- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بعد مرور عام على حرب الـ 44 يوماً وعدم الوفاء بالاتزامات
بقلم: اليك غاريبيان - القائم باعمال سفارة جمهورية أرمينيا في العراق
ان الحرب التي شنتها اذربيجان ضد آرتساخ وشعبها في 27 ايلول 2020 وبدعم مباشر من تركيا وبمساعدة الارهابيين المسلحين الاجانب كان عملا عدوانياً، وتجاهلت اذربيجان بذلك التزاماتها التي وعدت بها لحل الصراع في اطار مجموعة منسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوربا، مخلفاً بذلك الاف الضحايا وعشرات الالاف من الجرحى والمشردين واصبح 40 الف شخص بلا مأوى ودمر 17 الف منشأة مدنية بالاضافة الى تدمير البنية التحتية. نتيجة للحرب تعرض العديد من مناطق آرتساخ للتطهير العرقي، وأصبح السكان ضحايا لجرائم الحرب والفظائع الجماعية التي ارتكبتها أذربيجان. ان حرب الـ 44 يومًا رافقها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واستهداف متعمد للبنية التحتية المدنية واستهداف الآثار الثقافية وجرائم حرب أخرى وباستخدام الأسلحة المحظورة دولياً. هناك أدلة كثيرة تثبت ما حدث سواء في التحقيقات الصحفية أو في تقارير الخبراء المختصين.
سجلت العديد من حالات التخريب والتدمير المتعمد للتراث الثقافي والديني الأرمني من قبل القوات المسلحة الأذربيجانية أثناء العمليات العسكرية وحتى بعد إقرار وقف إطلاق النار، وكمثال على ذلك واكثرها الماً عندما تعرضت »كاتدرائية غزانشيتسوتس« في شوشي لقصف متكرر بواسطة الطائرات المسيرة في 8 تشرين الاول 2020. اما في السنوات 1998 و 2000 و 2005، فقد تم تدمير الآلاف من الصلبان الحجرية في جلفا القديمة، وهناك ادلة كثيرة تثبث صحة ما ذكر. تناشد أرمينيا الدول الأعضاء في اليونسكو وتحذر من التهديدات الخطيرة التي تواجه الممتلكات الثقافية الأرمنية الموجودة في الأراضي التي تسيطر عليها أذربيجان، الا ان الأخيرة تواصل عرقلة تنفيذ تلك المهمة بشتى الوسائل. وفي هذا السياق، يجب ادانة التصريحات الأذربيجانية الوهمية والعارية من الصحة حول تدنيس وتدمير الأضرحة والقبور الإسلامية من قبل الأرمن في أرتساخ، حيث تعايش الأرمن بسلام مع إخوانهم المسلمين لعدة قرون وكونهم أمة قديمة، فهم يعلمون جيداً قيمة هذه المعالم الثقافية. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن سلطات آرتساخ قامت باعمار العديد من المعالم الثقافية بما في ذلك اعادة ترميم مسجد "جوهر آغا" الايراني في شوشي عام 2019 والذي يعود بنائه إلى القرن الثامن عشر.
لسوء الحظ، إلى جانب تدمير التراث الديني والثقافي في كاراباخ الجبلية، فنحن نشهد تغييرًا في المظهر المعماري وتشويه في هوية التراث الثقافي والديني الأرمني لأكثر من 1500 مركزاً ثقافياً و 19000 قطعة أثرية موجودة في المتاحف في أراضي كاراباخ الجبلية التي خضعت للسيطرة الأذربيجانية بعد الحرب.
كل الدلائل تشير الى ان السلطات في آرتساخ حافظت على التراث الديني والثقافي الاسلامي في المناطق المذكورة اعلاه ولا يمكن نكرانها على عكس ما يقوم به الجانب الاذربيجاني ويبذل كل الجهود الممكنة من اجل نشر معلومات مزيفة للعالم من دون تقديم الدلائل. وتحاول اذربيجان تحريف الصراع القائم بين آرتساخ واذربيجان من صراع سياسي الى ديني واعتباره صراع بين المسلمين والمسيحيين وهذا الامر غير مقبول.
اليوم، تستمر أذربيجان الالتفاف عن البيان الصادر في 9 تشرين الثاني 2020 وبيان 11 كانون الأول 2021 الذي تم التوصل اليه، حيث لا زالت تحتجز العديد من أسرى الحرب الأرمن في ظروف غير إنسانية وتعرضهم للتعذيب الجسدي والمعنوي والنفسي، وهذا لا يعتبر انتهاكاً للبند الثامن من الاعلان الثلاثي الصادر في 9 تشرين الثاني 2020 فقط، بل يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني أيضًا. ان تصريحات اذربيجان ودعواتها الانسانية ومطالبتها بترسيخ العدالة يتناقض مع اعمالها الاجرامية ويعتبر سلوك غير مسؤول تجاه المجتمع الدولي، ومن هذه الاعمال الوحشية نذكر تشجيع السلطات الأذربيجانية عمليات قطع رؤوس الجنود الأرمن وتمجيد الضابط الأذربيجاني الذي قتل ضابطا أرمنيا نائما بسلام خلال تدريب دولي.
من خلال التشويه المتعمد والتفسير الاستبدادي لبنود البيان الثلاثي بشأن رفع القيود عن المنطقة، فان اذربيجان لا زالت تعمم فكرة ما يسمى بـ "الممر"، وتهدد بتحقيق اهدافها باستخدام القوة، وهذا ما يتعارض مع مضمون البيانين ويستهدف كل الجهود المبذولة للحد من التوترات في المنطقة.
ان انتهاك الأراضي التابعة لجمهورية أرمينيا من قبل القوات المسلحة الأذربيجانية وتقديم مطالبات إقليمية والتأخير المتعمد لعودة أسرى الحرب وإجراء محاكمات وهمية لبعض الاسرى على انهم ارهابيون والانتهاكات المنتظمة لخط التماس في أرتساخ ، وكذلك اعتبار نزاع كاراباخ الجبلية »منتهياً« إلى الأبد، ما هي الا اعمال استفزازية لزعزعة استقرار المنطقة. حيث تسعى أذربيجان من خلال ممارساتها الاستفزازية إلى تحقيق العديد من الأهداف ولا سيما رفع قضية نزاع كاراباخ الجبلية من جدول الأعمال الدولي و عدم التطرق الى الوضع السياسي لآرتساخ بالاضافة الى زعزعة الاستقرار ومحاولة زرع تحديات جديدة لتقويض عملية السلام في المنطقة مستقبلاً.
لا تتوانى اذربيجان في كل مناسبة عن تشويه مضمون القرارات الأربعة التي اقرها مجلس الأمن الدولي للامم المتحدة عام ١٩٩٣، مدعياً بان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طالبت من أرمينيا سحب قواتها النظامية من كاراباخ الجبلية. لا بد من الاشارة والتأكيد على أن قرارات مجلس الأمن الدولي لم تنفذ تحديداً بسبب موقف أذربيجان الرافض لمتطلبات الرئيسية لجميع القرارات وعدم الامتثال لها ومنها الوقف الفوري لإطلاق النار ووقف وجميع العمليات العسكرية.
أن محاولات الحكومة الأذربيجانية من خلال امتناعها عن تنفيذ قرارات مجلس الامن التابع للامم المتحدة وعدم التزامها بوقف اطلاق النار واعاقة الجهود الرامية لضمان السلام، كانت تهدف الى تحقيق رغباتها وذلك لمواصلة الحرب واعطاء الصراع ميزة عسكرية. في الوقت ذاته يجب على أذربيجان ان لا تتناسى اتفاقية وقف اطلاق النار الثلاثية لسنة 1994، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان آرتساخ هي احدى الاطراف الموقعة على الاتفاقية.
في فترة ما بعد الحرب، واصلت أذربيجان ادعاءاتها واصرارها على ان صراع كاراباخ الجبلية لم يعد موجوداً في الساحة الدولية بل ذهبت ابعد من هذا وصرحت بعدم وجود ما يسمى بمنطقة كاراباع الجبلية، وهذا بحد ذاته يعتبرانتهاكاً خطيراً للبيان الثلاثي الصادر في 9 تشرين الثاني.
من الغرابة توجيه الاتهامات الأذربيجانية لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي كانت معنية في حل نزاع كاراباخ الجبلية بالطرق السلمية ووصف عملهم بـ "التقاعس" ، وبعدئذ مشاركتها مع وزير خارجية أرمينيا في الاجتماع الذي عقد في نيويورك في شهر ايلول وبعدها في باريس في تشرين الثاني وبرعاية مجموعة منسك ذاتها. يكرر الجانب الأرمني ويؤكد موقفه الداعم لحل النزاع القائم بالطرق السلمية فقط ويمكن التوصل الى ذلك من خلال المباحثات السلمية وتحديداً تحت اطار مجموعة منسك.
من أجل تهدئة الوضع والدخول في مرحلة جديدة من التنمية السلمية في المنطقة ، فمن الضروري أن تتخذ أذربيجان موقفا بناء وان تتخلى عن سياسة الكراهية والخطاب العدواني والأعمال العدائية.
مع الاسف قد تم بالفعل اتخاذ خطوات مماثلة في العراق، حيث يحاول الأذربيجانيون ونجحوا في بعض الحالات بتاليب بعض المكونات ضد اخرى داخل العراق وبهذا ينقلون صراعهم الى الساحة العراقية. خلال الأيام القليلة الماضية، بعض المقالات المنشورة في وسائل الاعلام منها صحيفة (صداقة) الصادرة من قبل لجنة تركمانية-أذربيجانية وصحيفة "الزمان" حولت الاعلام العراقي إلى منصة لنشر خطاب الكراهية ضد الأرمن وهي إشارة مقلقة للغاية، لأنها تثير التعصب بين الأعراق والأديان.
جمهورية أرمينيا دائماً تقدرعالياً الموقف المتوازن والبناء لجمهورية العراق الصديق سواء كان ذلك اثناء الصراع او خلال حرب الـ44 يوما.