- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل سيحرق المصحف الشريف من جديد؟؟
بقلم:علي الخفاجي
هي ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، ففي تاريخ المسلمين ما يندى له الجبين وتقشعر منه الجلود وتحزن له القلوب، وحرق المصحف الشريف أو تمزيقه أو انتهاكه بكل أنواع الهتك ليس جديداً، وهنا لانريد التقليل من ردود الفعل التي قامت بها الشعوب الإسلامية والأنظمة والمنظمات والمؤسسات الدينية، فما قامت به مطلوب وإجراء طبيعي لفعل لا يحتمل السكوت، كما أنَّ من يقوم بهذا الهتك لاخلاف في الشريعة على استحقاقه لأقصى درجات العقوبة لما يشكله من تجرؤ وتحدٍّ واستهتار لدين سماوي عالمي، ومعلوم أنَّ الأنظمة التي تبرر هذه الأفعال بأنها قانونية أو تحت ظل الحريات الشخصية ماهو إلا تناقض واضح للمواقف تجاه الآخرين، تقف وراءه كراهية موروثة ودعوى مزيفة.
وللوقوف على أسباب هذه الحوادث لابد من مطالعة التاريخ ابتداءً بصدر الإسلام إلى يومنا هذا، فلو رأيت ما قام به الخليفة الثالث من حرق المصاحف التي كانت بأيدي الصحابة لجمعهم على قراءة واحدة، سجل لنا التاريخ في هذه الحادثة أنها أول تجرؤ مبرر من وجهة نظر البعض، ذلك بأنَّ الناس بدأوا يختلفون في قراءاتهم فخشي الخليفة من تفشي اللحن، وهذا صحيح ومتوقع بسبب توسع رقعة الدين الإسلامي، لكن ماقام به من معالجة للظاهرة لم يكن حكيماً، فقد ذكر التاريخ أنَّ من الصحابة الذين اعترضوا عبد الله بن مسعود حيث رفض تسليم مصحفه للحرق، وأبي ذر الغفاري، حتى قال له أبو ذر: لا تكن أول من حرق كتاب الله فيكون دمك أول دم يهراق، وإذا كان البعض يقول إنَّ الصحابة كانوا متوافرون ومؤيدون لهذا الإجراء، فإنَّ من ذكرنا من المعترضين كانوا من أكابر الصحابة، أو يقول إنَّ الإمام علي عليه السلام لم يعترض، فنقول له إذا كان الإمام راضياً لِـمَ لَـمْ يُسلِّمْ مصحفه الذي تضمن هوامش ثرية عن أسباب النزول والتأويل وما يتعلق بالقرآن من علوم، وهو الذي لا يشق له غبار في رسوخه بالعلم، وإذا نقل لنا التاريخ شيئاً من مواقف دالة على رضاه عليه السلام، فخلاصة ما نقول بشأن التاريخ: ليس كل ما نقله التاريخ صحيحاً، كما ليس كل ما لم ينقله عن الشخصية يعدُّ تقريراً من تلك الشخصية على فعل ما، أي إذا لم ينقل لنا التاريخ اعتراض الإمام عليه السلام على مسألة الحرق فلا يعني ذلك تقرير منه، فلا يخفى على ذي بصيرة أنَّ الغالب على كتابة التاريخ هو إرادة السلطة وأتباعها، ونادراً ما كان هذا السِّفرُ حراً ونزيهاً، فما قام به عثمان بن عفان في حرق المصاحف لم يكن عاصماً له من النقد؛ خصوصاً مع وجود المعصوم، كما إنَّ شرعية إتلافه للمصاحف بالحرق، وإنْ كان فيها تفصيل عند المذاهب الإسلامية بين من يقول بالجواز إذا كان المصحف متهالكاً أو محرفاً، وعدم الجواز وذلك بإتلافه في البئر أو تقطيعه ودفنه وغير ذلك، وإنْ كان من يجوِّز إتلافه بالحرق لا تبرير له غير ما قام به عثمان، ولكن هنا يطرح سؤالان، الأول: إنَّ ما جمعه عثمان وحرقه، ألم يكن ينفع لو احتفظ به كموروث ومخطوط فيه من الآثار ما ينتفع بها الدارسون في ما بعد ولو من حيث الشكل؟ خصوصاً إنَّ الإيمان بصون القرآن من الاندثار والتحريف كان ولايزال عهدٌ من الله تعالى وأمرٌ داخل في إرادته التي لاترد ولاتبدل، ثم من كتب أو احتفظ بتلك الصحف ألم يكن صحابياً؟ وتقديس الصحابة على الإطلاق- مع أخطائهم- معتمد في ثقافة مدرسة الخلفاء؟!
والثاني: إنَّ المداد الذي كتبت به تلك الصحف، ألا يوجد مادة لمحو كتابتها؟! (وهنا لانريد الخوض في تفاصيل المواد الداخلة في صناعة المداد التي هي قائمة – بشكل عام – على محروقات حيوانية وزيوت ومواد مزيلة)، أو أن يقوم بتقطيعها ودفنها، أم أنَّ ذلك معضلة ليس لها حل إلا الإحراق! مع أنَّ ما حرق من مصاحف لا يعقل أنَّ كله كان محرفاً أو خطأً، بل كان جُلَّها مشتمل على ما نزل من آيات، ومعروف أنه يطلق على الآية والحزب والجزء والكل قرآن.
وإن كان التاريخ لا يورد كل حادثة، ولكنه ذكر في حوادث الانتهاك إقدام الحاكم الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك على انتهاك حرمة القرآن، فعندما فتح المصحف يوماً ووقعت عيناه على الآية الكريمة:((واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)) ألقاه من يديه ورماه بالسهام وقال:
تهددنــي بجبــار عنيــد فها أنا ذاك جبار عنيـد
إذا ماجئت ربك يوم حشر فقل يارب مزقني الوليد
وهو نفسه عندما أراد الحج، والحجُّ عند هؤلاء إعلامٌ وتحسينُ صورة ليس أكثر، أراد شرب الخمر على سطح الكعبة، والواقع إنَّ الانتهاكات ومحاولات الالتفاف على دولة الإسلام في هذه الحقبة التاريخية كان سببه العقلية القبلية الموروثة من الجاهلية؛ لأنَّ الإسلام صادر ما في أيديهم من مكاسب شخصية وجاء داعياً إلى التوحيد في العبادة والاعتقادات ومنادياً بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، فقد نقرأ مابين سطور التاريخ دلالات ومعطيات نعرف من خلالها أنَّ ما ذكر من حوادث قد تطَّرد ولا تخرج عن دائرة السنن التاريخية، فحوادث انتهاك حرمة القرآن الكريم ليست جديدة وقد تتكرر هنا وهناك لما تحمله من موروث، وبما يحمل أصحابها من عقلية مصادَرَة تدَّعي التحرر، أو تبرِّر فعلها لما يحصل في ما بين المسلمين أنفسهم أو في ما بينهم وبين بقية أتباع الأديان من صراعات، تدَّعي هذه العقول أنَّ النص القرآني يقف وراءها، في الوقت الذي فقدت هذه العقول المريضة وعيها في قراءة النص إنْ كان قرآني أو حديثي، وهذه مشكلة كبيرة لا تقتصر على الملحد أو على من ينتمي إلى غير الإسلام، بل قد تجدها عند المسلمين؛ وما صناعة داعش إلا نتاجاً للموروث التاريخي السيِّء لأجل تشويه روح الإسلام القائم على الدعوة إلى السلم والتحرر واحترام الآخر، ومن مبرراتهم تجاه القرآن الكريم ما ورد فيه من آيات القتال، فهم لم يفهمونها، أو يحاولون صناعة صورة مشوهة عن الإسلام من خلالها دون إجالة النظر في أسبابها الموضوعية وظروفها التاريخية، ومشكلة هؤلاء أنهم يحملون عقدة فهم النص، فهم لا يريدون قراءة القرآن قراءة واعية، وبالمناسبة هذه مشكلة كبيرة يشترك فيها الكثيرون، كما تتحمل مسؤوليتها المؤسسات والدور القرآنية، فإنه ليس من الصحيح أن يتم التركيز على الجانب الشكلي والصوتي للقرآن الكريم، وتقيم عليه المسابقات والبرامج، في الوقت الذي تقصر أو تغفل عن إقامة دروس ومحاضرات في الوعي والتدبر؟
إنَّ ما وقع اليوم من انتهاك للقرآن الكريم ما هو إلا انعكاس لماضي التاريخ الإسلامي في جانبه السلبي والمظلم، وليس في جانبه الإشراقي الذي تمثل بالسيرة الطيبة للنبي وأهل بيته صلوات الله عليهم ومن اتبعهم وسار بخطاهم.
وهناك من يستغرب ويتسائل لماذا لاينتقم الله سبحانه وتعالى في الحال ممن ينتهك حرمة كتابه العزيز؟ وهو في هذا يطلب المعجزة من الله سبحانه، وكأنَّ وقوع المعجزة هو الموقف البديل والمطلوب أمام هذه الانتهاكات، ولا يعلم أنَّ هذه الحوادث فتن واختبارات للمواقف، وأنَّ حصول المعجزة يخضع لسنن إلهية حكيمة يريد بها سبحانه إظهار حق أو إثبات رسالة نبي أو إنذار، وفي هذا نقول باختصار: إنَّ الله سبحانه لو اقتضت مشيئته أن يحقق لكل انتهاك معجزة، فما أكثر الانتهاكات في حقه سبحانه وتعالى وفي حق نبيه وأهل بيته وفي حق المقدسات ومنها كتابه المجيد، كما لا يقتصر انتهاك القرآن على تمزيقه وإحراقه، وإنْ كان ذلك عظيماً، ولكن يكون أعظم منه قتل النفس المحترمة بقراءة خاطئة للقرآن، وهذا ماقامت به داعش ومن على شاكلتها، وقد ينتهك البعض حرمة الكتاب العزيز بيمين كاذب به تكون ضحيته نفس بريئة أو يصادر فيه مال إنسان مظلوم أوغافل.
ثم لو حصلت المعجزة منه تعالى في كل انتهاك لرأينا الناس صرعى بالجملة صباح مساء، وبالمناسبة إنَّ الانتهاكات للمقدسات -إضافة إلى القرآن الكريم- كالكعبة المشرفة وأضرحة المعصومين وشخصياتهم كثيرة وهي تزداد يوماً بعد يوم بفضل تطور وسائل الاتصال، وتحكم شياطين الإنس بعقول الناس، فإنَّ الشياطين الحقيقيين نظَّروا بما فيه الكفاية، أما في حق الذات الإلهية فالكفر والنيل منها فحدِّث به ولاحرج.
أقرأ ايضاً
- هل ماتت العروبه لديهم !!!
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟