بقلم: عبد المنعم الأعسم
سيشكلون الحكومة. نعم.. وستكون حكومة ملائكة، لا تمتّ بصلة للملايين التشرينية الشيطانية، ولا لثمانمائة شهيد و30 ألف جريح ومعوّق من ضحاياها.. بل لن يُشمل الضحايا وأبناء تلك الأسطورة حتى بالوعود لجهة إنصافهم بالتحقيق مع القتلة، الطلقاء، المعروفين، المدللين، وبعضهم عينه على مكان في قطار الحكومة الملائكية قيد التشكيل.. حسنا.. مباركة عليهم حكومة المحاصصة، التي تقتفي إثر سابقاتها، في ما هو مبيّت، وما هو معلن.
لكن التاريخ لم يطوِ بعدُ ذاكرة الزلزال التشريني ولا الأسئلة المعلقة عن شكل اندلاعه مجدداً منذ أن اطفئت الأنوار في ساحاته المنيرة في عشر محافظات. لم تبطل أنواره ورافعاته، ولم تنخذل نسوته وناشطاته، ولم ينهزم شجعان المنصات التي انتشرت على أرصفة الشوارع بتوالي الحكومات، أو بمرور السنين، بل اتخذت آفاق الأحداث مديات خطيرة باتساع طوابير المهانين اليائسين الذين يلقون بأنفسهم من أعلى الجسور، ويحزّون رقابهم بالسكاكين الحادة، ويولعن النيران في ثيابهن حتى الموت، وذلك مع استمرار وتناسل أسباب وشكاوى ومفاسد تلك الأيام من عام 2019، فيما الحدث الزلزال ينتصب كجدارية هائلة يلقي عليها المارة نظرة من بعيد، وبعض دموع.
يذكر رسول حمزاتوف أن أبناء قريته في أقاصي داغستان هجروا نبعاً من الماء كان قد شهد مذبحة لعشرين من نسائهم، وكان الجيل الثالث من أبنائهم يرتعبون ذعراً كلما مروا بالنبع، وكثير منهم يضطرون للمشي يومين بدل أن يسلكوا الطريق عبر النبع مخافة أن يتذكروا بشاعة المجزرة.. والحق أنهم يتذكرونها ويروون أهوالها بين حين وآخر.
المشكلة أن الكثير من كتاب الرأي، وأنا منهم، ملّوا التعريض بالحكومات التي تتشكل وفق القاعدة التي وضعها مؤتمر لندن للمعارضة العراقية غداة غزو العراق وسقوط الدكتاتورية العام 2003، وتسببت في كل ما حدث، وبعضنا، وأنا منهم، لا نكتب عما حدث وكأننا ما زلنا ننتقل، كما في تشرين قبل ثلاث سنوات، بين ثلاجات الجثث في المستشفيات بحثاً عن فتاة أصابتها شظية قاتلة أو اخ أو صديق أو عزيز سقطوا في ساحات التحرير أو الحبوبي أو ثورة العشرين أو ساحة التربية، وغيرها، وكانت قد نقلتهم سيارات الإسعاف، بشراً كاملين أو أجزاء من البشر.
أقول، إنهم جعلونا، نحن كتاب الرأي، عاجزين عن تحويل المذبحة المسكونة فينا إلى نص يرتقي إلى دويّ ما حدث. أما مئات الألوف من شباب الجامعات وأبناء الأحياء الفقيرة والمهمشة والمُذلّة والعاطلون عن العمل وجيش الأرامل، وأمهات الشهداء، فهم يقفون حائرين على مرمى من نقطة التماس مع مهزلة تشكيل حكومة جديدة من جنس الملائكة المزيفين، إيزابيل الليندي، الروائية وابنة البطل الوطني التشيلي سلفادور الليندي، يئست وهي في المستشفى من تتبع احتضار ابنتها بإصابة السرطان، وحيال كابوس مقتل والدها، موزعة بينهما، وذلك عندما فاجأها ناشر كبير بالقول «أنت كاتبة، والطريقة الوحيدة التي يمكنك بها مواجهة هذه المأساة هي بكتابتها» فوافقت.
استدراك:
«كان الشحاذ إذا وقف على بشير الرحال (داعية معارض) يسأله الصدقة يقول له بشير: يا هذا إن لك حقاً عند رجل ها هنا (يشير إلى بيت السلطان) فإن أعانني عليه هؤلاء (يشير إلى المواطنين) أخذت لك حقك فأغناك.
فيأتي (الشحاذ) الناس في المسجد الجامع فيقول: ياهؤلاء! إن هذا الشيخ (يقصد الرحال) زعم أن لي حقاً عند رجل، وأنكم إنْ أعنتموه عليه أخذ لي حقي منه، فأنشدكم الله إلا أعنتموه..
ثم يعرف أهل المسجد قصد بشير الرحال فيقولون للشحاد: «ذلك شيخ يعبث».
هادي العلوي- المستطرف الجديد