حجم النص
بقلم:سالم مشكور
منَ المؤسف حقاً أن نرى الإقصاء وعدم تحمّل الرأي الآخر ونقص أخلاقيات النقاش، باتت أكثر عمقاً في المجتمع بعد أن كنا نعوّل على تلاشيها بمرور السنوات. وسائل التواصل الاجتماعي، لم تستطع الدفع باتجاه ترسيخ ثقافة الحوار وآدابه، بل باتت ميداناً لكشف مستوى التراجع الأخلاقي الذي لا يبعث على التفاؤل بشأن مستقبل الديمقراطية التي لا تقوم على مجرّد دستور وانتخابات، بل على ثقافة وسلوك في المستويات كافة.
في وسائل التواصل الاجتماعي، يتساوى الجاهل والعالم، بالإمكانية التي توفرها للإدلاء بالرأي، حتى بات المثقف وصاحب الرأي يتحرج في كثير من الأحيان من طرح رأيه، تحاشياً لردود وتعليقات تتسم بسوء الأدب وقلة التهذيب، فضلا عن وصول بعضها الى حدود الاتهام والشتم. اتساع هذه الظاهرة يكشف مدى التراجع الأخلاقي في المجتمع وهو ما يهدد بانهياره وما يؤدي اليه من انهيار مناحي الحياة كافة، وهو ما يتطلب جهوداً استثنائية ومن أكثر من جهة لوقف مسلسل الانهيار، ومن ثم العمل الدؤوب لاستعادة القيم التي أطاحت بها عقود عجاف من الحروب والعنف السلطوي والحصار، وصولا الى فوضى ما بعد ٢٠٠٣ والتي اسهمت في تعميق الخلل.
المنهج التعليمي في مراحل الدراسة كافة بحاجة الى تغيير من حالة التلقين الى تحفيز التفكير والتفاعل كي يتعلم الطالب أخلاقيات النقاش. الوعّاظ وخطباء المنابر يجب أن يكونوا قدوة في الاخلاق لا أن يمارسوا سلوكيات الاتهام والتطاول واستدعاء حوادث وروايات من التاريخ تشجّع على الكراهية ورفض الاخر كما يفعل كثير من هؤلاء. دور هؤلاء خطير في مجتمع بسيط يعتبر الزي الديني دليل صدقية وقداسة أحقّ أن تُتّبع. مشكلة هؤلاء أنهم بلا مرجعية قانونية أو تنظيمية تحدد مواصفات ومعايير من يعتلي المنبر. الاعلام يمارس دوراً خطيراً في تدمير منظومة القيم الأخلاقية خصوصاً ما يتعلق منها بأخلاقيات الحوار من احترام واستماع ونقاش بأسلوب مهذّب. المذيع والمقدم والمراسل الذي يتطاول ويتهم ويصدر أحكامه ويحاور بسوء أدب سيقتدي به الكثير من المشاهدين، والعكس صحيح.
السياسي الذي يظهر في الاعلام ويتبادل الصراخ والتطاول مع زميل له، سيسهم في إشاعة هذا الخلق السيئ بين المتلقين. والزعيم السياسي الذي يشغّل جيشاً الكترونياً، ليس لترويج أفكاره وتوجهاته، إنّما لمهاجمة خصومه بأقذع الالفاظ والاتهامات على مواقع التواصل الاجتماعي، انما يسهم في تدمير المجتمع من خلال خلق جيل ممن يمتهنون هذا الأسلوب.
انهيار الاخلاق يعني انهيار المجتمع.. إنمّا الأمم الاخلاق ما بقيت ....
أقرأ ايضاً
- الأخلاق المحمدية
- الإعداد الروحي.. الأخلاق وأثرها في الجانب الروحي ـ الجزء الثالث عشر
- عامل الأخلاق في بناء الدولة