- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هكذا انحنى التأريخ لعلي بن أبي طالب عليه السلام
بقلم: حسن كاظم الفتال
كم من شخص منح نفسه لقب خليفة وما خرج إلا بالخراب والدمار للمجتمع إداريا وعقليا ونفسيا واقتصاديا فخرب البلاد وأهلك العباد من أجل أن تقدم له من ديباجات الدنيا ما تبرق بعينه فيصيبه عمى الطمع وغزاه الجشع واعتراه الغرور فصار لا يبصر بعدها إلا نفسه ولا يترجل يوما من أبراجه العالية ليسير في قافلة يركبها الفقراء وذلك هو الذي يسحقه التاريخ ولا يود تسجيل اسمه أو تدوين عنوانه إلا في صفحات اللعنات والمذلة فإن الحكام اعتادوا واعتدنا أن نراهم يعيشون على موت شعوبهم .
وأما أمير المؤمنين صلوات الله عليه استشهد من أجل أن تحيا الشعوب بأجل وأسعد وأروع حياة حين تتعطر بنفحات قدسه وتستلهم الدروس والعبر من مسيرة حياته الكريمة ومن عدله وإنصافه وتأسيسه قوانين العدالة وضمان حقوق الإنسان . وكيفية استشهاده وهو يضرب المثل الأعلى حين يجزل بإنصافه ورحمته وعطفه ما لا يوصف ليس بتعامله مع الناس والرعية والمسترشدين والمستجيبين لنداء ورعه وتقواه بل حتى مع أعدائه وألدِهم وهو قاتله الذي أنفرد في ارتكابه أفضع وأبشع جريمة وأنفرد أمير المؤمنين صلوات الله عليه في هذه الدنيا بصيغة تعامله معه . وهو القائل عليه السلام : (خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم).
إننا اليوم نَحِنُ بل بغاية الحنين إلى أن نعيش مع ذكر وذكرى أمير المؤمنين عليه السلام ونصر على أن لا تفارقنا هذه الذكرى ويحق لنا أن نجهش بالبكاء لفقده كثيرا ونرفض ونقاوم أشد المقاومة من يريدنا أن نتخلى عن ذكراه أو حتى عن البكاء أسفا على مغادرة جسده الشريف لنا إذ أن روحه باقية لا تفارق أذهان أولي الألباب ولا تبتعد عن أهل الحجى وأهل الحق ولا عن سويداء الضمائر.
قبس يضيء دنيا الهداية
لذا فقد راح العقلاء يتدافعون للإستضاءة بنور فكره حتى ممن لم يدينوا بدينه ولم ينحازوا إلى ملته أصروا على أن يستظلوا بظل كرامته ويتسابقون على الإنحناء أمام شهقات عطفه وشفقته ويتمرغون بصدق حبهم على أعتاب الولاء له ويقدسونه أجل وأعظم تقديس ومنهم من آثر أن يتخلى عن معتقده ومرشديه ويسوق ذلك قربانا للتشرف بالإنطواء تحت لواءه ولكي ينتسبوا إلى الركب الذي ينتظر على ضفاف نائله ليرتشف من فكره العظيم حيث قد تيقنوا بأنهم لم يصادفوا ولم يخبرهم تاريخ ملوكهم وأباطرتهم وحتى الأولياء والأوصياء ممن نال ذروة الإرتقاء التي ارتقى لها أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولُقِبَ بهذا اللقب دون أن يستحقه غيره وما أطلق هذا اللقب على أحد سواه إلا زورا وبهتانا وظلما واغتصابا لإن هذا اللقب قد خُطَّ على عظمته كما خطت القلادة على جيد الفتاة. ولازمه كما يلازم الاسم الفرد . لقد قدر له أن يحمل هذا اللقب كما قدر للشمس أن تحمل هذا النور الذي يستضيء به الكون وينار.
درة علم نفسية يتيمة
إن من يحمل وجها قبيحا يستقبح الناس حتى النظر إليه هل يمكن للتيجان أو الديباج أو جلابيب الخز والحرير والزخرف أن تجمل وجهه أو تغير من قبحه شيئا ؟ يستحيل ذلك إلا بقدر معين يأتي بتغيير خارجي ظاهري وذلك حين يلتف المنتفعون حوله ويوهمونه بأنه أصبح جميلا ليلقي لهم من الفتات ما يقتاتون عليه كما تقتات البهيمة المربوطة التي همها علفها وشغلها تقمصها لتكترش من أعلاف هذه الدنيا غير آبهة من حلال أو حرام يأتي علفها .
نحاول في كل مرة حين نغوص في بحره .. أن نلتقط دررا نفيسة يعكس إشعاع بريقها من الفضائل والعلم والمعرفة والحكمة والبلاغة والفصاحة والفطنة ما لا يعد ولا يحصى من المنافع لا توجد زاوية في جحور العلم ولا نقطة في كهوف المعرفة أو في ممر من سبيل الرشاد إلا وأضاءها بنور عقله وعلمه ووعظه وتوجيهه وإرشاده .. وحين يصغي المرء لقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه إصغاءً عقليا فكريا صافيا نقيا خالصا بصفاء نية خالٍ من التشوهات القصدية فلابد أنه سيتفاعل مع إشاعاعات درر الكلام المنثورة المنبعثة من عمق الضمير المضاء بالعصمة والمحاط بعقيدة نقية صافية لا نظير لها وحين يحدث التفاعل سيمكنه ذلك من الشروع من نقطة التفكر إلى سبيل لا متاهة ولا ضلالة ولا ضياع ولا وحشة ولا شعور بغربة أبدا . بعيدا عن كل حيرة وتذمر وانزعاج وسيضمن به وصولا محققا سليما لا خوف عليه ولا حزن إلى الصراط المستقيم لأن البعض من المحسوبين على العلم والتعلم وهم مندسون بالحقيقة بعضٌ من هؤلاء يحاول أن يحتل مكان الواعظ النذير والمرشد الكبير ليأخذ بيد الإنسان إلى طريق يسلكه هو دون أن يستكشف أو يتفحص مسافاته لكنه ينشر فكرا مشوشا إن لم نقل منحرفا فيجعل من يقطع هذا الطريق إما على مفترق طرق الحيرة أو على حافات الضلالة أو يسير ولكن بوحشة كبيرة لا يصاحبه إلا الأشباح التي تتراءى للإنسان أحيانا
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : "صدر العاقل صندوق سره ، والبشاشة حبالة المودة ، والإحتمال خباء العيوب ، ومن رضي عن نفسه كثر الساخط عليه، أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان ، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم".
صلى الله عليك يا ابا الحسن.