حجم النص
بقلم:سالم مشكور
"أنسنة الاعلام" مصطلحٌ جرى تداوله خلال العقد الأخير، وقد بات مطلباً يرفعه الكثيرون في الساحة العربيّة. المقصود منه وضع الإعلام الوازع الإنساني أمام الاعتبارات الأخرى. السياسيَّة والدينيَّة والعرقيَّة والاقتصاديَّة، التي لا يجوز أن تطغى على المسألة الإنسانيّة مهما كانت الاسباب. للإعلام وظيفة إنسانيَّة كبرى لا يجوز إغفالها. وتعدّ "أنسنة الإعلام" الوجه الآخر لموضوع المسؤوليَّة الاجتماعيَّة للإعلام، الذي تبلور في الغرب كنظريَّة بهذا الاسم قبل سبعة عقود تقريبا. بل إن "الأنسنة" قد تتعدى مفهوم المسؤوليَّة الاجتماعيَّة كامتناع عما يضرّ بالإنسان، الذي هو لبنة المجتمع، إلى مواجهة الإعلام لاتجاهات التطرف والعنف الاجتماعي العرقي والديني والطائفي والعشائري.
ووقوف الإعلام في صف الإنسان أينما كان، باعتباره من واجباته ووظائفه ومسؤولياته، أن يوصل الإعلام الرسائل الصادقة والموضوعيَّة والحقيقية للمواطن، وأن يرى المسائل بعيونه، على اعتبار أن الإعلام له وظيفة مجتمعيَّة في إدارة المجتمعات لما فيه خدمة المواطنة الفاعلة.
لقد شهدنا خلال عقد ونصف مضى ضلوع وسائل إعلام في عملية إبادة جموع بشريَّة، من خلال اشعال الفتن والنفخ في نار النزاعات الطائفيَّة والعرقيَّة، انتهت بتدمير مدن بأكملها، وتهجير أهلها في ظروف إنسانيَّة قاسيَّة. هناك إعلام ينفخ في نار الحقد ويشحن النفوس بالكراهية، موفراً البيئة المناسبة للصراعات واراقة الدماء. كل ذلك وراؤه سياساتٌ وأهدافٌ سياسيَّة أو اقتصاديَّة تستثمر في ضعف الوعي وتجاوب الأفراد مع خطاب هذه الوسائل، دون تفكير في ما ورائها. بينما الإعلامُ المؤنسنُ فهو الذي يبني الإنسان ويصوغ تفكيره ومنهج تعامله مع الوقائع، فهو الذي يشجع الفرد على إبداء رأيه والدفاع عن حقه في ذلك، وبالتالي يكون مرشداً للجمهور في تكريس الفكر الديمقراطي.
وإذا كان الانتقال إلى البث الفضائي أحدث نقلةً كبيرةً في عملية نشر المعلومة إلى أوسع شريحة من المتلقين خلال تسعينات القرن الماضي، فإن التطور الكبير في تقنيات الاتصال وظهور الاعلام الالكتروني، وبضمنه وسائل التواصل الاجتماعي، كان بمثابة ثورة في عالم المعلوماتيَّة.
وبغض النظر عن الجدل القائم حول اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي إعلاماً جديداً أو لا، فإن المتفق عليه أن هذه المنصات باتت الوسيلة الأوسع انتشاراً في نقل المعلومة وبالتالي الأكثر تأثيراً في المجتمع. وفي إحصائية أجراها معهد دولي متخصص قبل ثلاث سنوات ظهر أن ٧٠ بالمئة من سكان بغداد مثلا يستقون معلوماتهم من الانترنت وبشكلٍ رئيسٍ من وسائل التواصل الاجتماعي. أما اليوم فإن هذه النسبة قد زادت بشكل كبير.
واذا كان الاعلام الجديد يشمل في جانب منه إيصال مضمون وسائل الاعلام التقليدي في اطار التقنيات الحديثة، وحيث إن هذا الإعلام يمكن التحكم بمضومنه باتجاه أنسنته فإن الشقَّ الآخر المتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي المتأتي من النشر الفردي غير الخاضع للضوابط، يعاني مشكلة صعوبة التحكم بالمضمون، وهنا تبرز ضرورة وضع سياسات رسمية وإجراءات تمنع التأثيرات السلبيَّة للنشر الالكتروني على الأفراد والمجتمع.