بقلم: عبد المنعم الأعسم
اتحدث كبلد امتحنته الحياة، بحروبها وصراعاتها الفئوية وتخبط وانانية وفساد الذين ائتمنوا على مصيرها، وبالاهوال التي هبت عليها من الجيران والغزاة جيوشاً ومن اصحاب اللحى والدشاديش القصيرة.. نعم امتحنته الحياة ويكاد يخسرها.. اقول (يكاد).
ومن دون لف ودوران، نقف الآن عند نقطة تحوّل، أو (بالدقّة التاريخية) على مفترق طرق، هي الاخطر في تاريخنا، لأن الامر (هذه المرة) يتعلق بمصيرالبلد ومكانه على الخارطة، بكل ما يعنيه هذا التوصيف من بلاغة القول، او من اشارة للمستقبل، او من دلالة المعطيات على مسار الحوار السياسي او في ما تتوعد به الجيوش غير النظامية، إذْ كشفت الحوارات عن خلل بنيوي خطير شكله الانقلاب على نتائج الانتخابات حين لم يعترف الخاسرون بالهزيمة ووجهوا طلقة الرحمة على فرصة التغيير، ومضمونه، مشروع جهنمي للاستعداد نحو «التمكين» وفرض سطوة الدولة العميقة، فيما يستمر طيبو وحسنو الظن بالمراهنة، وسط كل هذه التهديدات، على ان الذين حكموا البلاد واذلوها ونهبوها وساقوها الى مفترق الطرق سيرعوون في نهاية الامر.
مفترق الطرق احوج ما يكون الى بوصلات من جنس البوصلات المُستخدَمة في البحار او الى أجهزة الاستشعار في الأقراص الصلبة لمعرفة ماذا سيحل بالبلاد في (وبعد) هذه المرحلة حيث يتفرع «المفترق» الى شكل بلد افتراضي تسبقه احتقانات ورائحة بارود في بيت الاكثرية (الكتلة الاكبر) وفي بيوت اخرى، وحتى في داخل كل فصيل وحزب وتجمع وعشيرة وحاضرة، والى ذلك تتأزم خطوط الاتصال والصفقات والتعهدات العلنية والسرية، ويصبح السؤال عن التنمية والاستثمارات ومشاريع الحماية الغذائية وازمة الكهرباء والسيادة والخدمات البلدية ومشاكل العاطلين والارامل والاوبئة والارتفاع الجنوني للاسعارمجرد شعارات باهتة، او رطانات لا قيمة لها، والاخطر من كل ذلك يكمن في محاولات (اقول محاولات) جر اتباع الديانات والمذاهب والقوميات الى صراع الكراهيات واللاتعايش واغتيال مبدأ التعددية ودولة المواطنة، وبكلمة، ان ثمة سيناريوهات (أو احتمالات) مخيفة، لحرب يخوضها الكل ضد الكل، إذا لم يُغلق الطريق عليهم.
السؤال الاستباقي هو: من الذي اوصل العراق الى هذا الحال؟ وهذا السؤال (في التحليل الموضوعي) مهم وإشكالي، لا ينطوي على محاسبات ومراجعة جدية، فقط، بل وعلى اعادة بناء الدولة على اسس جديدة ليست كيفية في وقت لا ينبري، ولو واحدٌ من المتورطين للاعتراف بخطاياه، وهو اضعف الايمان.. او قل بعد خراب البصرة.
عندما وقف موسوليني في شرفته ورأى روما في مفترق طرق الحرب، وعلى شفير الهزيمة، التفت الى الكاردينال شوستر يسترشد به الى الخطوة القادمة، قال له الرجل الحكيم: «حان الوقت للاعتراف بخطاياك» ومما له مغزى ان طلب الاعتراف هذا جاء متأخرا، فقد كانت روما تحترق وتعبر مفترق الطرق الى الهاوية.
استدراك:
«لا تكتفى الحروب بالكشف عن أسوأ الغرائز عند الانسان، بل تصنعها».
أمين معلوف
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!