دق وزير البيئة ناصر ياسين منذ أيام ناقوس الخطر، عندما أعلن أنّ لبنان على أبواب أزمة نفايات جديدة في نهاية العام، إذ يحتاج إلى 120 مليون دولار لتشغيل المطامر وتأهيل معامل الفرز وتنظيم إدارة النفايات، ولم يتأمّن منها لحد الآن سوى مبلغ 40 مليون دولار فقط، ولكن لماذا مشكلة النفايات في لبنان تستمر بالظهور بين الحين والآخر؟ ولماذا لا تنتهي رغم صرف أموالا طائلة في هذا المجال؟
علّقت الأخصائية في الإدارة البيئية والعضو في ائتلاف إدارة النفايات في لبنان سمر خليل، خلال حديث خاص مع وكالة “شفقنا”، على كلام الوزير ياسين حيث وصفت هذا الواقع بالمزري، وأوضحت أنّ المشكلة بالأساس بدأت في العام 1997م عندما بدأ تطبيق خطة طوارئ بملف إدارة النفايات، وهي عبارة عن خطة طوارئ مرحلية كلفتها عالية، ليس فقط ماليا واقتصاديا بل حتى صحيًّا وبيئيا، منها المطامر البحرية التي لا ينصح بها ولها آثار سلبية كثيرة على البيئة، وهذه الخطط للأسف تمدّد كل فترة، فمثلا تقر خطة تتضمن أربعة بنود، ينفّذ بند وينسى أمر الثلاثة الأخرين، أو مثلا يكون القرار بإنشاء مطامر ومراكز للفرز والمعالجة، يكون العمل على أرض الواقع إنشاء المطامر ولا يستكمل إنشاء المراكز، أو تكون مراكز بقدرة استيعابية قليلة، بمعنى أنّه حتى هذه الخطط الطارئة تنفّذ بشكل سيء وجزئي ومستمر.
وتابعت خليل: “لحد الآن ليس هناك استراتيجية وتدابير للانتقال من تخطيط الطوارئ إلى تخطيط مستدام طويل الأمد مدروس فعليا، قانون إدارة النفايات أُصدر عام 2018م، وطُلب من وزارة البيئة تقديم استراتيجية خلال 6 أشهر، الوزارة حضّرت استراتيجية ونوقشت بشكل مقتضب مع المجتمع المدني وغيره، وسجّل العديد من الملاحظات ولكن إلى اليوم لم تقرّ ولم يجرى لها دراسة تقييم أثر بيئي استراتيجي ومازلنا نطبّق سياسات مجتزأة”.
في آخر دراسة نشرتها وزارة البيئة تضمّنت تقريرًا حول وضع البيئة في لبنان جاء فيه، أنّ هناك حوالي 36% من النفايات تطمر بشكل صحي – 20% إعادة تدوير – 44% مكبّات عشوائية، أي في لبنان هناك حوالي 1000 مكب عشوائي ترمى فيها النفايات دون أي معالجة إضافة إلى لجوء البعض للحرق، الأمر الذي يؤدّي إلى ملوّثات خطيرة ومسرطنة، تؤثر على الصحة العامة بسبب تنشق الهواء الملوث، عدا عن تلوث التربة والمياه الجوفية والسطحية التي نشرب منها أو تستخدم في ري المزروعات، وأيضًا تؤثر سلبًا على البيئة من حولنا، إذ تلحق ضررًا بالثروة السمكية والتنوع البيولوجي، بحسب خليل.
في لبنان 1300 بلدية لـ 5 ملايين مواطن والإصلاح في الملف صعب جدّا
وأضافت خليل: “كلفة التدهور البيئي من قطاع النفايات قدّرت بدراسة سريعة عام 2018م بقرابة ال 200 مليون دولار أو 0.4 من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا تقدير قليل، وبالتأكيد الرقم أكبر من ذلك بكثير لأن هناك معامل في بيروت وجبل لبنان مثلا ينتجون نفايات أكثر من نصف نفايات لبنان، وليس هناك عمليات فرز ولا تسبيخ بسبب تضرّر المعامل الموجودة بالكرنتينا، بسبب الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، وبالتالي نسبة التدوير في المعامل أصبحت أقل بكثير مما كانت عليه، أما بالنسبة للمعامل الموزعة في المناطق اللبنانية لم تعد تستطيع العمل بسبب ضعف قدرة البلديات المالية لتشغليها”.
هذا واعتبرت خليل أنّ مشكلة إدارة النفايات هي حوكمة أكثر من كونها تقنية، بسبب سوء الإدارة والفساد والزبائنية، وللموضوع الطائفي دور أيضًا في انتقاء المناطق التي سيتم فيها إنشاء مراكز المعالجة والمطامر الصحية، فلا نجد مطمرًا صحيًّا أختير موقعه على أساس علمي، لذا الإصلاح في هذا الملف صعب جدًّا، وقالت: “في قطاع النفايات هناك صراع دائم بين المركزية واللامركزية وهناك تشجيع على الأخيرة على الرغم من عدم معرفة ما هي لحد الآن، هل هي بلدية أو اتحاد بلديات أو قضاء أو محافظة ؟؟ كما أنّ البلديات اليوم لا تتقاضى مستحقاتها، وليس هناك ضريبة أو رسم على إدارة النفايات، ولا تستطيع تأمين كلفة معالجتها ونقلها ، للأسف في لبنان هناك 1300 بلدية ل 5 ملايين مواطن وهو أمر خاطئ يؤدي إلى الهدر وسوء الادارة ، ففي الأردن مثلا هناك 100 بلدية ل 9 مليون شخص فقط لا غير”.
وفي الختام نبّهت خليل إلى مسألة التخفيف من إنتاج النفايات قبل مسألة الفرز، وذلك عبر إعادة تصميم المنتجات والخدمات والاستعمال والتصليح إضافة إلى مسألة إعادة التدوير والتسبيخ، كل ذلك له أهمية وأولوية في هرم إدارة النفايات من موضوع الطمر والحرق، مشيرة إلى أنّ العلم اليوم متّجه نحو ما يسمّى بالاقتصاد الدائري أي كيف يمكن التخفيف من استخراج المواد من الطبيعة، مع إبقاء المواد الصناعية (من تغليف وتعليب) أكبر قدر ممكن في الدورة الاقتصادية بينما إعادة المواد إلى الطبيعة للاستفادة منها مجددا في المحافظة على التربة، معتبرة أنّ هرم إدارة النفايات يتطلّب أوّلا وضع قوانين وتشريعات.
أصبح معلوما أنّ ملف النفايات محكوم بالفساد والهدر وأوّل خطوة تكون على سكة الإصلاح هي إعادة النظر بالخطط الموجودة وتغييرها من مرحلية مؤقتة إلى علمية مستدامة، فهل يصل الصوت إلى المعنيّين لنجنب غرق شوارع لبنان بالنفايات؟
أقرأ ايضاً
- عشيرة قدمت (100) شهيد :عائلة لبنانية تروي قصة استشهاد ولدها "محـمد" المتميز منذ طفولته
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب
- قيادي بحركة امل اللبنانية :المرجعية العليا حمت العراق وهي التي تقود معارك التحرير من الدواعش