بقلم: د. أثير ناظم الجاسور
بعد نهاية الحرب الباردة وإعلان نصر المعسكر الغربي (الرأسمالي) بقيادة الولايات المتحدة الامريكية دار الحديث عن نهاية الصراع بين الشرق والغرب ومحاولة القوة العظمى الأكبر للبحث عن خصوم جدد، لتثبت ركائز قيادتها الجديدة للعالم من خلال إعادة قراءة الوضع العالمي الجديد بما يتناسب مع البيئة الجديدة له، لكن السؤال المهم بقي شاخصاً في عقول كل المهتمين والباحثين والدارسين هل انتهى الصراع بين الشرق والغرب مع انتهاء الحرب الباردة ؟، وهل بات الحديث عن قوى منافسة هو ضرب من ضروب الخيال؟.
أزمة اليوم هي امتداد للصراع المستمر بين الشرق والغرب فهي اولاً معركة فرض قوة بين الأطراف المتنافسة، مروراً بمسالة من يفرض إرادته على الىخر، وثانياً التحقق من ان ما يحدث على كل الجبهات هو نابع من رغبة شديدة لدى هذه القوى من أن تلعب دوراً مؤثراً، تحاول من خلاله أن تحافظ على ما حققته طيلة السنوات الماضية سواء من خلال الضغط او التصعيد او التهديد، فالأزمة الأوكرانية التي قد تتحول إلى معضلة كبيرة تتسبب في حدوث خلاف أكبر في الرؤية والتصور لعالم اليوم بين كل من روسيا والولايات المتحدة، تحمل في طياتها الحديث عن قضايا يعتقد المهتمون أنها انتهت، فروسيا كما الولايات المتحدة لها سياساتها الأمنية ومناطقها التي تحاول الحفاظ عليها وأولوياتها التي تتحرك من خلالها باتجاهات مختلفة، بالرغم من أنها تعلم أن محركات العمل السياسي في هذا النظام لا تزال بقيادة أميركية، فالروس على علم بعدم قدرة الأوروبيين على الدخول في حرب هم في غنى عنهم، بالمقابل هم لا يشكلون خطورة على روسيا، لا بل إن الأوروبيين اكثر حاجة لروسيا اقتصادياً، خصوصاً في قضية توريد الغاز من حيث الجودة والتكلفة بالرغم من وجود بدائل إلا انها اكثر تكلفة عليهم، من الناحية العسكرية فالأوروبيون لا يحبذون الدخول في صراعات قد تتحول إلى حرب تتسبب في زعزعة أمن واستقرار دولهم.
المشكلة الأكبر لروسيا هي عملية توسيع الناتو التي تعد شغلهم الشاغل على اعتبارها حصاراً لا بديل عنه، بالتالي فهم يدركون
أن انضمام أوكرانيا للناتو اليوم، يعني محاصرة روسيا بشكل تام وموسكو ستكون تحت مرمى الصواريخ الأميركية، فحتى لو دخلت روسيا في معاهدة شراكة مع الناتو وتمَّ تقاسم الأعباء في المنطقة، تبقى عملية توسعه الخطر الأكبر على الأمن القومي الروسي، الذي يعزز من تحجيم القوة الروسية، وتجربة الصواريخ في كوبا دليل على أن الروس يعلمون ان آخر منفذ ستراتيجي لهم اليوم هي أوكرانيا، وهذا يعني أن انضمامها يعني تواجد القواعد العسكرية سواء للناتو او الولايات المتحدة، وبكلا الحالتين روسيا في خطر، بالتالي فحتى وإن لم تهاجم روسيا أوكرانيا فهي تعتمد على الانفصاليين الموالين للروس، الذي لا بدَّ من أن يحققوا هدفاً اهمه زعزعة الداخل الاوكراني، الذي يصعب على الأوروبيين والاميركان التعامل معه.
فالناتو بقيادته والحلفاء المنضمون اليه لا يقوون على مواجهة التحديات الداخلية التي تخلقها الأوضاع فيما اذا تحرك الانفصاليون الموالون لروسيا أكثر من تحركهم الحالي، اما قضية هجوم روسيا من عدمه بالتالي ستواجه روسيا جملة من العقوبات التي الاقتصادية بالدرجة الأولى، أما الغرب سيعمل على إيجاد مجموعة من التسويات مع روسيا حتى في حال دخولها لأوكرانيا، بالمجمل أن الصراع بين الشرق والغرب لا ينتهي بنهاية حرب او مجموعة من المعارك العسكرية او السياسية، لا بل مستمر من خلال إحياء مفاهيم وستراتيجيات قديمة وتجديد وتحول أخرى، وبين هجوم هنا وتسوية هناك، سيبقى الصراع وستبقى تبعاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أقرأ ايضاً
- البيجر...والغرب الكافر
- كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
- الشرق الأوسط الجديد