- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحشود المليونية في زيارة الأربعين مداليل الوفاء والتحدي
حجم النص
بقلم:حسن الهاشمي
إن من يتأمل قضية الإمام الحسين ( ع ) يقف متعجباً مندهشاً حائرا!! كيف تم هذا الخلود لثورة الإمام الحسين ( ع ) وما هي مقومات التجدد في ذكرى استشهاده؟! بكل جزم وتأكيد ليس هناك حدث تأريخي أو ثورة أو حركة اجتماعية توفر لها خلود وبقاء ودوام وتأثير كما هو الأمر بالنسبة لهذه الثورة، ولعل السر في ذلك أمور كثيرة من بينها:
أولا: عهد الله بحفظ جهود العاملين في سبيله: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران: 195. وهنالك آيات تصل إلى العشر تتضمن هذا التعهد الرباني: (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) الأعراف: 170. وهل يوجد إصلاحي أعظم من الإمام الحسين عليه السلام في التاريخ القديم والحديث؟
ثانياً: عظمة شخصية الإمام الحسين ( ع ): ومن أسباب خلود هذه الثورة شخصية الإمام الحسين ( ع ) فهو شخص عظيم وقليل في حقه أن نقول عنه عظيم ويكفي أن أفضل من خلق الله تعالى وهو نبينا محمد ( ص ) والذي لا يدانيه في الفضل إنسان، كان يقول إن الحسين جزء منه: (حسين مني وأنا من حسين) إذاً الحسين ( ع ) جزء من أعظم مخلوق، فمن الطبيعي أن تكون له هذه العظمة وهذا الخلود، ولكن هذا الخلود أيضاً قليل في حقه، بل أردف الرسول الأعظم قوله: (أحب الله من أحب حسينا وأبغض الله من أبغض حسينا) بحار الانوار للمجلسي: 43 / 261 / 1.
ثالثاً: فظاعة المأساة الحسينية: فطبيعة المأساة التي عاناها الإمام الحسين ( ع ) ومن كان معه والتي حصلت لعائلته بعد قتله كان سبباً مهماً لخلود هذه القضية العظيمة، فبعد انتهاء المعركة أمر عمر بن سعد الجيش أن يحزوا كل الرؤوس عن جثث القتلى، وأمر كل قبيلة أن تأخذ حصتها من الرؤوس التي شاركت بقتلها، حتى إذا دخلوا على ابن زياد ويزيد عرف صنيع كل قبيلة، وبالفعل أخذت تلك القبائل تحمل على أسنتها تلك الرؤوس الشريفة، ويروى أن قبيلة من القبائل لم تحصل على رأس فاحتجوا على ابن سعد، كيف نثبت مشاركتنا إذاً في الحرب فبحثوا حتى إذا لم يصلوا إلى نتيجة تذكر، احدهم قال: ألا تذكرون أن طفلاً رضيعاً للحسين قد ذبحناه على صدره فقال احدهم: أنا رأيت الحسين وهو يحفر خلف الخيمة بقائم سيفه فحفروا خلف الخيام حتى عثروا على جثة عبد الله الرضيع واحتزوا رأسه، هل تجد مثل هذه الأحداث المروعة في قضية أخرى غير واقعة كربلاء؟! إنها قضية تحرك الوجدان والضمير الإنساني في كل زمان ومكان.
فالأمور التي خلدت واقعة الطف كثيرة ومتعددة، فبالإضافة إلى ما ذكر فإن الشخوص الأفذاذ الذين اشتركوا في واقعة الطف سواء كانوا من أهل بيت الإمام الحسين عليه السلام أم من أنصاره الأوفياء، فإن تلك الفتية التي آمنت بربها فزادهم الله هدى ليس لهم مثيل لا في زمن الرسول (ص) ولا في زمن الإمام علي (ع) ولا في زمن بقية الأئمة الميامين ولا في زمن الغيبة حتى يظهر الله القائم ليأخذ بثارات الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، وكذلك المبادئ التي كانوا يحملونها فهي مبادئ سامية ومناقبيات راقية وأخلاقيات منقطعة النظير قلما تجد لها محاكيا في الثورات الإصلاحية.
وكل أمة تتطلع إلى العزة والكرامة والمنعة فهي تنجذب تلقائيا نحو ثورة الحسين، فهي النموذج الحي والناصع لكل ثورة إصلاحية مادامت الحياة قائمة، وأن فيها من عوامل ومقومات الخلود والنجاة من ربقة الاستعمار والظلم ما لا يوجد في غيرها من الثورات، وأن في شخص الحسين عليه السلام من البركات والمحبة في قلوب المؤمنين ما لم تجد تلك المحبة حتى في الأم حيال ولدها والزوج حيال زوجته والعاشق حيال معشوقته، فهذه الأمور ربما تكون فاعلة في الظروف الطبيعية أما إذا ما تزاحمت مع الثورة الحسينية وشخصية الإمام الحسين نجدها هباء منثورا كما حصل في واقعة الطف من مواقف عابس وأم وهب والقاسم عليه السلام.
وكما يحصل حاليا وبعد مرور حوالي 1400 عام على ثورته الخالدة نلمح الحشود المليونية الزاحفة نحو قبر الامام الحسين وأخيه ابي الفضل العباس عليهما السلام وسائر الشهداء في مأساة كربلاء للتزود من نميرهم الفياض، نجد تلك الحشود من مختلف الأعمار والبلدان والأجناس كلها تروم زيارة قبره وتنادي بصوت واحد (يا حسين) لا تعبأ بحرارة الجو أو برودته ولا تمل من الانسياب السنوي المتكرر لتجديد العهد والولاء والوفاء لإمامها، وتتحدى في بعض الظروف المصاعب والآلام وربما القتل والتعذيب، وعلى الرغم من كل ذلك فالأمواج البشرية المتدفقة تزداد سنة بعد أخرى، لا يزيدها طوارق الزمان إلا تمسكا وإصرارا على السير في نهجه الخالد، هذه العلاقة هي علاقة فريدة من نوعها إن دلت على شيء فإنما تدل على خلود الأشخاص الذين بذلوا مهجهم لاستنقاذ الناس من الجهالة وحيرة الضلالة كما جاء في زيارة الأربعين وجسدها الإمام الحسين عليه السلام خير تجسيد.