بقلم: عبد المنعم الأعسم
تسويق فكرة "الانسداد السياسي" وصل الى ما يشبه القوانة المكررة على مدار الساعة حول امل مستحيل بالنجاة بين متحاورين متعبين في قارب آيل للغرق، فكل ما يقال عن حل قريب، أو تسوية في الطريق، او نور في نهاية النفق، أو حكمة ستنتصر في نهاية المطاف، لا تعدو، وغيرها من الديباجات، عن كونها رطانات مملة تنتقل من داعية الى آخر، ومن قناة الى اخرى، فيما الجمهور بوادٍ وهم في وادٍ آخر.
الانسداد في العملية السياسية حيال ما تبقى من استحقاقات دستورية لاختيار رئاستي الدولة والحكومة صناعة اعلامية ابتدعتها الاقلية البرلمانية لفرض حكومة توافق كارثية تكرر نظام المحاصصة وتضمن وجود نفس اللاعبين الفاشلين الفاسدين المطلوبين للحساب، في الحكومة والمعارضة معا، وهو الحل الذي يتمسكون به لتنفيس الانسداد بما يروض الشارع ويضع كابوس الاحتجاجات وبرميل الغضب تحت السيطرة.
والحال، فان الانسداد الحقيقي ليس في طريق التفاهمات بين الكتل السياسية المختلفة، بل بين هذه الكتل والجمهور، وحصرا بين اصحاب الانسداد والملايين العراقية، إذْ لا يحتاج المراقب الى وسائل افتراضية، او الى المزيد من تقليب الامور والاحتمالات، وتملّي الارهاصات لكي يتأكد من انهم يتصرفون بانفعال ولجاجة لكي لا يبتعدوا عن قرار السلطة، وهم بذلك يحرثون في البحر فيما يتعلق بكسب ثقة الشعب فثمة يقين لا حدود له بان مشاريع التسوية المعبر عنها في الحديث عن حكومة توافق تضم جميع الفرقاء، ستشكل خيبة أمل لدى الملايين العراقية، ولا حاجة للتحذير من جنس ردود الافعال الناتجة عن خيبات الامل في كل المحطات السابقة.
فقد كانت الملايين سخية في الصبر على المهانات والاحتياجات والوعود المغشوشة وقدمت وتقدم كل ما يعطي الفرصة للطبقة التي حكمت لكي تتعظ من الدروس، وتكف عن الجشع والاستحواذ، عن رضى او عن خوف، على كف حسن الظن او على مضض، بانتظار ان تستيقظ فيهم الشفقة، وتلوح منهم امارات الرحمة، ويتراجعون ويسترجعون.
قدمت الملايين وتقدم سكوتها الغالي، دماءها الزكية، تسامحها الجميل، مديحها الباذخ، لقمة عيشها.. جلودها ودموعها وما تملك من فتيان بعمر الورد جادوا بارواحهم دفاعا عن مناصبكم وامبراطوريات حاشيتكم.
الملايين التي دستم على كراماتها واحلامها وعوزها، الملايين المسبية والمهمشة، امهات الضحايا، ثلاثة ملايين ارملة، طوابير الشابات والشبان الذين اغلقتم ابواب العمل والمستقبل دونهم، مشمورون خارج الحدود وخارج ضمانات العيش وخارج موصوف المواطنة، تفصح، في هذا المنعطف الخطير، عن انسدادها حيال وعودكم لها، وتعلن: معذرة اننا لا نثق بكم.. وهذا اضعف الايمان.
استدراك:
"أن تصدق نفسك اسوأ من انْ تكذب على غيرك"
محمود درويش