بقلم: القاضية أريج خليل
الاستثناء هو أسلوب نحوي له دلالات لغوية ونحوية تختلف عن دلالته من الناحية القانونية وان ما نقصده في هذا المقال هو الاستثناء التشريعي الذي يرد في النصوص القانونية التشريعية ويراد به اخراج مسألة قانونية من القاعدة القانونية العامة المجردة باستخدام اي عبارة تدل على ذلك، وان الاصل في السياسة التشريعية القانونية ان لا استثناء الا بنص وان كل الاستثناءات التي ترد على القواعد القانونية لابد من وجود نص يحكمها ويحدد الخاضعين لها لاسيما وان الاستثناءات في النصوص القانونية يجب ان يكون الغرض منها مصلحة الافراد وغالبا ما يكون الغرض منها الحاجة الملحة او الضرورة الاجتماعية.
فالأصل أن كافة الناس متساوون في الحقوق والواجبات ومتساوون امام القانون وهي قاعدة قانونية دستورية نصت عليها اغلب دساتير الدول ومنها الدستور العراقي النافذ، وتطبيقا للقاعدة الدستورية اعلاه هناك نصوص تشريعية تنظم استثناءات معينة لا سيما وان لكل اصل استثناء الا انه قدر تعلق الامر بالقوانين والتعليمات النافذة يجب ان يكون الاستثناء مشرعا بنص قانوني تمتزج فيه الدقة مع الرصانة التشريعية فمثلا ان الاصل فرض الجزاء على كل من يرتكب فعلا من الافعال التي جرمها قانون العقوبات العراقي الا ان الاستثناء هو استعمال الحق وفق ما ورد في المادة ٤١ من قانون العقوبات والذي نظمه المشرع العراقي بنص تشريعي رصين بحيث جعله استثناءا غير مطلق واجازه بحدود معينة بحيث يضمن المشرع العراقي ان من يستعمل هذا الاستثناء هو حسن النية فيكون مستحقا لاستثنائه من العقاب وإذا تبين عكس ذلك فيسأل من استعمل حقه خلاف القانون عما ارتكبه من فعل.
في جرائم الفساد المالي والإداري فان الاستثناءات الموجودة في النصوص القانونية ولاسيما التشريعات التي صدرت بعد عام ٢٠٠٣ والتي تفتقر الكثير منها إلى الرصانة القانونية فان هذه الاستثناءات أصبحت من أهم أساليب الفساد المباشرة لاسيما وان القانون عندما يستثني أمراً من حكمه فان ذلك يكون مقترن بعدم التوسع في تطبيق الاستثناء وأيضا عدم القياس عليه فمثلا بعض التشريعات منحت الوزير المختص او رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة صلاحيات مهمة كالاستثناء من النصوص المتعلقة بصلاحيات الصرف من الموازنة الاستثمارية او النصوص المتعلقة بالتعيين او التعاقد الا ان الوزارات عندما طبقت هذه النصوص الاستثنائية طبقتها وكأنها الأصل وأصبحت القاعدة العامة هي الاستثناء وهو ما اطلق عليه شرعنة الفساد وهو اخطر انواع الفساد لانه مغطى قانونا بنص قانوني نافذ، والملفت ان اغلب التشريعات المتعلقة بالمال العام فيها نصوص قانونية تستثني اشخاصا او جهات من حكم القانون او تمنح صلاحيات استثنائية لجهات معينة وكل ذلك يكون خلافا للقواعد الدستورية سواء ورد الاستثناء صراحة بعبارة " ويستثنى من ذلك.. " او ضمنا ومن امثلة الاستثناء القانوني الضمني ما ورد بقانون هيئة النزاهة بصلاحية رئيس الهيئة بحفظ الاخبارات دون عرضها على قاضي التحقيق رغم انها تتضمن افعالا تعد جرائم ذات صلة بالمال العام والقضاء هو الجهة الوحيدة التي يجب ان تقول كلمتها في ذلك.
اما الاستثناءات الاشد خطورة والتي ترتبط ارتباطا وثيق الصلة بالفساد المالي والاداري هي الاستثناءات من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية النافذة وهي جاءت باساليب صريحة وضمنية واجد ان الغاء النصوص القانونية في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية والمتضمنة لاستثناءات معينة يعتبر ضربا للفساد المالي والاداري في مقتل لان تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم ٢ لسنة ٢٠١٤ تضمنت استثناءات لا مبرر لها فان التعليمات تسري على كافة التعاقدات التي تكون الدولة طرفا فيها اي انها تعليمات ذات صلة بالحفاظ على المال العام لذا فيكون من غير المنطقي ان تمنح اللجنة الاقتصادية المشكلة في مجلس الوزراء صلاحية استثناء عقود معينة من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية كما ان المادة الخامسة من التعليمات المتعلقة بصلاحيات لجنة المراجعة والمصادقة على الاحالة فهي استثناءات وليس صلاحيات فهل يجوز ان تمنح هذه اللجنة صلاحية تنفيذ العقد باسلوب العطاء الوحيد رغم ان هذا الاسلوب هو استثناء من الاصل الذي هو اسلوب المناقصات والدعوات المباشرة وغيرها من اساليب التعاقد الا ان اسلوب العطاء الوحيد هو يستخدم استثناء اذا كات السلعة المراد تجهيزها محتكرة من قبل شركة عالمية واحدة بحيث لا تصنع الا من هذه الشركة فيجب جلب عطاء وحيد من الشركة المصنعة هذا استثناء لا يجوز التوسع فيه واعطاء صلاحية لاي جهة حتى وان كانت مشكلة برئاسة رئيس جهة التعاقد ان تقرر استثناء تنفيذ العقد بهذا الاسلوب الا اذا تحققت الشروط الخاصة به، كما كيف لهذه اللجنة ان يكون لها الحق في اعطاء تمديد للشركات المتلكئة في عملها وكيف يكون لها الحق قي استثناء شركات معينة من التأمينات الاولية هذه الاستثناءات التي اعطيت الى اللجنة المشكلة بموجب المادة ( ٥ ) من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية جعلت من هذه الاستثناءات تفهم على أنها الأصل وباقي النصوص الخاصة بأساليب التعاقد والتأمينات هي الاستثناء..ان ما تم التطرق اليه اعلاه هو نص واحد او اثنين من مئات النصوص التي تتضمن استثناءات من النصوص والتشريعات النافذة.
لذا ووفقا لما تقدم يكون من أهم وسائل مكافحة الفساد المالي والاداري هي مراجعة نصوص الاستثناءات الواردة في التشريعات النافذة حتى لا يستمر القائمون على تنفيذها باستغلالها وكأنها الاصل وان الغاء هذه النصوص او وضع ضوابط لتطبيقها يكون طريقا مهما لمكافحة الفساد وتجفيف منابعه ان تم تنفيذ اصلاح هذه النصوص بإستراتيجية تشريعية لان محاربة الفاسدين والقبض عليهم سوف ينهي الفساد الصادر منهم حاليا الا ان وجود هذه النصوص سوف تخلق لنا فاسدين اخرين بدلا عنهم، فيكون آخر الداء الكي.