- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ماذا وراء الاستثمارات الزراعية السعودية في العراق ؟
بقلم: د. محمد علي الجزائري
دعت وزارة الموارد المائية العراقية, في بيان لها بتاريخ 8/11/2020, المحافظات المعنية بالاستثمار السعودي (السماوة, الانبار, النجف, .... ) الى التنسيق مع الوزارة لضمان ثروة العراق المائية وتنميتها بشكل مستدام. حيث اشارت الوزارة في هذا البيان الى (ان خزين المياه الجوفية المستدام متوفر بكميات قليلة لا تتيح التوسع الهائل للاستثمار الزراعي وأن الخزين الاستراتيجي هو حصة أجيال المستقبل من ثروة العراق المائية وكذلك هو خزين حيوي لتلبية احتياجات مياه الشرب في ظروف الجفاف الاستثنائية التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط وشح المياه اللذين يحدثان نتيجة التغيرات المناخية وتزايد عدد السكان في العراق).
وبالخلاصة ترى وزارة الموارد المائية العراقية ان المياه الجوفية العراقية قليلة لا يمكن استثمارها بشكل واسع حيث يؤدي ذلك الى استنزافها وجفاف خزينها وان تلك المياه مهمة وضرورية لتلبية حاجات العراق المائية في الظروف المناخية التي يعيشها البلد وهي أيضا حصة وضمان توفير المياه للاجيال القادمة ولا يمكن التفريط بها بسهولة. فهل هنالك من اذن واعية ؟
والسؤال هنا لماذا هذا الاهتمام السعودي بالاستثمار الزراعي في العراق ؟ والجواب هو ضرب عدة عصافير (وليس عصفورين كما يقول المثل) بحجر واحد. فهو مشروع يعود لسنوات ماضية حيث اشار وكيل وزارة الزراعة العراقية مهدي ضمد في عام 2018 الى رغبة السعودية في استثمار مليون هكتار (الهكتار يعادل 10000 متر مربع) في الانبار يتم فيها زراعة المحاصيل العلفية أو الاستراتيجية.
لماذا المحاصيل العلفية ؟
والجواب يأتي على لسان مدير مشروع ايقاف زراعة الاعلاف السعودي على قناة (خليجية) حيث يشير الى ان قرار الايقاف اتخذ من قبل مجلس الوزراء السعودية عام 1337 هـ الموافق لعام 2016 م ليتم تطبيقه بعد ثلاث سنوات ابتداءا من تاريخ 25 صفر عام 1440 هـ الموافق لعام 2019 ودعى الى البحث عن بدائل اخرى لتوفير ما يحتاجه مربي الحيوانات السعودي من الاعلاف. وجاء في حيثيات القرار انه جاء للمحافظة على الموارد المائية السعودية والمحافظة عليها للاجيال القادمة حيث ان الاعلاف تستهلك كميات كبيرة من المياه وصلت الى (17 مليار متر مكعب) من المياه سنويا لمساحة مزروعة بالاعلاف حجمها (640000) هكتار.
تهدف الاستثمارات السعودية اذن الى المحافظة على المياه السعودية للاجيال القادمة من جهة واستنزاف المياه العراقية وتعريض العراق للجفاف والعراقيين للعطش من جهة اخرى. ان كمية المياه الجوفية العراقية المتجددة قليلة جدا ولا يمكن استغلالها لفترة طويلة من دون تعريضها لخطر الجفاف هذا مع العلم بأن السعودية اشترطت ديمومة المياه لمشاريعها الزراعية لمدة تصل الى (50) عاما كما كشف ذلك وزير الزراعة العراقي الحالي محمد كريم وهذا يتجاوز كثيرا ما هو متوفر من مياه جوفية في تلك المناطق مما يعني تعريض هذه المياه الى الجفاف. اضافة الى ذلك فان ما تحتاجه زراعة الاعلاف السعودية يتجاوز كثيرا حتى الواردات السنوية الكلية لنهر الفرات والتي لم تتجاوز (10 مليار متر مكعب) في السنوات الماضية. ان هذا يعني أن السعودية تريد استغلال اغلب المياه العراقية المتوفرة لانجاز مشاريعها الزراعية على حساب دمار الامن المائي والغذائي للعراق.
تشير دراسة للبنك الدولي لعام 2006 الى انخفاض متوسط واردات نهر الفرات الداخلة للعراق من (30-35) مليار متر مكعب في الفترة 1932 - 1970 الى (19 - 21) مليار متر مكعب للفترة 1971 - 2003. كما انخفضت واردات نهر الفرات في السنوات الماضية الى اقل من (10) مليار متر مكعب ومن المتوقع ان يستمر الانخفاض في الواردات المائية لنهري دجلة والفرات عند استكمال تركيا مشروع جنوب شرق الانضول (G.A.P), وايران بناء السدود وتحويل مياه الانهار الحدودية وسوريا تنميتها الزراعية الطموحة. نذكر هنا الى ان نسبة (88%) من واردات نهر الفرات تأتي من تركيا و(9%) تأتي من سوريا والباقي (3%) يأتي من داخل العراق كما ان نسبة (68%) من واردات نهر دجلة المائية تأتي من تركيا وايران وبالتالي فأن العراق ليس في موقف يحسد عليه من حيث الواردات المائية فهو يعتمد بشكل رئيسي في امداده بالمياه على هاذين النهرين, دجلة والفرات, ونتيجة لذلك عليه ان يبحث عن بدائل لتعويض النقص في الواردات المائية بسبب مشاريع التنمية الزراعية لدول الجوار. ان حاجة العراق السنوية من المياه تبلغ حوالي (70) مليار متر مكعب وهو لا يملك فعليا ربع هذه الكمية ولذلك فهو بحاجة الى المحافظة على كل قطرة من مياهه الوطنية, السطحية والجوفية, لتلبية احتياجات امنه المائي والغذائي وعدم التفريط بها في استثمارات قد لا تستمر الا عدة سنوات يتم فيها استزاف مياهه الجوفية وجفافها وفقدها الى الابد.
من هو المستفيد من هذه الاستثمارات ؟
تقترح السعودية استغلال حوالي (2 مليون هكتار) من الاراضي العراقية في صحراء السماوة والنجف والانبار. والمساحة المطلوبة من قبل السعودية تعادل ثلثي المساحة الكلية المزروعة في العراق عن طريق الري في السنوات الاخيرة والتي تبلغ (3) مليون هكتار فقط. والسؤال هنا من أين يمكن توفير المياه للمساحات الاضافية الشاسعة التي تطلبها السعودية والعراق يعاني اصلا من شح المياه ولا يستطيع زراعة جميع اراضيه الصالحة للزراعة بسبب هذه الشحة؟
والسؤال الاخر هل يستفيد العراق والسوق العراقية والفلاح العراقي من هذه الاستثمارات؟ الحقيقة ان المستفيد من هذه الاستثمارات بالدرجة الاولى هي الطبقة السياسية والمسؤولون في هذه المحافظات التي سوف تتقاسم أموال الاستثمار فيما بينها بحجة أو باخرى ولا يدخل خزينة الدولة الا النزر القليل. كما لا تستفيد السوق العراقية من المحاصيل الزراعية المزروعة حيث نشير الى نقطة مهمة وهي ان هذه الاستثمارات السعودية لا تعني بيع محاصيل المشاريع الاستثمارية الزراعية في العراق وانما يتم نقل أجودها بالكامل الى السعودية لاستهلاكها هنالك فهي التي بحاجة الى هذه المحاصيل وليس للدولة أو الاقتصاد أو السوق العراقية أي رأي أو دور في ذلك كما تفقد الترب العراقية خصوبتها نتيجة الاستغلال. أما الفلاح العراقي فهو الخاسر الاكبر من هذه الاستثمارات حيث يتم استبعاده عن المشاركة فيها بحجة عدم مهارته في العمل في هذا النوع من المشاريع الكبيرة وبذلك قد يفقد الفلاح العراقي مصدر رزقه وجزء من ارضه التي يزرعها حاليا ومصادر المياه التي يستفاد منها.
لقد أشارت الامم المتحدة على لسان مبعوثها في العراق يان كوبيتش عام 2018 الى ان شحة المياه في المناطق الجنوبية من العراق ستزداد سوءا وستضع قرابة المليوني عراقي في خطر الجفاف بالاضافة الى احتمال التشرد. وخرجت في السنوات الماضية مظاهرات غاضبة في المحافظات الجنوبية العراقية احتجاجا على نقص المياه وشحتها في مناطقهم من دون ان يجدوا دعما أو اسنادا أو مساعدة أو حلا من قبل المسؤولون في الحكومة أو المحافظات المعنية. وكشف النائب الاول لمحافظة ذي قار عادل الدخيلي عام 2018 الى نزوح (1200) عائلة من جنوب المحافظة بسبب الجفاف جراء الانخفاض الكبير لمناسيب الفرات والتوجه الى محافظات اخرى بحثا عن اماكن تتوفر فيها مصادر المياه.
من اين تأتي الايدي العاملة ؟
ان جزء من صفقة القرن تقضي بأسكان الفلسطينيين خارج فلسطين وايجاد ارض لقسم منهم خارج وطنهم لتصفية القضية الفلسطينية وضمان أمن الدولة العبرية. والمشروع السعودي يأتي ضمن هذه الصفقة فزراعة حوالي (2 مليون هكتار) بحاجة الى ايدي عاملة ماهرة وليس من الحكمة (!) عدم الاستفادة من الايدي العاملة الفلسطينية فهم في زيادة مطردة ومن دون عمل ويشكلون عبئا وخطرا على الدولة العبرية. وقد تم سابقا الحديث أكثر من مرة بشكل غير علني من قبل السعودية ودولة الاحتلال عن نقل العوائل الفلسطينية الى الانبار ضمن صفقة القرن لاسباب سياسية وعسكرية ومذهبية واسكانهم فيها. وهنا تأتي الاستثمارات الزراعية السعودية الاخيرة لتكون المبرر والوسيلة لنقلهم واسكانهم في محافظتين عراقيتين أو أكثر لتنفيذ صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية في آن واحد.
السعودية والماء العراقي
قامت السعودية في عام 1983 بتمويل بناء سد أتاتورك التركي على نهر الفرات بمليار وربع دولار نكاية بالعراق وسوريا كما قامت بتمويل سد اليسو التركي على نهر دجلة لحرمان العراق من مياه هذا النهر وتعريضه للجفاف. كما ينبغي ان لا ننسى ان السعودية ارسلت للعراق ما لا يقل عن (5000) ارهابي فجروا انفسهم في الاسواق والمساجد والمدارس والدوائر والمؤسسات مما فجعوا الاف العوائل العراقية وأيتموا اطفالهم ودمروا ممتلكاتهم. وللسعودية دور فاعل وأساسي أيضا في صنع وتشجيع وتمويل وتسليح ودعم داعش الارهابي الذي عاث في ارض العراق القتل والتدمير وهدم البنى التحتية ومن ضمنها المائية. كما دعى بعض علماء السوء في السعودية داعش الاجرامي للعمل على منع ماء دجلة وبالخصوص الفرات من الوصول الى المحافظات الجنوبية لاسباب لا تغيب عن القاريء اللبيب. فاللسعودية باع طويل في محاولات القضاء على الشيعة والتشيع وابقاء العراق في حالة الضعف والوهن وليس مشروعها الاستثماري الجديد الا لبنة في هذا البناء الذي تعمل عليه ليل نهار لايجاد موطيء قدم لها في العديد من المحافظات العراقية لتكون في قلب الاحداث وشراء بعض الذمم والضمائر الفاسدة والهدم من الداخل العراقي وتقسيمه بعد ان فشلت جميع المخططات التي وضعتها سابقا لاركاع العراق وهدمه.
الخاتمة
ان على المسؤولين في الدولة العراقية وفي المحافظات المعنية بالاستثمار السعودي ان يدركوا أهمية الماء كمصدر أساسي للحياة والازدهار والاستقرار والامن ولا بد من وجود خطة استراتيجية للمحافظة على المياه العراقية وحمايتها فالمياه جزء ضروري من سيادة العراق وأمنه.
وفي الختام فأن أهداف الاستثمارات الزراعية السعودية ما هي الا استنزاف الموارد المائية العراقية وزيادة محنة وشحة العراق المائية وتعريض أمن شعبه المائي والغذائي للخطر مقابل أموال ودولارات معدودة لا يستفاد منها الا عدد محدود من السياسيين اضافة الى كونها مدخلا للتدخل عن قرب في الشأن العراقي واثارة النعرات الطائفية ووسيلة لتقسيم وهدم العراق من الداخل وجزء مهم من صفقة القرن واسكان الفلسطنيين في مناطق الجزيرة العراقية.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟