح سواءٌ بتحقيق مراد ما أو استجابة دعاء أو قضاء حاجة مهمة فمن المؤمنين ما تراهم يسيرون والحزن ملازمهم لأسباب معينة وقليلا ما يفرحون وقَلَّ أن تخلو حياتهم منه فتجد قلوبهم محتشدة بالحزن والأسى والكدر والهم وليس ذلك أسفا على خسران من الملذات أو الرغبات إنما هو حَزَنٌ بسبب رقة القلب ورقة القلب منبعثةٌ من الرحمة ويكون منشأ هذا الحزن التعقلَ وقوةَ الإيمان والحرصَ على ملازمة الاستقامة والخشية من الوقوع في شرك الشيطان . وليس غريبا أن يكون من فوائد صفة الحزن أن يحث المؤمنَ على أن يلجأ إلى الله عز وجل ليتضرع له بانكسار وخضوع وخشوع عسى أن يوفر له ذلك راحة ضمير ويهبه طمأنينة فلا صلة أوثقُ من الصلة بالله . فكلما ازداد المؤمن قربا من الله زال همه وذهب غمه واستشعر الأمن والأمان ولازمه الحبور والسرور . قال تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ) ـ المعارج/ 19-22 وهذا مما يشعرنا بأن ثمة حزناً مذموماً وآخر ممدوحا . ولقد انتاب الأنبياءَ والأوصياء الحزنُ ولعل أول من حَزُن هو أبو البشر آدمُ على نبينا وآله وعليه السلام . ثم نبيُ الله يعقوب على نبينا وآله وعليه السلام حيث ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) ـ يوسف /84 وقد ورد في قصص الأنبياء: عن هشام بن سالم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال: حزن سبعين ثكلى ـ في أنّ يعقوب بلغ من الهمّ والحزن حدّاً من الكبر بحيث يظنّه الناس أنّه إبراهيم. ويبدو أن هنالك حزناً هادئاً وخفياً وغير معلن أو غير ظاهر ليعلم به الآخرون (﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾( ومؤديات الحزن تختلف بالصيغ والأنماط والكنايات والتوصيفات وقد حزن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو النبي المرسل والمبعوث رحمة للعالمين المبشر النذير وكان حزنه بسبب المنافقين حتى خاطبه الله سبحانه وتعالى (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا )ـ آل عمران / 176 وكثيرا ما مس الألم والأسى قلب رسول الله صلى الله عليه وآله حزنا على سبطه وريحانته الامام الحسين عليه السلام وكان في أحيانٍ كثيرة يبديه ويظهره علانية . والروايات في ذلك كثيرة ومتعددة وردت من مصادر موثوقة ومؤكدة ومن أطراف مختلفة ومتعددة أيضا واكدت أنه صلى الله عليه وآله أجرى دموعا حرى على سبطه بعد ان أخبره جبرئيل عليه السلام باستشهاده قبل موعده بل منذ ولادته . وهذا ما يمنحنا المشروعية في أن نبالغ بالحزن على سيد الشهداء صلوات الله عليه . وقد وردت الكثير من الروايات عن خصوصية حزن رسول الله صلى الله عليه وآله على سبطه وريحانته ومن أبرز ما ورد من روايات أنه صلى الله عليه وآله كان في بيت أم سلمة فقال لها : لا يدخل علي أحد ، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله ، فدخلت أم سلمة على أثره ، فاذا الحسين على صدره ، وإذا النبي صلى الله عليه وآله يبكي وإذا في يده شيءٌ يقبله . فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا أم سلمة ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن ابني هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها ، فضعيها عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي. وروي عن مسمع البصري قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : أما تذكر ما صنع بالحسين عليه السّلام ؟ قلت: بلى، قال: أتجزع؟ قلت: أي واللّه وأستعبر بذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتى يستبينَ ذلك في وجهي، فقال: رحم اللّه دمعتك، أما إنّك من الذين يُعدون من أهل الجزع والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا. ولعل هذا الأمرَ من المدلولات التي تجعل صيغة حزننا تحتويها القداسة فهو حزن مبجل مما يحق لنا أن نتعمق بالحزن والجزع على أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه ويتساوق وضعنا ومشاعرنا مع تصريح الامام الرضا صلوات الله عليه حين يقول : إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام. وأنا أقول: لا تلمني أنا إن أبكي بحزنٍ ** إنما لمني إذا جفت دموعي لرسول الله بالدمع اواسي ** فهو ان واسيته صار شفيعي ابكي أضلاعا لقد ديست بظلم ** ليتها بالرض قد كانت ضلوعي
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد