عندما كنت طفلا سمعت الكثير من جدي عن قصص حياتهم البسيطة التي كانوا يعيشوها في السابق وعن الالفه والمحبة والاخوة بين عوائل كربلاء التي كان أسوارها لاتبعد سوى أمتارا معدودة عن مرقد الإمام الحسين (ع) وفي واقع الحال فقد استفدت كثيرا من تلك القصص التي تحمل بين طياتها الكثير من المواعظ والحكم ومنذ تلك الأيام وانأ أحب كثيرا ان التقي بكبار السن لكي اعش اياما لم أعشها ولاطلع عن كثب لتراث أجدادي وتقاليدهم .
وفي هذه المرة اتخذه مناسبة حلول شهر رمضان الكريم بساط ريح لينقلني عن طريق قصص كبار السن الى رمضان في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن السابق فالتقيت بعدد من كبار السن وكان سؤالي الأهم لأصحاب الخير والبركة ماذا تتذكروا عن رمضان أيام زمان وما فرقه عن رمضان الآن.
أيام وساعات رمضانية
في بادئ الأمر التقيت الحاج حسن احمد جواد والذي عمره يناهز ال70 سنة رحب كثيرا وطلب لي شاي سنكين (أي ثقيل) وبعدها حدثني قائلا: في الزمن السابق لم يكن يتمالكنا أي قلق حول البحث عن لقمة العيش ولم يكن هنالك اي معوق لتعكير صفوا الحياة والكل مقتنع بما انعم الله عليه ونتيجة لذلك فانك ترى العوائل في أيام رمضان تبحث عن أماكن لترفيه والعبادة لتسافر إليها بعد وقبل الفطور فقد كان زائري المحافظات القريبة أمثال محافظات بغداد والنجف والحلة يفترشون الأماكن القريبة لضريحي الإمام الحسين و أخيه العباس(عليهم السلام) لتناول وجبات الإفطار ويشاركهم في ذلك بعض أهالي كربلاء وبعد الانتهاء من الإفطار واداء الصلاة والزيارة وقراءة دعاء الافتتاح تبدأ العوائل برجوع الى محافظاتها ويكون ذلك بعد منتصف الليل وما فقدناه الان هو عدم ذهاب أهالي كربلاء مع تلك العوائل الزائرة فقد كان في السابق يذهب الكثير من عوائل المحافظة بعد الفطور وحتى في اوقات متاخره من الليل الى المحافظات المجاورة لغرض الزيارة اضرحت االائمه(ع) او تذهب العوائل الى مراقد الشهداء في الحر وعون وطبعا العودة البيت قبل اذان الفجر ليتسنى عمل السحور وبعد ذلك يخلد الجميع الى النوم وفي الصباح تذهب الناس الى اعمالها متاخرة ماعدى الموظفين والفلاحين وبائعي الخضروات . اما رمضان اليوم فيختلف كثيرا حيث ترى الجميع بقلق مسيمر حول البحث عن لقمة العيش وعدم توفر كهرباء اضافة لعدم وجود السراديب التي تعيض عن الكهرباء وكثير من الهموم ولكن رغم ذلك الاانني اتمنى عودة ايام زمان وكلي امل بتحقق امنيتي خصوصا بعد استتباب الامن في العراق
العاب واكلات
[img]pictures/2011/08_11/more1313238327_1.jpg[/img][br]
وكان لقائنا الثاني مع حميد مهدي النجار قال:رغم ولوع اهالي كربلاء بكرة القدم الا انه يهجروها في رمضان ويتجهوا صوب لعبتي المحيبس ولعبة الزور خانه فلعبة المحيبس لحد الان حافظة على وجودها اما لعبة الزور خانه والتي هي احدى اللعبات التراثية فقد طمسة معالمها رغم وجود فريق لعدد من المحافظات الى ان الكثير من الشباب في هذا الزمن حتى لايعرفها اما في السابق كنا نزاول هذه اللعبة وبكثرة في احد سراديب المخيم وما اتذكره عن هذه العبتين اننا كنا نلاعب الكثير من المحافظات وفريق كربلاء بالمحبيس كان متميزا وكنا نذهب للعب مع شباب المسيب والسدة في الحلة وشباب الكاظمية في بغداد وكذلك شباب النجف وكنا اما نستقل سيارة وطبعا ذات نوع الخشب او نركب القطار وكان في ذلك الزمن قطار لكربلاء محطته قرب الوادي القديم اي قرب المتنزه الكشفي لكي نذهب الى اماكن الفرق الاخرى في المحافظات كما أسلفت وكان لكل محله فريق خاص بها وكذلك تتبارى المحلات مع بعضها وفي ذاك الوقت كان اشخاص اصحاب بنية قوية وعضلات مفتولة يسمون شقاوات فهم يمنعون حدوث التناحر بين المحلات اثناء لعبة المحيبس الا رغم ذلك فقد يحدث مثل تلك الاعمال بين المحلات وكانت (أكثر العركات) تحدث بين باب الخان وباب السلالمة كماتحدث بين شباب المخيم وباب الطاق وطبعا تحل بفترات قصيرة جدا لطيب اهالي المحلتين .
واضاف\" ان أنواع الأكلات قائلا:ان المرأة الكربلائية تمتلك يدا سحرية في إعداد الأطعمة وخبرة واسعة وذلك أولا لكثرة المناسبات الدينية في المحافظة والتي تتطلب إعداد الكثير من أطباق الطعام إلى زوار بيتها وثانيا لأنها خالطه جنسيات عديدة كالايرانين والخليجين وكثير من زائري المحافظة والذي مكنها من تبادل الخبرات في مجال الطبخ وكانت الأكلات الشهيرة لأهالي كربلاء هي الفسنجون والطرشانة والميع والمسقوف وشوربة والبرياني واتذكر في ايام عديدة من شهر رمضان كانت توزع الأطعمة بين العوائل ممايتيح للفقير اكل من طعام الغني وبالعكس فاصوت والدتي مازالت ترن في اذني عندما كانت تردد عندما تناولني صحن الطعام (يابني لتنسه احد بفرعنة) وهنا تنهد كثيرا وقال:. أيباه .اشكد اشتاقيت لايام زمان تم اكمل قائلا:يابني اننا في فترات خريف العمر ونتمنى العودة لأيام أبانا ونحن في داخلنا حرقة لما نعيشه اليوم فانا الذي أتكلم معك لم افعل ماكان يفعله أبي من أعمال بر كما كان يبحث عنها أبائنا لأسباب عديدة قد تكون من بينها البحث عن لقمة العيش ولكن فليحاول جيلكم الشاب ان يعيد تقاليدنا القديمة واعمال الخير الذي كنا نقوم بها في السابق وسيكون التاريخ شاكرا لكم .
طرائف ونصائح
بعد ذلك التقيت بابو سلام ألسلامي الذي كان يجلس على كرسي والتبريد ينقل الهواء من يده اليمنى الى يده اليسرى مرورا بشيبات الذقن واقصد بالتبريد (السيدة مهفه) والذي اشتكى لنا انقطاع التيار الكهربائي وبدون مبرر حتى في فترة الساعة المقررة كل خمس ساعات وبعد أن رحب بنا قال:فلندع الكهرباء واقصص عليك كيف كنا نسمع خبر حلول العيد ففي السابق لم تكن هناك أدوات اتصال بين المحافظات مما يضطرنا الى إرسال احد أبناء المحلة كرسول عن مقهانى الذي كنا نتجمع به في المحلة الى المرجعية في النجف الاشرف ونظل ننتظر وننتظر عودة ذاك الشخص ساعات طويلة من الليل ونحن جالسين على أماكن الجلوس في المقهى وطبعا ينام بعضنا وهو جالس والاخر يمل ويذهب الى البيت وفي احد أشهر رمضان انتظرنا لفترة طويلة وقاربت طبول السحور تقرع ورسولنا الى المرجعية لم يأتي وبعد ان أغمضت معظم أعين الجالسين نهض احدهم وقد طفح كيله وحمرت عيناه وتسلل الى وسط المقهى والذي يضم أعداد كبيرة من أبناء محلات باب الطاق وباب الخان وباب السلامة وباب بغداد وصرخ ذاك الشخص قائلا بصوت جهوري :ياجماعة باجر عيد فبانة الافراح على وجوه القوم ضنا منهم انه الشخص الذي يجلب لهم الخبر الا ان الفرحة لم تطل فقد اكمل ذاك الشخص كلامه قائلا: لو مو عيد (اي انه سال غدا عيد او لا) وبعدها كمايقول اخواننا المصرين لم ترى عينك الاالنور فقد لم يستطع ذاك الشخص التكلم اكثر فقد حصل على جميع انواع الصفعات وبكل الطرق وفي نهاية ولكي لااطيل فقد اصبح كانه كشوانية يرمى عليه الاحذية من كل صوب وطبعا لم يحمل بداخل نفسه اي شي على اهل المحله فقد نهض وهو يبتسم وقال منو بسطني.ففي السابق قلوبنا فيما بيننا متصافية ولاتحمل اي غل على الاخر عكس جيل اليوم.
اما ابوغائب فانه طرح بعض التساؤلات لجيل اليوم فقال :عندما كنا أطفال في زماننا كنا نوصى بعدم اكل الطعام علنا وعندما اصبحنا شباب لم نستطع ان نقول اننا غير صائمين في فترات المرض لخجلنا من أنفسنا ولكن اليوم نرى من ياكل ويشرب في الاسواق وامام الناس علنا بل وان البعض يطرب بأغاني الفجور والرقص الفاضح وما الى ذلك فهل هذه من أخلاقنا وتقاليدنا ام ان المسلات والفن الرخيص الذي تقدمه من لا تملك غير ظلمات الليل التي تسمى جورا قمر ومثيلاتها هي التي اودت بجيل اليوم الى الاستخفاف بشهر الله (عز وجل) ام ماذا؟
وبهذا التساؤل لعمي أبو غريب فقد انتهت جولتنا وحان موعد الإفطار الى أنني وعدتهم باني ساجد مناسبات جديدة لا حدث أجدادي عن ايام زمان.
موقع نون خاص
تحقيق /حازم فاضل
أقرأ ايضاً
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- بدعم متواصل من العتبة الحسينية مستشفى السفير يجرى (10) الاف و(800)عملية جراحية في تسعة اشهر