- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الرابع من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم قوني فيه على إقامة أمرك، وأذقني فيه حلاوة ذكرك، وأوزعني فيه لأداء شكرك بكرمك).
في هذا الدعاء ثلاث محطات سنتوقف عندها تباعاً:
- المحطة الأولى: إقامة أمر الله: وردت لفظة الإقامة في القرآن الكريم وموضوعها تارة هو الصلاة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاة) و(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) و(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).. وهكذا، وهي جزئية من جزئيات الدين الإلهي، بينما نرى في آية أخرى إن موضوع (أقيموا) هو الدين (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وهو أوسع من الأول (الصلاة)، والإقامة هو إتيان الشيء بشكل أوسع وبصورة كاملة، ويعني الإستمرارية في إتيان الشيء والمحافظة عليه وعلى وجوده، فإقامة الشي غير إتيان الشيء، لذا لم يقل تعالى في القرآن: (يؤتون الصلاة، أو اتوا الصلاة..) بل قال (أقاموا، يقيمون، أقيموا) و هذا معناه: هو المحافظة عليها بوجودها التحقيقي في عالم الواقع واستمراريتها في حياة الإنسان، وكذلك: (أقيموا الدين..) أي تحقق وجوده والمحافظة عليه وعلى استمراريته في حياة الناس، لذا نخاطب الإمام الحسين عليه السلام في أدبيات الزيارة: (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ). أي أنه أتى بالدين بشكله الكامل وحافظ عليه وابقاه حياً ومتجذراً في حياة الأمة. وأمر الله هي فرائضه تعالى وهذه الفرائض تحتاج إلى امتثال من العبد كي تتحقق، ولابد لها من التوجه والإرادة والعزيمة والقوة، لذا جاء في دعاء كميل لأمير المؤمنين عليه السلام: (قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحي وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي).
- إذن الدعاء يربينا على إقامة أمر الله عز وجل وأداء فرائضه وأن يلهمه تعالى القوة ويمده العون لذلك.
- المحطة الثانية: تذوق حلاوة الذكر: القرآن الكريم أحياناً يستعمل المعاني التقريبية للذهن البشري من قبيل, المعقول يقربه بالمحسوس لغرض استيعاب الذهن البشري له، وهنا يقرب لنا بأن لذكر الله عز وجل طعماً خاصاً عندما يتوجه اليه العارفون بصدق وإخلاص فتعرج أرواحهم الى عالم الفيض الإلهي بعيداً عن عالم المادة وعالم المحسوسات، وحينها يشعر الإنسان بلذة اللطف الإلهي والقرب منه تعالى، واستشعار عنايته ورحمته، هذا الذكر يكون محفوفاً بحلاوة لا يجدها إلا من تذوقها فنقرأ في دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام: (أنت الذي أزلت الاغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك)، وقال عليه السلام أيضاً: (يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين)، هذه هي حلاوة الذكر واثرها في علاقة الإنسان بربه تعالى، أما من يتجرد عن هذه الحلاوة فلا يجد لها طعماً بل تكون عنده مجرد حركة لسان فقط والعياذ بالله تعالى.
- المحطة الثالثة: أداء شكر النعمة: أوزعني: أولعني في شكرك يا إلهي، أي ترغيب وزيادة في فضيلة الشكر والثناء على نعمه المتتالية على عباده من خلال ذكر إحسانه وعرفان النعمة وإظهارها، وقد قال علماء الكلام: أن أول دوافع معرفة الله عز وجل هي شكر المنعم، فالشكر طريق ممهد لمعرفة الله. وقد دلت روايات كثيرة على وجوب شكر المنعم، منها ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (لو لم يتواعد الله عباده على معصيته، لكان الواجب ألا يعصى شكراً لنعمه). فالدعاء يعلمنا: أن نكون في حالة المزيد من الشكر على نعمه وآلاءه التي لا تحصى.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر