باتت الأحزاب الإيرانية الكردية المتواجدة في العراق، الشغل الشاغل للحكومة مؤخرا، بهدف التوصل إلى حل بشأنهم، لاسيما بعد تهديد الحرس الثوري بتجديد القصف قبل أيام، الأمر الذي دفع مستشار الأمن القومي العراقي، لإجراء زيارات إلى إقليم كردستان وطهران، ووفقا لمراقبين عراقيين وإيرانيين، فإن الهدف هو إبعاد هذه الأحزاب عن الحدود المشتركة بين البلدين ومنع قيامهم بأي نشاط يستهدف الجارة الشرقية، وهو ما تضمنه الاتفاق الأمني الموقع بين بغداد وطهران.
ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، إن "من أبرز بنود الاتفاقية الأمنية بين العراق وإيران، هو ضبط إيقاع الجماعات المعارضة، ومنها حزب بيجاك (الكردي المعارض لطهران)، وضبط السلاح وتدفقه وانطلاقه تجاه الأراضي الإيرانية، والأهم من كل ذلك، سيكون هنالك رفض لأن يكون العراق مسرحا أو ساحة لنشاط تلك الجماعات المسلحة، إضافة إلى رفض تعرض الأراضي العراقية إلى هجمات تحت ذريعة المعارضة دون الرجوع للحكومة المركزية في بغداد".
ويضيف أبو رغيف، أن "الحل الأمثل لهذه الأحزاب المعارضة هو ضبط إيقاع تواجدهم وعدم السماح لهم باستخدام السلاح المنفلت، أو أن تكون الأراضي العراقية منطلقا للعدوان على أية دولة جارة، لأن هذه الأعمال ستكون محفزة لطهران على استهداف العراق، وبذلك يبقى الأخير، ملتزما بأعراف الأمم المتحدة وحقوق الإنسان باحتضان اللاجئين وفق آليات وقوانين المنظمات الإنسانية والعالمية".
وكان مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، التقى يوم أمس الأثنين، نظيره الإيراني علي أكبر أحمديان، في العاصمة الإيرانية طهران، وبحث معه إجراءات المحضر الأمني الموقع بين العراق وإيران، وسبل تعزيز أمن البلدين وضبط الحدود، كما أكد الأعرجي عزم الحكومة العراقية على إدامة العلاقات وتمتينها بين بغداد وطهران، وعلى جميع المستويات.
يذكر أن الأعرجي، زار إقليم كردستان السبت الماضي، والتقى في السليمانية وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد، وبحث معه الإجراءات التي اتخذها الإقليم بشأن الاتفاق مع إيران.
يشار إلى أن مستشار الأمن القومي الإيراني السابق علي شمخاني، وقع مع الأعرجي، في آذار الماضي، وبحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اتفاقا أمنيا، يعد ثمرة مشاورات ثنائية استمرت لأشهر بين بغداد وطهران، بحسب بيان لمجلس الأمن القومي الإيراني، حيث من المفترض أن يسهم بتقليص واحتواء التحديات الأمنية.
وكان قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني محمد باكبور، قد طالب العراق يوم السبت الماضي، بطرد الجماعات المسلحة المعارضة لإيران والمتمركزة على أراضيه، وإلا فإن هجمات إيران ستستمر.. منوها إلى أن الاتفاق الأمني مع الحكومة العراقية يقتضي نزع سلاح الجماعات الإرهابية المتواجدة على أراضي هذا البلد ومغادرتها.
يذكر أن صحيفة "شرق" الإيرانية، كشفت يوم السبت الماضي، عن سر التوتر الأخير بين البلدين، والذي أدى لاستدعاء السفير العراقي في طهران، وذلك بفعل انسحاب القنصل الإيراني في أربيل من احتفالية الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي أقامها بمناسبة افتتاح متحف بارزاني الوطني في أربيل، وذلك بسبب حضور ممثلي أحزاب إيرانية كردية معارضة، الأمر الذي عدته طهران "فعلا استفزازيا".
كما لفتت الصحيفة الإيرانية، إلى أن وفدا رفيع المستوى مكونا من أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، حضر للقنصلية الإيرانية في أربيل، وكان يضم هوشيار زيباري وفاضل ميراني، للاعتذار عن دعوة هذه الأحزاب الإيرانية المعارضة للحفل، مشيرين إلى خطأ دعوتهم وأنها لم تكن لهدف معين.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي الايراني، حسن رويوران، أن "هناك اتفاقا بين إيران والعراق وقع قبل أشهر، ينص على أن يستقر الجيش العراقي في المناطق الحدودية ويمنع أي تسرب للأفراد المسلحين التابعين للأحزاب المعارضة في اقليم كردستان، وخصوصا حزبي كوملة وبيجاك، اللذين يدخلان الأراضي الإيرانية وينفذان عمليات إرهابية واغتيالات".
ويضيف رويوران، أن "هناك استحقاقات على العراق تكمن في استقرار الجيش على الحدود العراقية الايرانية من جهة إقليم كردستان، ولكن لغاية الآن لم يطبق هذا الاتفاق، رغم استمرار الخروق من قبل المجاميع الكردية الإيرانية"، موضحا أن "إيران تصر على قيام الحكومة العراقية بواجباتها تجاه تأمين الحدود من جهة الاقليم، كما ان الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني أيضا لهما مسؤولية في هذا الإطار، لكنهما يستقبلان هذه الأحزاب، وهذا الأمر يشير إلى أن الحزبين لم يقوما بواجباتهما رغم الوعود التي قطعاها".
ويلفت إلى أن "إيران لا تملي على العراق اعتقال هؤلاء ولا طردهم، فهذه قرارات سيادية خاصة بالعراق، ولكنها تطلب تأمين الحدود، وهذا من ضمن الاتفاق المبرم".
جدير بالذكر، أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أعلن سابقا، أن إيران لن تتهاون بشأن أمنها الحدودي، وسترد على تهديدات الجماعات الانفصالية في كردستان العراق، و"سندافع عن أمننا القومي.. لذا فإن القصف الصاروخي الذي طال المناطق الشمالية من العراق يأتي في هذا الإطار.. وأن حكومة إقليم كردستان تعهدت لنا ولأكثر من مرة بضبط حدودها، لكنها لم تنجح في ذلك.. وأن الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية منع زعزعة أمننا من داخل أراضيها".
وتعرض إقليم كردستان نهاية شهر أيلول 2022، إلى قصف بـ73 صاروخا، بالإضافة إلى طائرات مسيرة، استهدفت مقار الأحزاب الإيرانية المعارضة في الإقليم، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصا وإصابة 58 آخرين، كما سقطت بعض الصواريخ قرب المدارس ما تسبب بحالة من الهلع لدى الأطفال.
من جانبه، يرى المحلل السياسي كوران قادر، أن "للإقليم خصوصية وقوانين خاصة داخل الدولة العراقية، هو ما سمح لتلك الأحزاب الإيرانية المعارضة بالتواجد على أراضيه، ولكننا لم نلاحظ أي نشاط مسلح أو شبه مسلح بالقرب من الحدود الإيرانية العراقية أو تسلل عناصر هذه الأحزاب للأراضي الإيرانية".
ويتابع "بين فترة وأخرى تحدث اضطرابات داخل إيران، ومهما كان سببها، فإن الحكومة الإيرانية ترجع اسباب اندلاعها الى وجود هذه الأحزاب، لكونها تشجع على هذه الاضطرابات، فضلا عن أنها تعمل كمعارضة للنظام السياسي الإيراني القائم"، مبينا أن "الحل الأمثل مع هذه الأحزاب يكمن في التعاون بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الإقليم والحوار مع تلك الأحزاب وإبعادها قدر المستطاع عن المناطق الحدودية وإرضاخها إلى اتفاقات أو شروط مقابل بقائها داخل الأراضي العراقية، سواء كانت داخل الإقليم أو خارجه، وأن لا تمارس النشاط العسكري، وبهذا تستطيع الحكومة العراقية، أن تحمي نفسها عبر ضمان عدم تنفيذ هذه الأحزاب لأي تجاوز على الأراضي الإيرانية".
وكانت وسائل إعلام إيرانية، ذكرت في شهر تشرين الأول الماضي، أن الحرس الثوري الإيراني أعلن عن توقف هجماته بعد تدمير الأهداف المحددة، وأن استمرارها سيكون منوطا بالسلوك المستقبلي لسلطات إقليم كردستان العراق، مضيفا "إذا اتخذ الإقليم قرارا معقولا وأوقف شرور الجماعات الانفصالية والمناهضة لإيران، فإن وقف إطلاق النار هذا سيستمر، وإذا لم يحدث ذلك فإن الحرس الثوري سيستأنف عملياته".
ويضم حزب بيجاك الإيراني المعارض، جناحا سياسيا وآخر عسكريا على غرار نظيره التركي حزب العمال الكردستاني، ويسمى الجناح العسكري "قوات شرق كردستان"، فضلا عن أن قناعته تتمثل بإقامة نظام سياسي علماني وديمقراطي في إيران، يمنح الأكراد حكما ذاتيا في المحافظات الغربية، وحقّ إنشاء الأقاليم للقوميات الإيرانية غير الفارسيّة الأخرى مثل الآذريّين والعرب، إلى جانب مساحة أكبر من المساواة بين الجنسين، وذلك وفقا لأدبيات الحزب.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟