العراقيون اطلقوا عليها وصف “سرقة القرن”، انها عملية نهب وقحة لعدة مليارات من الدولارات من خزائن الدولة قد ألقت بظلالها على البلاد.
وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها الى انه وفقا لمصادر وسلسلة كتب حكومية رسمية صدرت في صيف عام 2021 فانه من الواضح ان سرقة 2.5 مليار دولار قد تم تسهيلها من بعض اعلى المؤسسات الرسمية في البلد. الوثائق، الموقعة من عدة مؤسسات حكومية مختلفة بضمنها مكتب رئيس الوزراء في حينها، قد ألغت المراجعة الحسابية لعمليات السحب من حسابات لجنة الضرائب العراقية.
وتقول الغارديان ان تلك الكتب الرسمية لم تلفت النظر لهذا الموضوع في حينها. وكان العراق قد صدم بسنتين من الاضطراب وهو متوجه لانتخابات مبكرة. البرلمان تم تأجيله. وكانت انظار وسائل الاعلام والمجتمع الدولي متجهة نحو صناديق اقتراع انتخابات 2021 التي جاءت حصيلة احتجاجات شعبية مطالبة بالقضاء على النخب الحاكمة الفاسدة.
ولكن وراء الكواليس كانت الأرضية قد أعدت لسرقة عوائد الضرائب في عملية ظهرت على انها اكبر فضيحة فساد في زمن الحكومة السابقة، وهو حدث بارز لبلد يقترب من تذيل قائمة اكثر البلدان فسادا في العالم ضمن مؤشر الشفافية الدولي. واستنادا لتقرير تحقيقات داخلي مؤلف من 41 صفحة، اطلعت عليه الغارديان، فان أموال الضرائب البالغة 2.5 مليار دولار قد سحبت من قبل شركات وهمية ليس لها أي تسجيل رسمي وذلك بمساعدة من مسؤولين فاسدين، وقد تم تبييض هذه الأموال، استنادا لعدة مصادر، عبر شراء عقارات في ارقى احياء بغداد.
وكشفت صحيفة الغارديان في تقريرها ان العقل المدبر لهذه السرقة هو رجل اعمال واسع العلاقات وتم تنفيذها من قبل منتسبين في لجنة الضرائب الذين يتمتعون بإسناد من قبل حزب سياسي له فصيل مسلح.
واستنادا لوثائق مسربة ولقاءات مع اكثر من عشرة مسؤولين ورجال اعمال وأصحاب مصارف على اطلاع بتفاصيل القضية، فان سرقة هكذا كمية من الأموال لا يمكن ان تتم بدون علم نطاق أوسع من المؤسسات، بضمنها مكتب رئيس الوزراء والمصرف الذي حرر عمليات السحب وهيئة النزاهة والبنك المركزي.
عضو لجنة مالية سابق في البرلمان، طلب عدم ذكر اسمه، قال “إنها شبكة كبيرة وراءها سياسيون كبار من كيانات متنفذة تقود البلاد. مدراء اقسام لا يمكنهم سرقة مثل هكذا مبلغ لوحدهم. هناك اتفاقية وكل طرف يأخذ حصته”.
أحمد نجاتي، المدير السابق لمكتب الكاظمي، قال للغارديان “الادعاء بان مكتب رئيس الوزراء وافق على الغاء عملية كشف الحسابات وانه سهل عملية السرقة هو تضليل للحقيقة. الغاء كشف الحسابات هو ليس مبررا للسرقة”.
رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، كان يفتقر لقاعدة سياسية واصبح عرضة لضغوط من قبل أحزاب وفصائلها المسلحة التي سعت لتقوية قبضتها على مناصب حكومية مغرية.
احد منتسبي هيئة النزاهة، الذي يقول انها كانت تتمتع باستقلالية اكثر قبل عهد الكاظمي، قال “تقاسم المناصب اصبح اكثر رواجا في زمن الكاظمي. كان ذلك الأسلوب الوحيد ليبقى في السلطة”. مكتب الكاظمي نفى هذه الادعاءات.
وكان مقترح قد سبق السرقة قدمه رئيس لجنة البرلمان المالية السابق، هيثم الجبوري، أوصى فيه بإلغاء دور مراجعة الحسابات التي تكشف عن عمليات السحب من حسابات هيئة الضرائب، وذلك بحجة ان هناك “شكاوى كثيرة” بخصوص إجراءاتها المطولة. بعد ذلك بأشهر تم تعيين الجبوري مستشارا للكاظمي. وتقول الغارديان ان الجبوري لم يرد على طلب منها للتعليق.
وقال العضو السابق في لجنة البرلمان المالية ان المقترح لإلغاء مراجعة الحسابات كان من المفترض ان يكون راية حمراء بالنسبة لحكومة تعهدت بمحاربة الفساد. وبدلا من ذلك أصدرت كل من دائرة مراجعة الحسابات ومكتب رئيس الوزراء كتابا لكل منهما يعبران فيه عن عدم المعارضة. وأضاف قائلا “كل هذا كان جزءا من الخطة”.
تنفيذ السرقة توقف على متواطئين داخل هيئة الضرائب التي توقع على تخويل وتحرير صكوك الصرف والشيكات. واستنادا الى أربعة مصادر داخل وزارة المالية، فان تلك الشبكة تم تأليفها من قبل مدير الهيئة السابق شاكر محمود. ووفقا لوثيقة اطلعت عليها الغارديان فانه استنادا لكتاب صادر عن مكتب رئيس الوزراء ومكالمة هاتفية مع هيئة الرقابة المالية، أمر محمود بالغاء كشف الحسابات. بعد ذلك بفترة قليلة تم نقل محمود الى هيئة الجمارك، حيث يشك الكثيرون بان عملية مماثلة تجري هناك. وتقول الغارديان انه لم يتسن لها الاتصال بمحمود للتعليق.
مكتب رئيس الوزراء نفى أية مسؤولية له بالسرقة. وقال مدير مكتب الكاظمي السابق “العملية بأكملها جرت داخل وزارة المالية. وانطلقت العملية ابتداء من هيئة الضرائب وانتهت بمصرف الرافدين الحكومي وكلاهما ضمن مسؤولية وزارة المالية”.
في تموز عام 2021، شرعت هيئة الضرائب بإصدار صكوك كل واحد منها بملايين الدولارات. وتم اصدار ما لا يقل عن 247 صكا لخمس شركات وعلى مدى 14 شهرا. تم تحرير الصكوك عبر فرع واحد من مصرف الرافدين موجود داخل هيئة الضرائب حيث تم إيداع المبالغ فيها بحسابات الشركات وتم بعد ذلك سحبها على الفور مما اثر ذلك على السيولة في المصرف.
وتقول الغارديان ان السرقة لم تكن غير ملحوظة. وزير المالية السابق علي علاوي اصدر مرسوما في تشرين الثاني 2021 يمنع فيه عمليات السحب بدون موافقته، ولكنها استمرت من وراء ظهره. وارسلت وحدة مكافحة غسيل الأموال في مصرف الرافدين كتبا على نحو متكرر لدائرة تأشير التحويلات ولكن يبدو انه لم يتم اتخاذ أي اجراء من قبل مصرف الرافدين أو البنك المركزي، اللذان من المفترض ان يشرفا على القطاع المصرفي.
وقال احد مسؤولي المصارف “حقيقة ان مبلغا بمثل هذا الحجم يسحب من فرع واحد ينبغي ان يثير تساؤلات خطيرة جدا”.
وتشير صحيفة الغارديان الى ان هذه القضية تمثل اختبارا لحكومة، محمد شياع السوداني، الجديدة لملاحقة اشخاص متنفذين يعتقد انهم مشتركين في السرقة.
وقال السوداني في مؤتمر صحفي “ما حدث لم يتم فقط من قبل مجموعة اشخاص يعملون في القطاع الخاص او موظفين صغار. كان هناك غطاء سياسيا ورسميا من مسؤولين متنفذين في الدولة. نتعهد بجلب أي شخص يثبت تورطه للمحاسبة ان كانوا من السياسيين اوالمسؤولين في الدولة”.
قليل من العراقيين من يعتقد انه ستكون هناك محاسبة فعلية. وقال عضو سابق في اللجنة المالية “سيلقون باللائمة على بضعة اشخاص من المسؤولين الصغار أما الآخرين فسيهربون”.
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- ما أسباب ارتفاع صادرات الصين للعراق.. وكيف تسببت بصعود الدولار؟