بقلم: عادل الموسوي
للكثير منّا مشاهدات وملاحظات لمواقف وتصرّفات في رحلاتنا اليومية عبر وسائط النقل العام (الكوسترات والكيّات).. بعضها لطيف وآخر طريف وآخر مؤسف وسخيف..
أُحاول أن أستعرض بعضاً منها مع قصة قصيرة، وأزعم من ذلك أن أُقدّم بعض النصائح والتحذيرات، بهدف إلفات النظر والتنبيه إلى ضرورة الإهتمام بأدب يمكن أعتباره خاص بمركبات النقل العام.
نماذج..
تعجبني ظاهرة إلقاء السلام عند صعود الراكب..
ويعجبني صوت القرآن -متوسط الإرتفاع- صباحاً..
بعض السائقين يعرض دعاء الصباح صباحاً، أو دعاء كميل ليلة الجمعة..
قبل أيام عرض أحدهم محاضرة دينية أخلاقية للشيخ حبيب الكاظمي..
المهم من كل ذلك أن لا يكون الصوت مرتفعاً..
يعجبني أن يقول الراكب للسائق: "نازل.. وين ما يصير عندك مجال.."
ويعجبني قول السائق: "صار تدلل، أو بعيني، أو بالخدمة..".
أعجبني موقف لشاب إستبدلني مكانه الثابت بالجلوس على الكرسي المتحرك -بإعتباري "حجي" نوعا ما- وكفاني "الگومه والگعده" والنزول من السيّارة لفسح المجال لمرور الركّاب من المقاعد الخلفيّة..
يعجبني الركّاب الذين يسهِّلون أمر "تقبيطة" السيّارة، فيغيّرون أماكن جلوسهم بما يناسب الركّاب الوافدين (عجوز، شايب، رجّال ومرته، مره وبناتها..)
تعجبني مساعدة الركّاب في النزول والمساعدة في إنزال أمتعتهم (العلاليگ الكبيرة)، أو المساعدة في مسك أطفالهم حذراً من الوقوع أثناء حركة السيّارة..
ملاحظة..
كثير من "العبريّه" لا يعرفون كيف ينزلون من "الكوستر" قبل أن تتوقف تماماً..
على النازل أن يكون إتجاه نزوله إلى الأمام، أي مع إتجاه حركة السيّارة، فسينزل بكل سهولة، أمّا إذا كان بالإتجاه المعاكس، فسيتعثر ويقع حتماً قبل أن تتوقف السيّارة.. وطبعاً لا أنصح بالنزول قبل توقف السيّارة تماماً، لكن "تصير مرات".
نماذج من بعض التصرفات غير المرغوبة:
بعضهم يفرّج بين ركبتيه "وياخذ راحته" حتى لا يُبقي لك إلاّ ربع المقعد!
بعضهم يفتح النافذة في عز البرد.. هو لا يهتم لإنجماد الآخرين..
وكذلك كثير من السائقين يتركون الباب -الأوتوماتيك- مفتوحاً دون رحمة..
بعض السائقين يلحّون كثيراً في إنتظار الراكب عندما يرونه مقبلاً من نهاية الزقاق.. طبعاً لا تستطيع طلب التحرك والإسراع، فعبارة السائق جاهزة وبمنتهى الوقاحة: "إذا ما يعجبك أخذ تكسي"..
بعض الركّاب لا يروق له التدخين إلاّ عند صعود المركبة..
بعض المعارف يتحاشى النظر إليك عند صعودك السيّارة، "يسوي روحه ما شافك" (يغلّس) .. حتى "ما يدفعلك كروه، وأنت قبل كم يوم دافع كروته"..
بعضهم يمد يده ببطء الى محفظة نقوده، مدعياً المبادرة في الدفع، ويسحب يده سريعاً إن قلتَ: "خليها منّا.. ما يصدّگ"..
البعض يلحّون كثيراً في المنافسة في الدفع.. والصحيح ما هو متعارف من دفع السابق للّاحق، مع ملاحظة صدق النيّة في الدفع وعدم الإمتعاظ الداخلي..
أمّا إذا ركبا سوية فلا بأس بمبادرة أي منهما مع توفر "الخردة" وضرورة عدم الإلحاح و"الحلفان"، والمقرف هو الإستغلال وتكرار عدم الدفع لمرات عديدة، يعني "ينام براسك".
عطور وروائح وأمور أخرى:
بين الإفراط والتفريط.. بعضهم يضع عطراً مركزاً نفاذاً.. والبعض الآخر له رائحة أبط قوية..
بعضهم له رائحة ثوم "كارثية" ..
بعضهم "ماخذ شروة سمچ"..
هناك نوع من ملمع الأحذية له رائحة نفاذة كريهة أحذروا التورط بإستعماله..
بعضهم "صاعد" بملابس العمل "وكلها دهن أو جص أو وصخ".
بعضهم "لابس برمودا وكراعينه مكشره"
نماذج أخرى..
"أحلى شي من يبقالك ربع أو خمسمية وإداعي بيه السايق ويغلّس عليك، فتستحي وتسكت.. أحسن شي واحد يحضّر خردة قبل ما يصعد.."..
بعضهم يتحدث على الهاتف بصوت عال ويشرح تفاصيل المحادثة لجميع الركّاب..
بعض "السوّاق" لا يروق له سماع أغاني "الكاولية" وبصوت "مسجل" عال إلاّ وقت آذان المغرب..
بعض الأطفال "واحدهم ملچ" كثير الحركة "يقلقك" يعبث، يصرخ، يخرج رأسه من النافذة، تمتد يده إلى أُذنك أو نظارتك، "الأب أو الأم مو يم السالفه.. ولا عبالك.."، "على أساس يسوي للطفل شخصية".. والمفترض أن يعلّمه إحترام المكان العام والآخرين، وكذلك أن يبني له شخصية محترمة ويجلسه في مقعد مستقل مدفوع الأجرة.
من المزعج فتح المواضيع من أي نوع.. خصوصاً السياسية، والخوض في سيرة الأحزاب والسياسيين، "لأن العالم مالّه وتعبانه وما إلها كل خلگ".. ومن المؤسف وضع المقارنات بهدف تمجيد طواغيت الزمن الغابر..
في "الكوستر" تجد أن أغلب الآراء بسيطة ساذجة غير موضوعية، غير مستندة إلى مصدر أو منطق، وأتخيل أنّها كذلك حتى وإن طُرحت من مثقفين او أساتذة، وكأن المتحدث أيّا كان- سيتأثر بعقلية جمعية خاصة بـ"الكوسترات"..
في كثير من الأحيان، لا تجد إلاّ الصمت ملاذاً..
أفكار غريبة وتعميمات مخيفة:
في إحدى المرات ركبت "الكوستر" في منتصف حديث وموضوع للنقاش -ربّما- إشترك فيه الأغلبية..
كان أحد السكارى يبكي ذكريات أمه المتوفيّة..
لم يكتفِ الركّاب بالتعاطف.. وتحوّل الحديث حول عواطف السكران و"حنيّته" وإحساسه المرهف، ثم بدأت المقارنة بينه وبين المصلين..
لم أكن أعلم كم للسكارى من مآثر ومواقف وإن شارب الخمر -أجلَّ الله القاريء- "صاحب وگفات، وأخو خيته، وخواردة.."
إحدى النساء أخذت تعدد مناقب أحد شاربي الخمر "بمنطقتها"وكم كان يساعد الفقراء والمحتاجين وهو لا يملك قوت يومه، {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.. ثم عرّجت الى أحد المصلين وأدرجت له قائمة من المثالب، ثم قفزت الى أصحاب المواكب، ولم تنسَ "ميساء العجوز" السادة والمعممين من كيل التهم.. مع تأييدات وهز الرؤوس بالإجابة من الإمعات..
كانت قصصها من نسج الخيال المريض..
إحذر التورط..
ركب أحدهم.. كان ستينياً أو أقل قليلاً، نحيفاً، غير مستقر سلوكياً.. كأنه متسكّع أو متسوّل أو خمّار!
بدأ -موجهاً كلامه إلى أي شخص يلتفت إليه- بالحديث عن لعبة "برشلونة والريّال" التي ستقام في ذلك اليوم، وعن توقعاته، ثم إستطرد بسرد طويل ليس له آخر.. فأخذ الحماس منه مأخذه وكأنه في تعليق على مباراة مصيريّة.. كان الوقت صباحاً، و"العالم متوجهين على شغلهم.. وهذا البطران من الصبح ثبر الكوستر كلها"..
بدت علامات التذمّر على الركّاب.. وكان بالإمكان لأي أحد أن يكون على وشك الإنقضاض وإعتراض الكلام وإسكات المهذار لشدة الإستياء والإنزعاج.. إلاّ أن الحظ حالف الجميع -بعدم المبادرة- عدا أحد المتصدين..
كان رجل مرور، قيافة ممتازة، متوسط القامة "متروس، محصمت تحصمت، وهم شايف رويحته شويه"..
قال شرطي المرور: "ما تگلي شخبصتنه من الصبح.. يا ريّال يا برشلونه.. مو صطرتنا.."
قال المتسكّع: "وإنت يلوصخ شمصعدك بالكوستر.. ما تركب بسيّارة نظيفة.. صارلك شگد تبوگ ما لميتلك فلوس سيّارة.."
تفاجأ الجميع بالرد الحازم والقوي..
تسابا وتشاتما و"تلازما".. وكثرت الشتائم والكلمات البذيئة بينهما، ولم تفلح مساعي الركّاب لإسكاتهما..
الشرطي هدد المتسكّع بمركز الشرطة، فلم يعبأ، وإزداد في السبّ والشتم لكل ما هو حكومي.. "ونزّل السياسيين واحد واحد"..
أراد الشرطي التخلص من المتسكّع بكل وسيلة، لكنه "لزگ مثل الحلّمانه"..
غيّر مكانه إلى المقعد القريب المقابل لباب النزول..
إلاّ أن المناوشات والشتائم وتبادل الكلمات البذيئة إستمر لشوط اضافي..
إضطر السائق إلى التوقف والترجّل والإقتراب من النافذة المقابلة للمتسكّع.. فتوجه إليه ناهراً طارداً آمراً له بالنزول..
العجيب إنّه سكت وإمتثل الأمر..
عند النزول تشابك الإثنان بالأيدي حتى نزلا إلى الشارع ليكملا المصارعة والملاكمة..
ما كان من السائق إلاّ أن حرّك السيّارة وتركهما حيث كان الشارع خالٍ من المارّة إذ لا "حواجيز".. إلتفت الجميع الى الخلف وقد تحرّكت "الكوستر" وقد أدمى المتصارعان بعضهما الآخر "بالبوكسات" ولم يختفيّا عن الأنظار -إذ إبتعدت الكوستر عنهما- إلاّ وهما منبطحين يتصارعان على الأرض..
كانت السطوة الواضحة للمتسكّع النحيف.. كان قويّاً محترفا "عرّاك، وكح.."، "ورطة سودة"..
إعتمد رجل المرور المسكين على القيافة و"القلافة" في ردع الخصم وإخافته..
النصيحة: إحذر من التدخل والتصدي لأمر مؤقت غير مهم..
لا تستهن بأحد وإن بدى نحيفاً أو ضعيفاً، ولا تعتمد على قيافة.. أعني منصب أو مكانة أو وجاهة.. أو تأييد.. فجميع الركّاب كانوا متذمرين من المتسكّع إلاّ إنّهم في النهاية كانوا متفرجين..
للـ"كوسترات" قصص كثيرة ومشاهدات مستمرة لا تنتهي.. ربّما نكتب عن مجموعة منها مستقبلاً.. أو ربّما نكتب عن مشاهدات إفتراضية في "مترو بغداد".. "الافتراضي".