- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شح المياه في العراق.. أين الخلل ؟
بقلم: د. عبد المطلب محمد عبد الرضا
يعاني العراق مثل العديد من الدول ومن ضمنها اغلب الدول العربية من شح المياه وعدم كفايتها في تلبية الاحتياجات الزراعية والصناعية ومياه الشرب. فموقع العراق الجغرافي وارتفاع درجات الحرارة وزيادة عدد السكان وزيادة متطلباتهم الصحية والغذائية والاهم من ذلك كله وقوع منابع نهر دجلة والفرات وروافدهم خارج حدود الوطن وقيام دول المنبع بتطوير مشاريعها الاروائية وعدم وجود اتفاقيات دائمية لتقاسم مياه الانهار ساهمت, هذه العوامل مجتمعة، بشكل كبير في شحة المياه في العراق. وقد قامت اغلب الدول بايجاد حلول ولو لجزء من المشاكل المائية التي تعاني منها عن طريق الاستعانة بالعديد من التقنيات التي وفرت لها مصادر مائية اضافية. ان بأمكان العراق الاستفادة من هذه التجارب واعتمادها والاستفادة مما وصل اليه العلم لمعالجة شح المياه مع ضرورة قيامه بمعالجة المشاكل التي يعاني منها اصلا حيث يمكن اجمالها بما يأتي:
تغيير طريقة التفكير
عاش العراق طوال تاريخه الطويل في بحبوحة من المياه التي كان يعاني من فيضاناتها ولم يعاني يوما من شحة المياه الا خلال العقود الثلاثة الماضية. ونتيجة لذلك تكونت لدى صانعي القرار طريقة تفكير ومعالجات ترتبط بكثرة المياه ووفرتها ولم يتم وضع استراتيجيات وخطط لها علاقة بشحة المياه ولذلك من الصعوبة التحول من خطط تفكير الى اخرى خاصة في ظل وجود طريقة تفكير مهيمنة على القرار منذ عقود لا تسمح بالتغيير.
حالة المنشآت المائية
لقد تم تخطيط البنية التحتية المائية الاساسية في العراق وبنيت في زمن الوفرة المائية وهي تعاني من نفس المشكلة السابقة فهي غير مهيئة لمعالجة الشحة المائية وهي بحاجة الى اعادة التأهيل والتكيف مع الحالة الراهنة كما ان هنالك ضرورة لوضع خطط جديدة وصياغة طريقة تفكير جديدة وانجاز وتنفيذ منشآت مائية جديدة تتماشى مع شح المياه.
الاخذ بالتقنيات الحديثة
منذ عقود ظهرت للوجود العديد من التقنيات التي من خلال الاخذ بها وتطبيقها استطاعت العديد من الدول معالجة شح المياه. ومن هذه التقنيات يمكن الاشارة الى تقنيات ايجاد مصادر مياه جديدة أو المحافظة على الموجود منها (الاستمطار الصناعي, معالجة مياه الصرف الصحي, وسائل التقليل من تبخر المياه, الري بالتنقيط, تبطين قنوات الري, الخزن الجوفي وغيرها) والاخذ بالتقدم في المجال الزراعي (تطوير اصناف نباتية مقاومة للجفاف والزراعة من دون حراثة وغيرها من الوسائل) اضافة الى استعمال تقنيات حديثة في مجال توفير المياه في المنازل والمصانع. وجميع هذه التقنيات اما مستعملة في العراق على نطاق ضيق واما لم يتم الانتفاع منها واما لم يتم حتى التفكير بتطبيقها.
عدم القدرة على تطبيق القوانين
ان الزراعة هي المستهلك الاساسي للمياه فهي تستحوذ على أكثر من 85% من المجموع الكلي للمياه. وفي ظل عدم القدرة على تطبيق القوانين والتشريعات التي تحمي مصادر المياه وتحافظ عليها ومنع التجاوزات عليها اصبح هنالك هدر للمياه وتلوثها وعدم السيطرة على توزيعها. كما تحولت ضفاف الانهار والاراضي الزراعية الخصبة المجاورة لها الى اراضي سكنية وترفيهية وتم اما اندثار الاراضي الزراعية او ترحيلها بعيدا عن مصادر المياه مما جعل من نقل المياه اليها ذو كلفة عالية اضافة الى فقد كميات كبيرة من المياه اثناء عملية النقل.
عدم الاستفادة المثلى من مياه السيول
بين الفينة والاخرى تتساقط الامطار بغزارة على بعض المناطق محدثة فياضانات في موسم الشتاء (كما حدث في مدينة اربيل قبل عدة أيام) حيث لا يتم الاستفادة المثلى من هذه المياه وخاصة تلك التي تحدث في المنطقة الوسطى والجنوبية لعدم وجود سدود خزن مائي فيها. وفي هذه الحالة يمكن الاعتماد مثلا على تقنية الخزن الجوفي الاصطناعي لخزن مياه السيول والاستفادة منها في وقت الحاجة أو البحث عن حلول اخرى تتناسب مع طوبوغرافية تلك المناطق.
استغلال المياه الجوفية
وهنا يجب الانتباه الى نقطة مهمة جدا وهي ضرورة عدم الاستخدام المفرط للخزين المائي الجوفي وتفريغه تماما. حيث يوجد في العراق حوالي 20 مكمن مائي جوفي او حوض رئيسي تشتمل على عدد من الاحواض الثانوية العديدة ذات المياه المختلفة الملوحة والتي يمكن الاستفادة منها اما مباشرة او بعد القيام بمعالجتها. وتتفاوت كمية المياه الجوفية المخزونة حسب غزارة الامطار الساقطة سنويا والمصادر المائية الاخرى التي تقوم بتغذيتها.
آفة الفساد
وهي الطامة الكبرى التي نخرت جسد الامة وأكلت الاخضر واليابس ومنعت التقدم والتطور في جميع مجالات الحياة. ان آفة الفساد تقتل الابداع لدى المواهب العلمية والفنية وتطفيء شعلة الطموح لدى الشباب وتعيق تقدم الامة وتهدر الاموال العامة وتدفع الكفاءات العلمية لترك الوطن وتمنع تطبيق القوانين وتمنح الشهادات الجامعية العليا المزورة وتترك مجالا واسعا لتدخل الدول الخارجية في الشؤون الداخلية. ان آفة الفساد تبعد الكفوئين والمبدعين والقادرين على معالجة المشاكل الفنية والتقنية والصحية والحضارية والاجتماعية وايجاج حلول لها كما تمنع توفير الموارد المالية اللازمة لانجاز هذه الحلول.
وأخيرا وليس آخراً، ان الاصرار على عقد اتفاقيات مائية دائمة لتقاسم المياه بشكل عادل مع دول منابع نهري دجلة والفرات ضرورة لا بد منها واستعمال جميع وسائل الضغط المتاحة القانونية والتجارية والامنية والدبلوماسية من أجل الحصول على حقوق العراق المائية.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!