- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اهمية الامن السيبراني في منظومة الامن الوطني العراقي
بقلم: د. صفاء الوائلي
يعتبر الامن الركيزة الاساسية للمجتمع بحيث لا يمكن تصور نمو اي نشاط بعيدا عن تحققه سواء كان ذلك على المستوى التقني ام على المستوى القانوني ، وقد تحول الامن مع بروز مجتمع المعلوماتوالفضاء السايبراني الى واحد من قطاع الخدمات التي تشكل قيمة مضافة ودعامة اساسية لانشطة الحكومات والافراد على السواء. الا ان الوجوه المتعددة للامن السيبراني ومضاعفاتها الخطيرة التي لا تقف عند حدود الاساءة الى الافراد والمؤسسات بل تتعداها الى تعريض سلامة الدول والحكومات تزيد مهمة القائمين على الموضوع تعقيدا وصعوبة وتستدعي مقاربة شاملة ومتكاملة لجميع التحديات التي يطرحها الفضاء السيبراني بحيث تاتي الردود والحلول المقترحة ناجعة وفاعلة في تحقيق الامن وبناء الثقة في الفضاء السيبراني. ان الموضوع الاهم في الامن السيبراني لا يعني فقط الاجراءات التقنية والادارية المرتبطة بحماية التكنولوجيا والمعلومات فقط بل يتعدى ذلك الى بناء وعي كفوء في ذهن المواطن لكي يتمكن من تحصين نفسه ومجتمعه ويضمن عدم وقوعه ضحية لاي نشاط الكتروني غير شرعي سواء جرائم الكترونية او حتى ارهاب الكتروني ويحصن الفرد من ان يكون اداة تدمير لمجتمعه وثقافته.
بعد ان اصبحت التكنولوجيا واحدة من اساسيات الحياة في مجتمعاتنا ولحداثة التجربة ولكون اغلب الناس المستخدمين للتكنولوجيا لايفقهون تفاصيل استخدام هذه التكنولوجيا وارتباطاتها وتاثيراتها والثغرات التي من الممكن ان تخلقها وتنفذ من خلالها لاغلب تفاصيل حياة الناس .. برزت مشاكل خطيرة تهدد الامن الشخصي للناس وبالتالي تشكل خطرا كبيرا على الامن الثقافي ومنظومة الامن الوطني العراقي لكون الانسان هو جوهر المنظومة الامنية للبلد. ونظرا لعدم الدراية وغياب الخبرات البسيطة في كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل امن اصبح الانسان معرضا لمخاطر الكترونية تتعلق بخصوصيته واعماله وجعلته يصبح ضحية لانواع مختلفة من الهجمات والجرائم الالكترونية النزعة على يد مجاميع اجرامية الكترونية اتخذت من الفضاء السيبراني منصة للقيام باعمالها اللامشروعة. ومثلما كان للجريمة التقليدية مجاميعها وعصاباتها فقد نشأت مجاميع اجرامية وعصابات الكترونية متخصصة بمختلف الجرائم ذات الطبيعة الالكترونية تتنوع بين الجريمة البسيطة المفردة والجريمة الالكترونية المنظمة. تًعد الجرائم الالكترونية من أحد المشاكل العالمية التي تهدد العالم الالكتروني فهي تشكل خطراً على أمن الأفراد وخطراً أكبر على الشركات العالمية الكبرى والمصارف والأنظمة الحكومية. من وجهة نظر الحوسبة، يقابل الأمن الالكتروني اجهزة الأمن والحراسة التي تستعمل في الشركات. حيث يستخدم الأمن الالكتروني لحماية مراكز بيانات والأنظمة المؤتمتة للشركات والمنظمات من الدخول الغير مصرح به. صممت أنظمة حماية المعلومات للحفاظ على الخصوصية والسلامة توافر البيانات وهي فرع من فروع الأمن الالكتروني. يمكن أن يساعد استخدام الأمن الالكتروني على منع الهجمات الالكترونية واختراق البيانات و انتحال الشخصية كما يمكن أن يساعد في إدارة حالات الخطر.
بدأ الانسان بالانسلاخ من واقعه الانساني الحقيقي وبداء يتجه نحو عالم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وهو ما نتج عنه ظهور ما يسمى المجتمع الافتراضي الذي يرى فيه مستخدم هذه الشبكات عالم متعدد من الثقافات واللغات والمذاهب والاعراق، مما يجعله يعيش في هذا العالم بحواسه ومن ثم ينفصل عن الواقع ويغرق في الواقع الافتراضي.
هناك اهمية لانشاء وجود درع وطني امني الكتروني تشترك به الاجهزة الامنية للدولة من خلال متابعتها لقضايا الجريمة الالكترونية من جهة، والمواطن بصفته محتوى العمل الامني وكذلك كونه قد يقع ضحية لجرائم الكترونية النزعة من حيث الاحتيال والابتزاز من جهة اخرى، وهذ ياتي باتجاهين الاول يتضمن ضرورة وجود رقابة امنية على الاجهزة الالكترونية واستيرادها وكذلك وجود سيطرة ومراقبة للبرامج والمواقع التي من الممكن ان يصبح المواطن ضحية لها سواء نتيجة لعدم دراية او سوء استعمال او لقلة خبرة او حتى لغياب التشريعات والاجراءات والسيطرة الحكومية في هذا المجال بالاظافة الى الحاجة الملحة لرفع الوعي الامني الالكتروني لدى الناس والذي من شأنه سيرفع مستوى تحصين المجتمع ومنع حدوث الثغرات التي تستغلها مجاميع العصابات الالكترونية ابتداءا من المستوى البسيط للجريمة الالكترونية وصولا الى الارهاب الاليكتروني.
لم تكن الحياة بهذه الدرجة من التعقيد ...كان الانسان يحرك الاشياء بعد ان يصنعها اصبحت الاشياء تحركه ...اصبح الانسان اداة للتكنولوجيا بعد ان كانت اداته ... الانسان - التكنولوجيا اما الان فالواقع مختلف بعد ان اصبحت المعادلة كالاتي الانسان - التكنولوجيا – الانسان او التكنولوجيا – الانسان.
كان العالم عبارة عن مجرة بشرية يتحكم البشر فيها بالموارد تحكم احادي القطب دون ان يكون لتلك الموراد التكنولوجية اي تاثير عليه وعلى حياته وطريقة تفكيره. بدأت الامور تتغير بسرعة كبيرة ... تغيرت الادوار التشغيلية بين الانسان والتكنولوجيا واصبحت التكنولوجيا هي من يشغل الانسان بعد ان كان يشغلها لتخدمه. منذ انطلاق مفهوم القوة الناعمة على يد جوزيف ناي سنة 2000 والتي اؤشر فيها بداية مرحلة جديدة من الحروب العالمية المدمرة وهي الحرب الالكترونية. اصبح العالم يفقد السيطرة على ما يدخل الى ذهن الانسان من افكار وصور بدات تؤثر في قولبة ذهنه وبداء يرتوي من مياه ملوثة اثرت بشكل كبير على تغيير نمطية تفكير الانسان وحولته الى لوحة مليئة بخطوط غير معروفة.
ان غياب الحدود المادية التي تمنع او تفلتر ما يدخل لعقل الانسان من كم هائل من المعلومات يساعدها حالة اللاوعي والجهل بالتكنولوجيا قادت الى تغييرات سلوكية خطيرة لدى الانسان وزرعت في داخل الجيل الالكتروني افكارا ملوثة ومفاهيم مشوشة بداء الانسان يفقد فيها السيطرة على انفعالاته وتعرضه الى مشاكل خطيرة هددت امنه الفكري والعائلي والاجتماعي.
الخطر يسير باتجاهين الاول يتعلق بحجم الكم الهائل من تعرض الانسان الى المعلومات دون ان يكون لديه انظمة دفاع او انظمة فلترة او معالجة حتى لما تقود اليه هذه العملية.
العدو والصديق التقليدي حينما يريد ان يدخل الى بيتك فان هناك حدود مادية وقيود تجعل نطاق تحركه المكاني معروف ومحدود جدا فالصديق لا يمكن ان يداخل الى جميع الاماكن في البيت ويبقى نطاق وجوده في غرفة الضيوف وكذلك العدو الذي يبحث عن ثغرات مكانية يدخل منها الى اماكن انت غير موجود فيها ليسرق منها. اما الصديق والعدو الالكتروني في العالم الالكتروني لا تمنعه حدود او قيود مهما كانت سوى حدود وقيود ينشئها الانسان بنفسه حول ما يدخل الى دماغه من معلومات.
الصديق والعدو الالكتروني يعتمد على الاشارة ليصل الى ادق تفاصيل حياتك والاشارة تنتقل بالهواء وبما ان الهواء يتواجد في كل المساحات التي نعيش فيها فان الصديق والعدو الالكتروني يدخل الى كل مكان يكسر حدود الخصوصية ... السؤال هنا هو من يمكنه من ذلك ؟ الانسان نفسه هو من يمكنه ذلك اذا ما سمح بوجود غير مقيد وغير محدود للادوات الالكترونية في حياته وخصوصا اذا كان هذا الوجود دون فهم او وعي او دراية بتلك المخاطر المرتبطة بالالكترونيات واشاراتها.
ان الفضاء السيبراني المفتوح يشكل اليوم مشكلة امنية كبيرة خصوصا وان هذا الفضاء المفتوح يتم السيطرة عليه من قبل دول معينة تستثمره وتوضفه من اجل تحقيق غايات كبيرة من اهمها الغزو الثقافي وتغيير الثقافات وتغيير الصور الذهنية للانسان ومن ثم السيطرة عليه وتوجيهه باتجاهات تخدم مصالح تلك الدول.
ان هذه القوة الناعمة بكافة وسائلها اصبحت القوة المسيطرة على عالم اليوم تتحكم فيه وتقوده الى النتائج والاهداف التي تطمح اليها.
للاسف فان العراق اليوم يعاني من ضعف وغياب السيطرة على الفضاء الالكتروني وعدم القدرة على تقنيني وتنظيم الاستعمال المفرط للتكنولوجيا حيث ان العراق يتعرض الى اختراقات سيبرانية كبيرة خصوصا في ظل غياب منظومة اتصالات وطنية وغياب التخصص الامني السيبراني المنشود.
ان وجود الامن السيبراني في عمل بعض الاجهزة الامنية لايرتقي الى مستوى الطموح وعليه فعلى الحكومة اليوم ان تبذل جهود اكبر وتوفر مستلزمات تقنية من اجل السيطرة على الفضاءات السيبرانية ومن ثم فرض الامن السيبراني وتوفير الحماية اللازمة للمواطن.
أقرأ ايضاً
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي