أمي لا يقرأ ولا يكتب لكن روحه تعلقت بالحسين (عليه السلام) وسكن حبه في قلبه، فاصبح الشعر يجري على لسانه بايحاءات وفيوضات وبركات حسينية، ورغم انه مظلوم اعلاميا ولم يسلط عليه الضوء، ورغم انه توفى وهو في العقد الرابع من عمره، الا ان الله سبحانه وتعالى ميزه بكرامة تخليد احدى قصائده وهي قصيدة "اهز مهدك يا عبد الله" التي اصبحت ايقونة حسينية تقرأ كل عام في التاسع من المحرم وفي اكثر من مجلس عزاء حسيني داخل وخارج العراق، وحتى الآن جمع ابنائه من تراثه خمسة وستون قصيدة حسينية منها عشرون قصيدة مسجلة باصوات رواديد خالدين، من هو سعيد الهر الكربلائي وماهي حياته وماهي الرؤيا التي بلغته بموته ولماذا دفن في عتبة احد ابواب أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) تجدها في هذا اللقاء مع اولاده.
اصل عائلته
قال ولده عباس سعيد الهر لوكالة نون الخبرية، ان "والدي هو الشاعر الحسيني الشيخ سعيد ابن شيخ علي ابن شيخ صادق الهر الخفاجي انحدر من عائلة دينية ملتزمة ومعروفة على مستوى محافظتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، لان جدنا شيخ علي كان يدرس القرآن وابوه الشيخ صادق كان طالب حوزوي ونحن من سكنة منطقة باب الطاق في كربلاء المقدسة وكان والدنا منذ شبابه مولع بحب الإمام الحسين واهل البيت(عليهم السلام)، ولد الشاعر سعيد الهر الكربلائي في كربلاء عام 1930 ميلادية وكان أمياً ولكن له امكانية في تأليف القصائد الحسينية بطريقة هي اقرب للالهام ولم يكتسبها عن دراسة او علوم، وتحضر في خاطره القصيدة فيطلب من اي شخص يعرفه من المتعلمين ان يكتبها له على الفور، وتتكون عائلتنا من خمس اولاد اثنان ذكور وثلاثة اناث وانا اكبر الاولاد ومن بعدي اخي قاسم وشقيقاتي ثلاثة توفت منهن واحدة وبقيت اثنان على قيد الحياة".
اشهر قصائده
وعن اشهر قصائده التي منذ انطلاقتها والى الآن تقرأ في يوم التاسع من محرم على المنابر "اهز مهدك يا عبد الله" يقول كان عمري عشر سنوات وكنت طالبا في الصف الرابع الابتدائي وجئت من المدرسة وما ان دخلت البيت حتى رحب بي وخاطبني "بوية ما دام جيت تعال تعال ...اكتب اكتب ... وهنا خنقت ولده عباس العبرة وهو يتذكر كيف اخرج الورقة والقلم ليكتب ما يملي عليه والده من ابيات شعرية.... "اهز مهدك يا عبد الله...واعاين للمهد خالي ..يابني وثمر دلالي.. يا عبد الله سهرت برباك .. يللي رباك هدمني.. ياعبد الله جنت ارجاك ..لدهري ولكبر سني" .. وصاحب ترديد والده لابيات القصيدة بكاء بحرقة لم يره منه سابقا، وكتبت ما اراد تقريبا ثلاثة ابيات ومن عادته يوميا بعد انهاء العمل اللقاء بالرادود حمزة الزغير في محله في او مقهى فاضل وتار قرب ساحة العلقمي واخرج ما كتبته له، ويقوم الاستاذ عماد الذي يعمل كاتبا في التسجيل العقاري وخطه مميز ومرتب وكان يعيد كتابة القصيدة بشكل اوضح لان امكانيتي بالكتابة محدودة كوني طالبا في الابتدائية، واكملت القصيدة بين والدي وعماد عصر نفس اليوم، وهي القصيدة التي خلدته كما خلدت قصائد اخرى شعراء آخرين مثل الشاعر مهدي الاموي الذي خلدته قصيدة "احنه غير حسين ما عدنه وسيلة" وكاظم منظور بقصائد الميمون وشلون ليلة وغيرها وهي عصارة خدمتهم للإمام الحسين (عليه السلام)، واول مرة قرأت فيها قصيدة (اهز مهدك يا عبد الله) كانت عام 1970 بصوت الرادود حمزة الزغير كانت في موكب عزاء باب السلالمة وكان والدي حاضرا فيها ولدينا تسجيل لتلك القراءة وبعدها توفى والدي".
حياة الشاعر
يكمل ابنه الثاني قاسم الحديث عن حياة والده الشاعر والعائلة والمعيشة ويشير الى وكالة نون الخبرية بالقول "اتذكر انه كان يخرج بعد صلاة الفجر الى المجزرة في منظقة البهادلية ويشتري رؤوس الغنم المذبوجة (الباجة) ويأتي بهن الى محله لتنظيف رؤوس الباجة في شارع ابن الحمزة مقابل منطقة الدهانة وبعد اكمال تنظيفها يقوم بتحميلهن على دراجته الهوائية التي نصبت فيها سلتان لحمل الاغراض امامية وخلفية ويقوم ببيعها الى مطعم حجي اسماعيل الباججي في بداية شارع علي الاكبر قرب محل جليل شنطوطة ابو الدوندرمة وكانت تباع بدراهم معدودة، وكنا نسكن في منطقة البازول الممتد من ناحية الحسينية والتي تسمى الآن شارع ميثم التمار، وكانت مساحة بيتنا البسيط اربعون مترا، وكان يرجع للبيت ظهرا ويصلي ويتناول طعامه ويرتاح ليذهب عصرا الى ليلتقي بحمزة الزغير ومجموعة الشعراء والرواديد في احد المقاهي، ولان علاقاتهم اخوية واخلاقهم مميزة، جاء الى بيتنا الرادود حمزة الزغير في احدى الايام وطرق الباب وسألني عن والدي فقلت له انه خارج الدار فقال لي افسحلي مجال لاصعد على سطح الدار لانه يعلم ان بيتنا صغير جدا وصعد الى السطح وكانت (الناركيلة) لا تفارقه وطلب مني ان ابلغ والدتي بحرق الفحم ليدخن الناركيله وبالفعل احرقناه ودخن نركيلته وبعدها بدقائق جاء والدي والتحق به بسطح الدار وجلسا يتناقشان بقصيدة حسينية وحمزة يردد ابيات منها على احد الاطوار".
شعراء ورواديد
يعود ولده عباس لبيان مدى العلاقة الحميمية بين ذاك الجيل من الشعراء والرواديد ويؤكد ان "علاقة والده الشاعر سعيد الهر بهذه الاجواء متواصلة وعلاقاتهم حميمية وكأنهم اخوة وليسوا اصدقاء، وكانت لقاءاتهم اما في محل حمزة الزغير الذي كان يعمل (اوتجي) او في مقهى فاضل الوتار ومن ثم تطورت العلاقة واللقاءات وكان الملتقى في جمعية النهضة التي كان مقرها في مرقد ابو الفهد الحلي وكانوا يتدارسون الاطوار والقصائد وكان يصاحبه الشاعرين كاظم منظور الكربلائي ومهدي الاموي وقبلها كان يلتقي معهم الشيخ كريم ابو محفوظ وعبد علي الخاجي وحمزة السماك وعبد علي شهاب وملا جليل عبد الامير وحسين التريري وعودة ضاحي التميمي، ومن قصائده المشهورة ايضا قصيدة (برهان السفارة ..ودستور الامارة) و(مسلم بيوم المنية.. ثار ثورة عالمية) و( اصبرلهه واسنط الهه.. الدنيا مادامت لاهلهه) و(يا راعي العدالة.. مريوده الكفالة) و( زينب من شرف جدها شرفها ..زينب حير العالم وصفها) و(زينب يل تنشدوني عليهه..زينب بالخرابة مأسريهه) و(هاك صرخة فاطمة تصيح ضلعي..بعصرة الباب انكسر ..هله هله شهل خبر) وغيرها الكثير".
وفاته وحادثة قبلها
ويروي ولده عباس حادثة حصلت بينه وبين والده قبل وفاته بأيام وهو ابن الاعوام العشرة ما زالت راسخة في ذهنه حيث شاهد والده رؤيا في منامه وكأنه يخرج من باب قبلة الإمام الحسين (عليه السلام) وكانت امرأتان كانتا تقفان عند الباب فصاحت عليه احدى النساء (سعيد .. تهيأ للسفر معنا) وعندما فز من نومه عرف الاشارة التي وصلته من السماء وعلم انه راحل من هذه الدنيا وفي اليوم الثاني اجلسني وحملني مسؤولية كبيرة وقال لي (اسمع بوية اني مطلوب لفلان كذا مبلغ ..ومطلوب لفلان كذا مبلغ.. ومطلوب للجايجي الفلاني كذا مبلغ انت تدفعهن عني وتبري ذمتي وكانت كلها بالفلسان والدراهم) فاستفسرت منه عن سبب تحميلي هذه المسؤولية فاخبرني افعل ما قلته لك لان سأموت قريبا، وكان عمره حينها (41) عاما، ومن ثم اصطحبني الى مرقد الامام الحسين (عليه السلام) وجاء الى باب الشهداء وتخطى العتبة الاولى ثم الثانية وتوقف عند الثالثة وعهد الي بامر لم افهمه فقال لي (اريد منك تدفني هنا بهذا المكان) فدمعت عيناي وقلت له لماذا تقول هذا الكلام فاعاد علي الكلام افعل ما اقوله لك ولا تناقش،(آنه من اموت اريد اهنا تدفني) فقلت له لماذا تريد الدفن هنا والناس تدفن موتاها في الوادي فاجابني بجواب صادم لم استوعبه حينها ( كال اريد عزه طويريج يدبج على صدري) وبعد ثلاثة ايام توفى دون ان يصاب بمرض او يشعر بالم وكان قبلها بساعات يمازح اخي الصغير، ونادتني امي وقالت تعال لابيك فحاله غريب، واستنجدت بجارنا عجمي عطية البهادلي وهو مضمد فاخبرنا بان والدنا توفى الى رحمة الله".
وصيته وقبره وتراثه
وعن وصيته ومكان دفنه يتابع عباس سرد قصة ابيه بالقول " عندما توفى والدي كان الدفن ممنوع في ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) ولكونه شاعرا وخادما حسينيا وله مكانه بين الناس والعشائر والوجهاء جاء امر من محافظ كربلاء حينها شبيب المالكي بعدما علم بوصية والدي بأن يدفن في العتبة الثالثة من باب الشهداء في ضريح سيد الشهداء أبي عبد الله (الحسين)، وعن جمع تراثه يتناول ولده قاسم اطراف الحديث ويقول "عملت في السنوات الاخيرة على جمع ما يمكنني جمعه من قصائد حسينية لوالدنا الشاعر سعيد الهر الكربلائي سواء المكتوبة او المقروءة من قبل الرواديد، فتمكنت ومن خلال الاقارب والاصدقاء والمعارف من جمع (65) قصيدة للشاعر سعيد الهر ومنها (20) مسجلة بصوت الرواديد حمزة الزغير وحسين التريري وابو منتظر محمد حمزة، وما لفت نظري بشعر والدي انه شمولي لمصائب اهل البيت والامام الحسين (عليهم السلام) بل تعداهم الى اصحاب ابي عبد الله مثل حبيب ابن مظاهر الاسدي والتي قال بها (من ساعة التكوين راية وباسم الحسين ... حبيب الملتزم بيهه تحييه ويحييهه) وكتب قصيدة عن الحر الرياحي، واعمل على رفد المكتبة بديوان شعري له، ودعا اولاد الشاعر سعيد الهر الكربلائي عبر وكالة نون الخبرية جميع المهتمين بالشعر الحسيني والقصائد ممن تتوفر لديهم قصائد الشاعر سعيد الهر او تسجيلات لرواديد يقرأون قصائده بتزويدهم بها ليتمكنوا من جمع تراثه".