وقف (ابو علي) عند موكب حسيني تحت جسر التربية في مدينة البصرة ماسكا ماكنة اللحام ليصنع طاولة من حديد من بقايا ركام حديد متضرر، هذا الرجل الاربعيني فقير الحال عفيف النفس كاسب قوته بيومه يعيش مع عائلته عيشة كفاف وحامدا لله على ما اعطاه، عشق القضية الحسينية منذ صغر سنه ورضعها مع حليب امه، وبالرغم من ان شعائر القضية الحسينية فيها كل انواع الالم والحزن وهو بمقدار ما يحزن يشعر بالفرح عندما يرى ملايين الزائرين يسيرون سنويا الى كربلاء الشهادة والعطاء، بحث عن سبيل ليخدم فيه الإمام الحسين (عليه السلام) فعجز عن ذلك كونه لا يملك المال، فخطرت في ذهنه فكرة ان يدور على مئات المواكب ليعرض خدمات الحدادة عليهم مجانا، وكان له ما اراد فباشر بمساعدة الكثير من المواكب عبر اصلاح ادوات كثيرة تحتاج الى عمل الحداد.
حسرة وفكرة
يتحدث الحداد كاظم غازي موسى من منطقة العشار بمحافظة البصرة لوكالة نون الخبرية، عن قصته مع الخدمة الحسينية بقوله انني "لست الوحيد الذي لدي شيء اقدمه لخدمة ابي عبد الله بل ان كل مسلم يحب الإمام الحسين (عليه السلام) له قصة معه ومن لا يحب الحسين (عليه السلام) فهو بعيد عن الله، وانا اسير في الشوارع في كل عام ارى الالاف من الناس تقدم وتشارك في تقديم الخدمة الحسينية واتحدث مع نفسي واقول لماذا لا اقدم انا ايضا الخدمة، ففكرت هذا العام ان احمل معدات اللحام والحدادة على دراجتي النارية واسير من امام المواكب الحسينية واعرض عليهم خدماتي وفي البداية اصابني اليأس عندما رأيت ان المواكب جميعها منصوبة وتقدم الخدمة وظننت انها لا تحتاج الى عمل الحدادة لكن ظني كان في غير محله، ومنحي الله فرصة لاكون خادما لسيدي ومولاي ابي عبد الحسين (عليه السلام)".
تجوال وخدمة
ويكمل (ابو علي) كلامه بقوله "ولكي اعرًف اهل المواكب بخدماتي هذا العام كوني اقدمها للمرة الاولى تجولت بين المواكب من ساحة سعد التي تعد منطقة الانطلاق في المسير الى كربلاء المقدسة، وقدمت الى الان خدماتي الى ثلاث مواكب حسينية واصلحت فيها ركائز الخيم والقواعد الحديدية التي توضع عليها الطباخات الغازية ورفضت اخذ الاموال منهم واخبرتهم اني اقدم تلك الخدمات كوني خادما للسيدة الزهراء وابنها (عليهم السلام) وتتراوح تكلفة كل عمل من تلك الاعمال بين (75 ــ 125) الف دينار، وتمتد جولتي يوميا من ساحة سعد الى منطقة الكزيزة او بعدها لمسافة تصل الى ستة كيلومترات، واليوم جئت الى موكب تعرض الى حادث مروري تسبب باتلاف المنضدة الحديدية الكبيرة التي تضررت كثيرا وكذلك الطباخات الغازية والتي يعتمد عليها الموكب الحسيني في تقديم خدمته للزائرين، وقمت باعادته بشكل اقوى من السابق لانه متآكل كما اعدت قواعد الطباخات واجرة العمل تبلغ (150) الف دينار وقدمت تلك الخدمة مجانا".
شعور غريب
وخنقته العبرة وهو يقول (من اشوف اول راية لاول زائر يمشي بالاربعينية تدمع عيوني) هكذا يصف الحداد (كاظم غازي) استقباله للزيارة الاربعينية في البصرة، ويكمل ان جسد الانسان المحب يقشعر عندما تأتي مصيبة عاشوراء، وانا رغم اني فقير الحال واعيش حالة الكفاف الا اني لم اشعر بالرضا عن نفسي الا عندما قدمت تلك الخدمة المجانية، واقسم بغليظ الايمان انه اصبح منذ تقديمه الخدمة من الصباح الى المساء يشعر انه في اجواء غريبة ليست هي التي يشعر بها في الايام العادية وعمله اليومي وكأنه في عالم ثاني، والان عرفني الكثير من اصحاب المواكب الحسينية وبدأ عدد منهم يطلبون الخدمة مني، وقررت مستقبلا ان اوفر مولد ديزل واصطحبه معي لاني اعاني بعض الاحيان من انقطاع الكهرباء في المنطقة التي يقع فيها الموكب الذي يريد مني الخدمة، كما قررت ان اطبع بطاقة تعريفية وفيها رغم هاتفي واوزعها على جميع المواكب الحسينية من ساحة سعد الى الكرمة او الهارثة في طريق البصرة لغرض تسهيل عملية استدعائي الى اي موكب يريد مني خدمة الحدادة واللحام ولو توفر لي الوقت او وسيلة النقل فسأوصل عملي الى اخر نقطة في البصرة في قضاء المدينة لخدمة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)