- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من حياة الإمام زين العابدين عليه السلام
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
شهدت حياة الإمام السجاد عليه السلام (38هـ ـ 94هـ) محطات كثيرة, سنتعرض لجزء يسير من حياته الشريفة ونشير إلى محطتين مهمتين منها:
المحطة الأولى:
المحافظة على الكيان الشيعي: كانت فاجعة كربلاء بما لها من صفة مأساوية من حيث جسامة الحدث, شهد المجتمع الإسلامي آنذاك في الفترة التي عقبت تلك الفاجعه امراً صعباً اخر, وهو حالة الارتداد نتيجة لعظم الحادثة والفاجعة وهو خطر التنازل المبدئي, نتيجة للضغوط والممارسات التي مارستها حكومة بني أمية من القتل والمطاردة والسجن والتهجير, فسببت هذه الاوضاع حالة من الخوف والهلع, فانتجت قيما وثقافات جديدة تفشت في المجتمع فاصبح هم الإنسان هو أن يعيش للدنيا وان خسر دينه اذا سلمت له دنياه.
فهذه حاله هبوط معنوي وقيمي عند الإنسان وهذا مؤشر خطر اذا ما وجدت له المصدات القوية التي تمنع أخطار هكذا تيار متدني يهبط بقيم الإنسان ويصنع منه انساناً بلا مبدأ ولا دين فتتحكم به الأهواء والشهوات.
فهنا لابد من وجود هذا المصد وهو وجود قيادة لها تأثير في قلوب الناس ولها أثر في نفوسهم, وتنتشلها من هذا الواقع المزري, وتوقف عجله الانحدار والتراجع إلى الوراء وهذا لا يمكن الحصول عليه الا من خلال قيادة ذات منهج فكري مرتبط بالسماء, همه هو الناس وان يضع الناس على سكة الحق, وينجيهم من مهاوي الدنيا ويخلصهم من مخالب الأهواء والشيطان فيبث في تلك النفوس الأمل, ويبعث فيها حاله الاطمئنان ويحافظ على مبادئها ومعتقداتها ويعرفهم إن اغلى شي واقدس شي وأثمن شي ألا وهو المعتقد والدين. وهذا ما توفر من حكمة بالغة وقدرة فكرية فائقة, استطاعت أن تنقذ المجتمع من اوحال تلك الثقافات الوضيعة التي شهدها المجتمع آنذاك. فكانت سفينة النجاة تمثلت في قيادة الإمام الرابع من بيت العصمة والطهارة الامام (زين العابدين) عليه السلام, حيث انقذ الناس من غرق المادة العمياء ووضعهم في تلك السفينة, وكان هو ربان السفينة, واعطاهم جرعات الحياة المعنوية والروحية وحافظ على دين الإنسان من خلال نظام العبادات الروحية كالصلاة والدعاء والمناجاة. فكانت أدعية (الصحيفة السجادية) خير منهج لرسم حياة الإنسان الجديدة وهي لنا جميعاً وحياة المجتمعات الغارقة في اوحال المادة والشهوات من خلال الدعاء والتوجه الروحي لله عز وجل.
يصف الإمام الباقر (عليه السلام) الصحيفة السجادية بأنها (زبور آل محمد) وصفها كأنها كتاب الله, والكتب الإلهية جائت لصلاح البشرية وبناء الإنسان والتقرب به إلى الله عز وجل, بعد أن تعرض إلى الخواء الروحي وتراجعت نفسيته واستسلمت إلى الدنيا ، فكانت الصحيفة تضم كنوزا معرفية ترسم خريطة النجاة في حياة الانسان٠
وهذا دور مهم قام به الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مواجهة هكذا انحراف خطير يحدث في الامة٠
المحطة الثانية:
ظاهرة الانفاق: أهل البيت عليهم السلام هم بناة القيم الاخلاقية العالية والنبل الشريفة, وهم الذين وضعوا المعالجات الروحية والاخلاقية لتربية المجتمع واغلقوا ابواب الانحراف. وان واحدة من الابواب التي تسبب الانحراف وشيوع الفساد الاخلاقي وانتشار الموبقات والجرائم هو الفقر والحاجة. والإمام زين العابدين (عليه السلام) لاحظ هذه المشكلة التي عاشها المجتمع الاسلامي انذآك بسبب طغيان بنو أمية, واستئثارهم بالأموال لاشباع رغباتهم ونزواتهم وملذاتهم الشخصية، اضافة للظلم وسلب حقوق الاخرين والتعدي على الحقوق واغتصابها، فنشأت هذه المشكلة وهي مشكلة خطيرة, فأراد إلامام (عليه السلام) من وراء ذلك أمور منها:
1ـ القضاء على هذه الظاهرة وان تشيع ظاهرة أخلاقية معاكسة في الوسط الإجتماعي الا وهي ظاهرة الإنفاق وتعزيز هذة القيمة والفضيلة بين الناس
2ـ تربية المجتمع على البر والتألف والتكافل الإجتماعي
3ـ ان هذا الانفاق يعتبر علاج تربوي لسد الخلل في المفاهيم الاخلاقية عند الناس وزرع قيمة التضحية في سببل الاخر والإحسان اليهم
4ـ ربط الناس بعالم الجزاء في الاخرة وان يسعى الإنسان دائما الى تحصيل الزاد الى ذلك اليوم
فكان عليه السلام يرعى الفقراء والمحتاجين ويكثر من التصدق عليهم في السر والعلن وفي الليل و النهار متكفلاً الكثير من البيوتات وفي الغالب ان العائلة لا تدري من اين يأتيهم هذا الطعام حتى اذا رحل الامام الى ربه فحينها علموا ان الامام هو الذين يقوم بالانفاق عليهم. فيصف لنا الامام (الباقر) عليه السلام سلوك ابيه والمنهج الذي كان يتبعه فيقول:
(وكان عليه السلام ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام او الحطب حتي يأتي بابا بابا فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه وكان يغطي وجهه اذا ناول فقيرا لئلا يعرفه، فلما توفي (عليه السلام) فقدوا ذلك فعلموا انه كان علي بن الحسين، ولما وضع (عليه السلام) على المغتسل نظروا الى ظهره وعليه مثل ركب الابل مما كان يحمل على ظهره الى منازل الفقراء والمساكين)٠
فظاهرة الانفاق كانت واضحة جدا كسلوك ومنهج في حياة الإمام زين العابدين، وهو نوع من التربية المناقبية لبناء المجتمع وتآلفه ونشر ثقافة التكافل الاجتماعي فيه وتصحيح مسارات خاطئة اوقعته السلطات المنحرفة فيها.
أقرأ ايضاً
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة
- دوري نجوم العراق.. ما له وما عليه