- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِيهِ مَا يُرْضِيكَ، وَ أَعُوذُ بِكَ فِيهِ مِمَّا يُؤْذِيكَ، بِأَنْ أُطِيعَكَ وَ لَا أَعْصِيَكَ).
- الدعاء المبارك يشتمل على ثلاثة أمور سنتكلم عنها تباعاً بتوفيق الله وعونه:
- الأمر الأول: تحصيل رضا الله تعالى: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِيهِ مَا يُرْضِيكَ). يتحقق رضا الله عزوجل في كل أمر دعى لامتثاله من قبل العبد وفق مناطات المصلحة كالصلاة والصيام والحج... وبمقتضى العبودية وحق الطاعة لله تعالى أن يسعى الإنسان لامتثالها، وبالتالي يكون امتثالها من قبل العبد هو عمل مرضي لله تعالى.
وبخلاف ذلك أي عدم الإمتثال لطاعة الله عزوجل يكون عدم الرضا الإلهي عن العبد وهو يتمثل بمصاديق وأهمها هو الإعراض عن الله تعالى وارتكاب المعاصي، هي أعمال تضاد رضا الله عز وجل، والفسق مصداق آخر لعدم حصول الرضا الإلهي: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ). وأهم موجبات رضا الله تعالى:
١- تزكية النفس: فعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه).
٢- التقوى: وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً: (وأوصاكم بالتقوى، واجعلها منتهى رضاه).
٣- رضا الوالدين: حيث قال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): (يا علي رضا الله كله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخطهما).
٤- قضاء حوائج المؤمنين: حيث أنها تكون أيضاً من موجباته تحقيق رضا الله تعالى، وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ: (يَا ابْنَ جُنْدَبٍ، الْمَاشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَاضِي حَاجَتِهِ كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ، وَمَا عَذَّبَ اللَّهُ أُمَّةً إِلَّا عِنْدَ اسْتِهَانَتِهِمْ بِحُقُوقِ فُقَرَاءِ إِخْوَانِهِمْ). وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: (إن لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة).
- الأمر الثاني: أذى العبد لله: (وَأَعُوذُ بِكَ فِيهِ مِمَّا يُؤْذِيكَ)،
الأذى هو حالة انفعالية يمر بها الجسم المادي، فالإنسان يتعرض لحالات الإنفعال والهيجان ويتأثر بها، أما الله عزوجل فهو منزه عن مثل تلك الإنفعلات لأنه ليس محلاً لها.
وعليه لابد من توجيه الأذى الوارد في القرآن الكريم وفي الروايات بشكل لا ينافي الصفات الإلهية المقدسة وأنه تعالى منزه عن ذلك، فالأذى هو غضب لله وسخطه كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا). وأهم موجبات هذا الأذى هو المعاصي وتعدي حدود ألله فمن يرتكب الكبائر من الذنوب يكون سبباً لغضب الله تعالى، فأذية النبي هي أعظم المعاصي، وقد ورد التشريك في فعل الأذى بين الله عزوجل وبين النبي (صلى الله عليه وآله) في الآية الشريفة هو في حقيقته تشريف للنبي (صلى الله عليه وآله) بأن إلحاق الأذى بالنبي هو أذى لله تعالى، وبالتالي يكون سبباً لنزول الغضب الإلهي وسخطه. وأيضاً ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) للزهراء (عليها السلام): (من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله).
- الأمر الثالث: توفيق الطاعات: طاعة الله عزوجل واجتناب المعاصي هي توفيق من الله للعبد، وأن الطاعة هي قوام الدين ولا دين للإنسان دون هذه الطاعات والتي تكون من خلال الممارسة العبادية التي أمر بها الله تعالى، وأن هذه الممارسة بأدائها بشكلها المأمور به شرعاً هو في حقيقته توفيق للعبد على إتيانها على أحسن وجه (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ)، وهذا هو الطرف الأول للعبادة، وأما الطرف الآخر هو امتثال النهي أي اجتناب ما نهى عنه تعالى، لأن العبادة متقومة بهذين الأمرين ولا يمكن أن يأتي الإنسان بأحدهما ويترك الآخر، كأن يصلي ويصوم مثلاً وهو يغش أو يزني والعياذ بالله أو يغتاب الناس أو يسمع الغناء أو يشاهد الأفلام المحرمة....(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وهذا الخلط صورة من صور الإنتكاسة المعنوية عند الإنسان فلنسع على أن نقيم ديننا بأحسن وجه، بأن نأتي بكل ما أمر الله تعالى به، ونتتهي عن كل ما حرمه الله تعالى.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر